الخدام والأجراء والعمال فئة من الناس عندهم من المشاعر ما عندك ويؤذيهم ما يؤذيك ولهم حقوق فاتقِ الله بهم وارفق بهم واعدل معهم وأنصفهم إن كنت أنت من تستخدمهم أو تستأجرهم، فالله تبارك وتعالى جعل الناس على طبقات ليتخذوا بعضهم سخرياً لا ليسخروا من بعضهم ولا يستعلوا على بعضهم بغير الحق قال الله تعالى:وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا قال الإمام النسفي في التفسير:أي جعلنا البعض أقوياء وأغنياء وموالي والبعض ضعفاء وفقراء وخدماء لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً، ليصرف بعضهم بعضاً في حوائجهم ويستخدموهم في مِهنهم ويتسخروهم في أشغالهم حتى يتعايشوا ويصلوا إلى منافعهم هذا بماله وهذا بأعماله. هذه قسمة الله الحكيم العليم في خلقه فمن أعطاهُ الله تعالى أن يكونَ له خدم أو أجراء فعليه بحسن المعاملة والرفق والعدل معهم طاعة لله، وابتغاء رضوانه، وأكرم برسول الله صلى الله  عليه وسلم أسوة حسنة في إنصاف وإكرام الخَدم والأرقاء والضعفاء من الناس، فعن أنس رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله يسلم يقول:" لقد خدمتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرَ سنينَ فوالله ما قال لي: أفٍّ قَط، ولمْ يقل لشىء فعلتهُ: لم فعلتَ كذا ولا لشىء لم أفعله ألا فعلت كذا"  فمن الظلم أن يُهان المُستخدم بغير حق أو أن يُهضم له حقه أو يمنع أجرته أو يتسلط عليه باللسان بما حرمَ الله تعالى، وما أكثر من يفعل مثل هذا في أيامنا وهم في غفلة، أن هذا الإنسان الذي تحتك في العمل يعمل ويخدم لأجل أن يُنفق على نفسه وعلى عياله من كسب حلال فهل من رفق وشفقة رحمة بهؤلاء الضعفاء..؟ وهلا تذكر الإنسان أنَّ هذا مخلوق من البشر يتألم وينزعج ويتأئر وقد يكون عمله متعباً مرهقاً فأين القلوب الرحيمة المشفقة على الأجراء والخدام من خلق الله!؟، وإنَّ من صور الظلم أن يكلف العامل بأمور هي فوق طاقته، أو بأمور غير ما اتفق صاحب العمل عليها بعقد الإيجار أو نحوه، أو بأمور لم تجرِ العادة بتكليفه بها مما لا يحتمل ولا يطاق، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ وَلَا يُكَلَّفُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا يُطِيقُ وعنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ أيضًا قالَ: إِذا أَتَى أَحَدَكُم خَادِمهُ بِطَعَامِهِ فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ فَلْيُنَاوِلْهُ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ أَوْ أَكْلَةً أَوْ أَكْلَتَيْنِ فَإِنَّهُ وَلِيَ حَرَّهُ وَعِلَاجَهُ، فانظر رحمك الله إلى هذا التوجيه السديد من النبيّ صلى الله عليه وسلم بالرفق حتى بالخادم وكيف أرشدنا أن نُطعمه من طعامنا، فالخادم هو تولى صناعته وأصابه ريحه ودخانه هذا ما ورد عن نبينا صلوات الله وسلامه في العبيد الإرقاء الخدام فما بالك بالأحرار الأجراء والمستخدمين، فلنحسن إليهم ولنُعينهم على الكسب الحلال، ولا نلجئهم إلى المحرمات وهي كثيرة في أيامنا، بل لنشجعهم على هذه المِهن الحلال التي إختاروها وسلوكها بدلَ أن يسلكوا سُبل الحرام والفجور والفساد. وإنَّ من مما ابتلي به البعض الوقوع في كبيرة من كبائر الذنوب وهي قذف الأجير المسلم والقذف هو أن  يَرميه أو أحد من قرابته بكلام فيه نسبة إلى الزنا أو اللواط ونحوه وذلك كقول البعض للخادم أو الأجير يا ابنَ الحرام، أو يا ابن الزانية، أو يقول له يا أخا البغية، وما شابهها من الألفاظ العامية التى تعطى المعنى ولا تخفى على الكثير في مجتمعاتنا...