وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا

قوله تعالى: ﴿ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ﴾[ هود: 37] العين في كلام العرب تستعمل على معان كثيرة منها ما يراد به المشاهدة والرؤية ومنها ما يُراد به الحفظ والكلاءة ومنها ما يراد به الجودة ومنها ما يراد بها الدلالة ومنها ما يراد بها الجارحة فإذا اطلقت العين على الله فلا يكون المراد بها الجارحة كما تقدم لأن في ذلك مشابهة للمخلوقات والله تبارك وتعالى تنزه عن أن يشابه خلقه بأي وجه من الوجوه. فالعين بمعنى الجودة ففي قولهم " هذا عين مالي " وهذا عين المتاع" هذا عين القلادة " أي جيده والمختار منه، والعين التي بمعنى الجارحة فظاهر المعنى في الاستعمال أنهم يقولون " عين الركبة " وللحدقة " عين " والعَيْنُ : عضو الإبصار للإنسان وغيره من الحيوان و العَيْنُ: يَنْبُوعُ الماء ينبُعُ من الأرض ويجري (فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ)والعَيْنُ: الجاسُوس والعَيْنُ :ذاتُ الشيءِ ونفسُه والعَيْنُ: ما ضُرِبَ نَقْدًا من الدَّنانير اشْتَرَيْتُ بالعَيْنِ لا بالدَّيْنِ والجمع : أَعْيَانٌ وفي المثل: لا تَطْلُبْ أَثَرًا بعد عَيْن: يُضرَبُ لمن ترك شيئًا يراه ثم تَبِعَ أثرَهُ بعدَ فوته وحرف العين من الأبجدية العربية ، فإذا كان وصف الله بالجارحة مستحيلا وجب أن تحمل العين على معانٍ تليق بالله تعالى. وقوله تعالى: (واصنع الفلك بأعيننا ووحينا )،أي اعمل السفينة لتركبها أنت ومن آمن معك .(بأعيننا)، أي بمرأى منا وحيث نراك . وقال الربيع بن أنس: بحفظنا إياك حفظ من يراك. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (بحراستنا) ; والمعنى واحد ; فعبر عن الرؤية بالأعين ; لأن الرؤية تكون بها . ويكون جمع الأعين للعظمة لا للتكثير ; كما قال تعالى: (فنعم القادرون)، (فنعم الماهدون)، (وإنا لموسعون)، وقد يرجع معنى الأعين في هذه الآية وغيرها إلى معنى عين ; كما قال: (ولتصنع على عيني)، وذلك كله عبارة عن الإدراك والإحاطة، وهو سبحانه منزه عن الحواس والتشبيه والتكييف ; لا رب غيره.

(واصنع الفلك) يعني: السفينة (بأعيننا) أي: بمرأى منا، (ووحينا) أي: وتعليمنا لك ماذا تصنعه، ومثله ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ﴾، [ القمر: 14] بـِـحِـفـْـظِنا أو بمرأى منّا أو بأمْرنا وحملنا نوحًا ومَن معه على سفينة ذات ألواح ومسامير شُدَّت بها، تجري بمرأى منا وحفظ، وأغرقنا المكذبين؛ جزاء لهم على كفرهم وانتصارًا لنوح عليه السلام. (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا )،﴿٤٨ الطور﴾ ووردت لفظ "العين" في القرآن الكريم مضافة لله تعالى في خمس آيات، الأولى في سورة هود (37) {واصنع الفلك بأعيننا ووحينا}، والثانية في سورة المؤمنون (27): {فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا}، والثالثة في سورة طه (39): { وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني }، والرابعة في سورة الطور (48) { واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا }، والخامسة في سورة القمر (14): { تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا }. كلها لها تأويلات عند أهل السنة تليق بجلال الله تعالى الموصوف بصفات الكمال المنزه عن كل صفات الخلق قال الله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).