كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ

قال الله تعالى:(كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)، سورة ص28 .

 (كِتَابٌ أَنـزلْنَاهُ إِلَيْكَ) يقول الله تبارك وتعالى لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم هذا القرآن (كِتَابٌ أَنـزلْنَاهُ إِلَيْكَ) يا محمد (مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ) تدبَّر في الأمرِ تأمَّله وتفكّر فيه على مَهَلٍ، ونظر في عاقبته بنَفْسه أي (أفلا َتَدَبَّرُونَ القُرآنَ) [1]يتفكرون في اياته فيعرفون الحق من الباطل، وما شرع  الله فيه من شرائعه فيتعظوا ويعملوا به.

أيها المؤمنون أكثروا من قراءة القرآن في هذا الشهر يعظم الله لكم بذلك الأجر؛ لأن في كل حرف من القرآن عشر حسنات، وقد وردت الأحاديث بفضل تلاوة القرآن عموما وبعض السور خصوصاً، ففي صحيح مسلم (أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لم تقرأ حرفاً منها إلا أوتيته) وقال صلى الله عليه وسلم:( البيت الذي تقرأ فيه البقرة لا يدخله الشيطان). وكان أسيد بن حضير رضي الله عنه يقرأ من الليل سورة البقرة، وفرسه مربوطة عنده وله ابن قريب منها، فجالت الفرس، فسكت، فسكنت، فقرأ، فجالت الفرس مرة ثانية، فسكت، فسكنت، ثم قرأ، فجالت الفرس مرة ثالثة، فخاف أن تصيب ابنه، فانصرف، ثم رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها، فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح، فلما أصبح أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال:( أتدري ما ذاك؟ قال: لا، قال: تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى فيهم)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن سورة من القرآن ثلاثين آية شفعت لصاحبها حتى غفر له تبارك الذي بيده الملك). وقد ورد ان المداومة على قرأة سورة الملك تنجي من عذاب القبر، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن)، وقال له رجل: إني أحبها، فقال: (حبك إياها أدخلك الجنة)، وقال رجل آخر إنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أخبروه أن الله يحبه)، وقال صلى الله عليه وسلم لرجل من أصحابه: ألا أعلمك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾، و ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾،  فاقرؤوا القرآن بتدبر، وتفهم، وإذا مررتم بآية رحمة اسألوا الله من فضله، وإذا مررتم بآية وعيد تعوذوا بالله من عقابه، وإذا مررتم بآية سجدة، فاسجدوا لله رب العالمين ففي القرآن الكريم "114" سورة واكثر من ستة آلاف آية- 6236 آية- كل ذلك في "30" جزءاً ينقسم كل منها إلى حزبين، وبذلك يضم القرآن الكريم "60" حزباً وكل سورة تتكون من جمل او مقاطع يسمى كل منه آية وجمعها آيات، وسور القرآن الكريم "87" منها مكية و"27" منها مدنية وكل سورة في القرأن العظيم تبدأ بالبسملة أي بقول بسم الله الرحمن الرحيم سوى سورة "التوبة" أو براءة، وسورة النمل المباركة فيها بسملتان-و سبع سور من القرآن الكريم تحمل اسماء سبعة انبياء وهي سورة : يونس- هود- يوسف-ابراهيم- محمد- نوح، واطول السور في القرأن سورة البقرة المباركة بـ"286" آية واقصر السور الكوثر بـ"3" آيات وسورة الحمد أي الفاتحة المباركة هي أول سورة فيما سورة الناس آخر سورة ، وفقاً للترتيب المعروف في المصاحف الشريفة لا وفقاً لنزول السّور .. ففي هذه الحالة تكون العلق أول السور النازلة على صدر نبينا محمد “صلى الله عليه وسلم" ،  وكلمة "وليتلطّف" تتوسط كلمة القرآن الكريم ، وحرف "التاء" فيها يتوسط حروفه واقصر الآيات هي: "يس" في السورة المسماة بهذا الاسم .. واطول آية هي: الثانية والثمانون! بعد المائتين من سورة البقرة (يا ايها الذين امنوا إذا تداينتم... وخمسة عشر سورة تبدأ بصيغة القسم وهي: الذاريات، والطور، والنجم، والمرسلات، والنازعات، والبروج، والطارق، والفجر، والشمس، والليل، والضحى، والتين، والعاديات، والعصر، والصافات, وكل ما اقسم الله به في القران يدل على منفعة وشرف وفائدة.

وتحتوي (14) من سور القرآن الكريم على سجدة، وذلك في سور "حم فصلت" و "حم السجدة" والنجم ،والعلق، والأعراف، والنحل، ومريم والحجّ- سجدتان- والنّمل، والانشقاق، والرّعد، والاسراء، والفرقان، وص وعلى خلاف في العدد و السورة جزء من آيات القرآن الكريم.. والكلمة جاءت من "سور" التي تعني الحائط الذي يحيط بالمدينة، وبذلك تكون السورة الحصار الذي يفصل آيات معينة عن نظيراتها في سور اخرى.

اما الآيات المحكمات: التي ظاهرة المعنى والدلالة كقوله تعالى (والله بكل شيء عليم) والمتشابهات من الآيات: فهي التي ظاهرها يدل على معنى وتحتمل التأويل كقوله تعالى (الرحمن على العرش استوى) وفعل السلف رد المتشابه على المحكم فيرد معنى الاستواء على قول الله تعالى ليس كمثله شيء لنفي التشبيه والتجسيم لله تعالى ويجوز الاخذ بتأويلات الخلف كتأويل الامام احمد بن حنبل رضي الله عنه في قول الله تعالى( وجَاءَ ربّكَ والملَكُ صَفّا صَفّا ) قال جاء أمره, و التداوي بالقرآن أمر جائز وفيه خير وشفاء قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً } [الإسراء 82] وعن عائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمَعَوِّذَاتِ وَيَنْفُثُ، فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ، وَأَمَسَحُ بِيَدِهِ، رَجَاءَ بَرَكَتِهَا. روى البخاري عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن ناساً من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- كانوا في سفر، فمروا بحي من أحياء العرب فاستضافوهم، فلم يضيفوهم، فقالوا لهم: هل فيكم راق؟ فإن سيد الحي لديغ أو مصاب، فقال رجل منهم: نعم، فأتاه فرقاه بفاتحة الكتاب فبرأ الرجل، فأعطي قطيعاً من الغنم، فأبى أن يقبلها وقال: حتى أذكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فأتى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فذكر ذلك له فقال: يا رسول الله، والله ما رقيت إلا بفاتحة الكتاب. فتبسم وقال: (وما أدراك أنها رقية؟) ثم قال: (خذوا منهم واضربوا لي سهمي معكم)


[1] ﴿٢٤ محمد﴾