، ومثله في المرأة التى ضاقَ بها الحال فاستخدمت واشتغلت لتعينَ الناس بقوتها وعافيتها وتستعين بالمال لحاجاتها، فلا يجوز سبُ وشتم هذه المسلمة أو رميها يتهمة الزنا، وتلك كبيرة من الموبقات التى نهانا عنها النبيّ صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث اجتنبوا السبع الموبقات، وعدَّ منها قَذْفُ المؤمِناتِ ويدخل في هذا أيضاً قول البعض للمستخدمة عنده يا زانية...، أو يا قحبة...، أو يا بنت الحرام..، وما شابهها من الألفاظ القبيحة المسيئة... ولا يظننَّ أحدٌ أنه معذور بمثل هذا حتى ولو أغضبته أو قصّرَت في عملها وما يشبه ذلك، فمن لهؤلاء الناس المغفلون أن يذكرهم أنَّ الملائكة الحفظة الكرام تكتب عليهم ما قالوا وأنهم سيسألون عن هذا في الآخرة وسيندمون عندها إن لم يتوبوا ويستسمحوا من إخوانهم وأخواتهم، بل إنَّ هناك من هم أشد من هذه الفئة بغياً وظلماً وتجبراً وتكبرا، أولئك الذين إذا غضبوا على مستخدميهم لم يكتفوا بسب آبائهم وأعراضهم بل يتجرؤون على سبِّ الله تعالى الذي خلقهم، فيتلفظون بالكفر كسب الله أوشتم الملائكة أودين الإسلام بحجة أنَّ الخدم قصروا أواغضبوهم!! فليَعلم هؤلاء أنهم بتلفظهم بهذه الكلمات الكفرية الشنيعة خرجوا من دين الله وارتدوا عن دينهم وهم ملزمونَ بالنطق بالشهاديتن فواراً توبة من الكفر الذي وقعوا به!!..

ومن صور الظلم المحرم أيضاً منع الأجير أجرته وهو ذنب كبير، وقد صحَّ الحديثُ القدسيُّ في ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : رَجُلٌ أَعْطَى بِي ، ثُمَّ غَدَرَ ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا ، فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُوفِهِ أَجْرَهُ، ومعنى خصمتهُ أنه مغلوبٌ لا حُجةَ له، فيا قُبحَ مَنِ استأجر أجيرًا ولم يعطه حقه قال عليه الصلاة والسلام:  أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ ، قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ، فيا من أعطاك الله القدرة على أن يكون لك أجراء ومستخدمين إتقِ الله فيهم.. وأحسن إليهم واجعل الرفق في المعاملة معهم، واستخدم الكلام الذي يعالج الأمر من غير غِلظة ولا إيذاء، وتجنب السبّ والشتم والأقوال البذيئة وتعييرهم بألقابهم، أو بسب قومهم وإيذائهم، أو ضربهم بغير حق. وحين تثور نفسك بالغضب عليهم أذكر أن هؤلاء من الضَّعَفة العُمَّال قد لا يستطيعون أخْذَ حَقِّهم لضعفهم أو لخوفهم من مَفْسدة أعظم من أخْذِ الحقِّ، وأعلم أنَّ الله أقدر عليك من قدرتك على هؤلاء الضَّعَفة الأجراء، قال الصحابي أبو مسعود البدري رضي الله عنه: ( كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي ، فَسَمِعْتُ مِنْ خَلْفِي صَوْتًا : اعْلَمْ ، أَبَا مَسْعُودٍ ، لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ ، فَقَالَ : أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْلَلَفَحَتْكَ النَّارُ ، أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ)،قال: فقلتُ لا أضرب مملوكًا بعده أبدًا. فهل قال الظَّالم للعمال والمستخدمين لا أظلم أحدًا أبدًا بعد سماعي لهذا الحديث!! .