يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ

قال الله تعالى: ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ۩﴾ [ سورة النحل: 50]،

الله تعالى وصف نفسه في القرآن بأنه قاهر فوق عباده. قال القشيري: ( الرب موصوف بالعلو وفوقية الرتبة والعظمة ومنزه عن الكون في مكان أوعن الكون بمحاذاة مكان)،  قال أهل الحق ( ليس الشأن في علو الجهة بل الشأن ُ في علو القدرِ)، والفوقية في لغة العرب  تأتي على معنيين فوقية المكان والجهة …  فوقية القهر، قال الله تعالى إخباراً عن فرعون:( وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ)، أي نحن فوقهم بالقوة والسيطرة لأنه لا يصح أن يقال أن فرعون أراد بهذا أنه فوق رقاب بني اسرائيل إلى جهة العلو إنما أراد أنهم مقهورون له مغلوبون. فقول الله تعالى إخباراً عن فرعون الكافر معناه علو القهر. ومثله قوله تعالى: (وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ)، وكذا قوله ﴿وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ﴾، الْقَاهِرُ الْغَالِبُ، وَفِي الْقَهْرِ زِيَادَةُ مَعْنًى على القدرة، وهو مَنْعُ غَيْرِهِ عَنْ بُلُوغِ الْمُرَادِ، وَقِيلَ: هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالتَّدْبِيرِ الَّذِي يُجْبِرُ الْخَلْقَ عَلَى مُرَادِهِ فَوْقَ عِبادِهِ هُوَ صِفَةُ الِاسْتِعْلَاءِ الَّذِي تَفَرَّدَ بِهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. ﴿ وَهُوَ الْحَكِيمُ﴾، فِي أَمْرِهِ، ﴿الْخَبِيرُ﴾، بِأَعْمَالِ عِبَادِهِ. (وهو القاهر فوق عباده)، أي فوقية القوة والسيطرة وليس فوقية المكان، ولهذا نص العلماء أن الفوقية والعلو إذا أطلق على الله فالمراد منه علو قدر وفوقية قهر سبحانه وتعالى وليس مكان وجهة لأن الله كان قبل ذلك , قال تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام:18]، فهو جل جلاله حكيم يضع الأمور في مواضعها الصحيحة، خبير بأحوال عباده مطلع عليها، وهذان اسمان من أسماء الله الحسنى، والله جل وعلا له الأسماء الحسنى والصفات العلى ومن اسمائه تعالى القهار:، وقد ورد هذا الاسم في عدة مواضع من كتاب ربنا -سبحانه-، قال تعالى: (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) [يوسف:39]، وقال الحق -سبحانه-: (قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) [الرعد:16]. أي هو وقال تبارك وتعالى: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) [إبراهيم:48]، وقال تبارك وتعالى-: (يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) [غافر: 16].  وقد وصف نبينا محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- ربه، وهو أعرف الخلق به، وأثنى عليه بأجل الاسماء، القهار، فعن عائشة رضي الله عنها أنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا تَعار -أرق أو تقلب على فراشه- مِنَ اللَّيْلِ، قَالَ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ، رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ".