التوبة وشروطها

قال الله تعالى: يا أيها الذين ءامنوا توبوا إلى الله توبة نصوحًا ويقول الله تعالى: وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ويقول تعالى: واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إنّ ربي رحيم ودود، ويقول تعالى: وإني لغفار لمن تاب وءامن وعمل صا لحًا ثم اهتدى، وروى ابن ماجه رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: لو أنّ لابن ءادم واديًا من ذهب أحبّ أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا الـــتـــراب، ويــتــوب الله على من تاب رواه البخاري ومسلم.

 وفي قصة المرأة من جهينة لما زنت وحملت ووضعت ثم شُدت عليها ثيابها ثم أمر بها فرُجمت ثم صلى عليها النبي صلى الله عليه وسلم. فقال عمر: تصلي عليها يا رسول الله وقد زنت؟ قال: لقد تابت توبة لو قُسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجَدْت أفضل من أن جادت بنفسها لله عز وجل رواه مسلم.

والتوبة واجبة من كل ذنب كبيرة وصغيرة فورًا وقد تظاهرت دلائل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على وجوب التوبة. والغفلة هي الإنشغال بمعصية الله عن طاعته، فالمسلم العاقل هو الذي يقوّم نفسه ويأخذ بزمامها إلى ما فيه مرضاة الله تعالى ورسوله، وإن جنحت نفسه يومًا للوقوع في المعاصي والانهماك في الشهوات المحرمة، يعلم أنّ الخالق غفور رحيم، يقبل التوب ويعفو عن السيئات، وأنه مهما أسرف في الذنوب ثم تاب منها فإنّ الله يغفرها جميعًا يقول الله عزّ وجل: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنّ الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم [سورة الزمر/ ءاية 53] والقنوط من رحمة الله هو أن يجزم المرء في نفسه بأنّ الله لا يرحمه ولا يغفر له بل يعذبه، وهذا القنوط ذنب من الكبائر.

فكن يا عبد الله وقّافًا عند حدود الشريعة، ملتزمًا بالأوامر الإلهية منتهيًا عن النواهي ولا تدَعْ نفسك تحدثك بالمعصية، وإن كانت معصية صغيرة، فإنّ من الناس مَنْ إذا وقع في وحل المعاصي ومستنقع الذنوب استلذ ذلك، وظل قابعًا في ظلام الفجور والخطايا، وقد قيل:

إذا ما خلوتَ الدهرَ يومًا فلا تقلْ              خلوت ولكن قل علي رقيبُ

ألم ترَ أنّ اليومَ أسرعُ ذاهبٍ                   وأن غدًا للناظرين قريبُ

وقال بعضهم:

يا نفسُ توبي فإنّ الموت قد حانا              واعصي الهوى فالهوى ما زال فتانا

 

وأما شروط التوبة فهي التي لا بد منها لقبول التوبة عند الله وهي:

١- الإقلاع عن المعصية أي تركها فيجب على شارب الخمر أن يترك شرب الخمر لتُقبل توبته والزاني يجب عليه أن يترك الزنا، أما قول: أستغفر الله. وهو ما زال على شرب الخمر فليست بتوبة.

٢- العزم على أن لا يعود لمثلها أي أن يعزم في قلبه على أن لا يعود لمثل المعصية التي يريد أن يتوب منها، فإن عزم على ذلك وتاب لكن نفسه غلبته بعد ذلك فعاد إلى نفس المعصية فإنه تُكتب عليه هذه المعصية الجديدة، أما المعصية القديمة التي تاب عنها توبة صحيحة فلا تكتب عليه من جديد.

٣- والندم على ما صدر منه، فقد قال عليه الصلاة والسلام: الندم توبة رواه الحاكم وابن ماجه.

٤- وإن كانت المعصية تتعلق بحق إنسان كالضرب بغير حق، أو أكل مال الغير ظلمًا، فلا بدّ من الخروج من هذه المظلمة إما برد المال أو استرضاء المظلوم؛ قال النبي عليه الصلاة والسلام: من كان لأخيه عنده مظلمة، فليتحلله قبل أن لا يكون دينار ولا درهم رواه مسلم رحمه الله.

٥- ويشترط أن تكون التوبة قبل الغرغرة، والغرغرة هي بلوغ الروح الحلقوم، فمن وصل إلى حدّ الغرغرة لا تقبل منه التوبة، فإن كان على الكفر وأراد الرجوع إلى الإسلام لا يقبل منه، وإن كان فاسقًا وأراد التوبة لا يقبل منه؛ وقد ورد في الحديث الشريف: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر رواه الترمذي وقال حديث حسن.

كذلك يشترط لصحتها أن تكون قبل طلوع الشمس من مغربها، لما صح عن النبي عليه الصلاة والسلام: إن في المغـــرب بابًا خلقــه الله للتوبة مسيرة عرضه سبعون عامًا لا يُغلق حتى تطلع الشمس منه رواه ابن حبان. وقال عليه الصلاة والسلام: من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه رواه مسلم.  فمن أراد الله به خيرًا رزقه التوبة النصوح والكاملة والثبات عليها حتى الممات.

فما أعظم التوبة وما أسعد التائبين، فكم من أناس فاسقين فاسدين بالتوبة صاروا من الأولياء المقربين الفائزين. جعلنا الله من التائبين الصادقين القانتين الصالحين بجاه سيد المرسلين والصحابة الطيبين وءال البيت الطاهرين ءامين.