كثيرًا ما يتداول كلمة حلال عن اللحم وكَثُرَ إستعمالها حتى صارت رقماً تجارياً يستعمل للترويج والتجارة والربح، ولذلك بنبغي للمسلم أن يعرف على ما تدلُ هذه الكلمة وعلى ما تَرمُز بوضعها في محلات بيع اللحوم وعلى البضائع والمعلبات. فكلمة حلال في هذا الموضع معناها باختصار "هذا لحمٌ يجوز للمسلم أن يأكل منه"، أو أن هذا اللحم موافق للمواصفات الشرعية، مطابق لما جاء في شرع المسلمين مما يجوز أكله من اللحوم ، وهذه المسئلة عند المسلمين دقيقة لأنَّ الله حرمَ على المسلم تناول أي نوع من اللحوم ما لم يكن اللحم مذبوحًا بالطريقة الشرعية، ولابُدَّ أن يكون الذابح لهذا الحيوان إما مسلم وإما أن يكون من أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى الذين يذبحون مثلنا، أما إن ذبحوا على غير طريقتنا فلا تؤكل ذبائحهم فما ذبح بالصعق والكهرباء والمكينات التى تقطع لوحدها بطرق مختلفه غير موافقه للشرع وما قُتل بالرصاص ونحو ذلك فلا يؤكل لأنه لابدَّ أن يكون على الطريقة التى أباح الشرع فعلها. وهذه المسئلة ليست إجتهادية إذ أنها منصوص عليها بنص القرءان الكريم قال الله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌوالميّتة هي كل ما فارق الحياة من المأكول على غير الطريقة الشرعية وما يدل على أنّ ذبائح اليهود والنّصارى تؤكل إن ذُبحت على الطريقة الشرعية فهو قول الله تعالى: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُم، ومعنى إلا ما ذكيتم أي إلا ماذكى ذكاة شرعية. والذكاة الشرعية هي على هذا التفصيل: تكون بقطع مجرى الطعام والشراب ومجرى النفس بما له حدّ كالسكين ونحوها، بشرط أن يكون الذابح مسلماً أو يهودياً أو نصرانياً. فإذا حصلَ هذا وكان المذبوح مأكولاً حلَّ الأكل منه لمن علم، وأمّا ما كان موته بما لا حدّ له، كأن مات بسبب التردّي أو الغرق أو شيء يزهق الروح بثقله كالصخرة لا بحدّه فلا يحلّ أكله. وأيضاً لا يحلّ أكل ما لم يعلم هل ذابحه هو ممن يصحّ تذكيته أم لا؟، لأنَّ أمر اللحم في هذا أشد من أمر الجبن والحلوى ونحوهما، فإنه إذا شك شخص هل في الحلوى التي بين يديه أو الجبن الذي بين يديه نجاسة جاز له الأكل منه مع الشك، وأمّا اللحم فلا يجوز الشروع في أكله مع الشك في ذكاته كما نصّ على ذلك الفقهاء كابن حجر الهيتمي والسيوطي من الشافعية والقُرافي من المالكية وغيرهم. بل تحريم اللحم الذي لم يُعلم طريق حِله كأن شُك في ذلك مجمع عليه عند فقهاء المسلمين بلا خلاف. وفي الفتاوى الكبرى لإبن حجر الهيتمي: " وسئِلَ نفعَ الله ببركاته عن شاة مذبوحة وجدت في محلة المسلمين ببلد كفّار وثنية، وليس فيهم مجوسي ولا يهودي ولا نصراني، فهل يحلّ أكل تلك الشاة المذبوحة التي وجدت في تلك المحلة أم لا؟ فأجاب: بأنه حيث كان ببلد فيه مَن يحلّ ذبحه كمسلم أو يهودي أو نصراني، ومَن لا يحلّ ذبحه كمجوسي أو وثني أو مرتد، ورؤي بتلك البلد شياه مذبوحة مثلاً، وشكّ هل ذبحها مَن يحلّ ذبحه لم تحلّ للشك في الذبح المبيح والأصل عدمه" اهـ وفي الأشباه والنظائر للسيوطي ما نصّه: "الفائدة الثانية: قال الشيخ أبو حامد الإسفراييني: الشك على ثلاثة أضرب شك طرأ على أصل حرام، وشك طرأ على أصل مباح، وشك لا يعرف أصله، فالأول مثل أن يجد شاة في بلد فيها مسلمون ومجوس فلا يحلّ حتى يعلم أنها ذكاة مسلم لأنها أصلها حرام وشككنا في الذكاة المبيحة " اهـ  وفي كتاب تاج الإِكليل لمختصر خليل باب الوضوء نقلاً عن شهاب الدين القُرافي ما نصّه: "الفرق الرابع والأربعون بين الشك في السبب والشك في الشرط، وقد أشكلَ على جمع من الفضلاء قال: شرع الشّارع الأحكام وشرع لها أسباباً وجعل من جملة ما شرعه من الأسباب الشك، وهو ثلاثة مجمع على اعتباره كمَن شكَّ في الشاة المذكّاة والميتة وكمَن شكّ في الأجنبية وأخته من الرضاعة" ا هـ أي أنَّ تحريم ما شُك فيه من اللحم مسئلةٌ إجماعية، فلا التفات إلى ما يُخالفُ هذا الإِجماع من قول بعضِ أهلِ العصر المتعالمين، وهؤلاء ضرّوا النَّاسَ برأيهم المخالف للإِجماع في البلاد العربية وفي أوروبا وأمريكا، ومَوّه بعضهم بإيراد حديث أخرجه البخاري على غير وجهه، والحديث وردَ في ذبيحةِ أناس مسلمين قريبي عهد بكفر قالت عائشة: "يَا رَسولَ الله إنَّ أناساً حديثي عهدٍ بكفرٍ يأتوننا بلُحْمَان لا ندري أذُكِرَ أسمُّ الله عليها أم لا، فقال: سمّوا اللهَ أنتم وكلوا، ومعنى الحديث أن هذه اللحوم حلال لأنها مذكّاة بأيدي مسلمين ولو كانوا حديثي عهد بكفرٍ، ولا يضرّكم أنكم لم تعلموا هل سمّى أولئك عند ذبحها أم لا، وسمّوا أنتم عندَ أكلها أي ندباً لا وجوباً. لأن التسمية سنّة عند الذبح فإن تركها الذابح حل الأكل من الذبيحة. فمن أين مَوّه هؤلاء بإيراد هذا الحديث على غير وجهه فكأن هؤلاءِ قالوا إنَّ الرسولَ أحلَّ أكل ما لم يُعلم هل ذابحه مسلمٌ أم مجوسي أم بوذي أم غير ذلك بالاقتصار على التسمية عند الأكل، وهذا لم يقلّهُ عالم مسلمٌ قطّ، فليتّقوا اللهَ هؤلاء المتهورون، وليعلموا أنَّ الإِنسان يُسألُ يوم القيامةِ عن أقواله وأفعاله وعقائده. وليعلم أن قول البعض ليسَم الله ويأكل على نيته فهؤلاء تركوا الحكم القرءاني والنصوص الشرعية ولجأوا إلى أهوائهم والهوى لايجعل الحرام حلالاً فليتقى الله المسلم، ولايدخل لجوفه إلا ما يرضي الله تعالى، وليس من الضرورة وجود الشخص في بلد كهذه بل يوجد ما يستغنى به عن اللحم في حال عدم توفره حلالاً والأمر أيسر من أن يتصور الإنسان أنه سيموت إن لم يأكل من هنا وهناك وليعلم أنّ الحلال ما أحلهُ الله لا ما دخلت فيه آراءُ الناس بخلاف كلام الله تعالى.فاحرص أخي على أكل الحلال ولا يغرنّك فعل الكثير على غير هدى وعلم وكن على ذكر أنّ أولَ ما يَنتن من الإنسان في القبر بطنه فلا تدخل بطنكَ إلا الحلال وفقنّا الله لأكل الحلال وجنبّنا الحرام.