آية الكرسي

في صحيح البخاري من حديث أُبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ‏في ءاية الكرسي « إنها سيدة ءاي القرءان »، و ذلك لما احتوت عليه من المعاني العظيمة التي فيها توحيد الله تبارك و ‏تعالى و إثبات علم الله المحيط بكل شىء و أنه لا أحد سواه يحيط بكل شىءٍ علماً و إثبات أن الله تعالى لا يعتريه عجز ‏و لا سِنة أي نعاس و لا نوم. فما هي هذه المعاني العظيمة التي تحويها ءاية الكرسي ﴿ اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ ‏هُوَ ﴾ أي أنه لا شىء يستحق العبادة سوى الله و العبادة هنا هي نهاية التذلل لله أو بعبارة أخرى غاية الخشوع و ‏الخضوع لله تعالى، يقول ربنا تبارك و تعالى: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ و يقول أيضاً ﴿ وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ ‏إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ و وجود العالم دليلٌ على وجود الله فإنك إذا تأملت هذا العالم ببصرك لوجدته كالبيت ‏المبني المعد فيه جميع ما يُحتاج إليه فالسماء مرفوعة كالسقف و الأرض مبسوطة كالبساط و النجوم مضيئة ‏كالمصابيح و صنوف الدواب مسخرةٌ للراكب مستعملةٌ في المرافق.

﴿ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ وصف الله نفسه بأنه حي و ‏حياة الله أزليةٌ لا بداية لها وأبديةٌ لا نهاية لها ليست حياةً مركبةً من روحٍ و دمٍ و جسد، حياة الله ليست كحياة ‏المخلوقات، و وصف نفسه بأنه قيوم أي أنه مستغن عن كل شىء و كل شىءٍ يحتاج إليه فالله لا ينتفع بطاعة ‏الطائعين و لا يتضرر بمعصية العصاة و كفر الكافرين فمن أحسن فلنفسه و من أساء فعليها و لن يضر الله شىء و ما ‏الله بظلامٍ للعبيد قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ فهذه العوالم بما فيها من ‏ملائكةٍ و إنسٍ و جن لا تستغني عن الله طرفة عين. الله خلق العرش وسائر المخلوقات وكان موجودا قبلها ولا يحتاج إليها، فهو غني عن العالمين. فمن نسب إلى الله الاحتياج أو الاستقرار أو الجهة أو المكان، فقد كفر.

﴿ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْم ﴾ أي لا يصيبه نعاسٌ و لا نوم لأنه منزهٌ عن ‏التطور و التغير و الانفعال فالذي يوصف بالنعاس والنوم يوصف بالتعب والمرض والموت ومن كان كذلك لا ‏يكون خالقاً بل يكون مخلوقاً.

﴿ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ﴾ أي أن الله مالك كل ما في السماوات و ‏الأرض من ذوي العقول كالملائكة و الإنس و الجن و غير ذوي العقول كالبهائم و الجمادات فالله سبحانه و تعالى ‏هو مالك الملك هو المالك الحقيقي لكل هذا العالم و هو الحاكم المطلق و الآمر الناهي الذي لا ءامر له و لا ناهي له.

‏‏﴿ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ﴾ أي لا أحد يشفع عند الله إلا إذا أذن الله له فيوم القيامة الملائكة يشفعون ‏لبعض عصاة المسلمين و كذلك يشفع الأنبياء و الشهداء و العلماء العاملون قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: « ‏شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي » رواه أبو داود و غيره، أما الكفار فلا يشفع لهم أحد بدلالة قوله تعالى: ﴿ وَلَا ‏يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ﴾ أي لا يشفع الشفعاء إلا لمن مات على الإيمان.

﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ ‏يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء ﴾ أي أن أهل السماوات الملائكة و أهل الأرض جميعهم من إنسٍ و من جنٍ لا ‏يحيطون بشىء من علم الله إلا بما شاء أي إلا بالقدر الذي علمهم الله تعالى إياه قال تعالى: ﴿ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ ‏يَعْلَمْ ﴾.و معنى قوله تعالى ﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ﴾ الكرسي هو جرمٌ عظيمٌ خلقه الله تعالى و هو تحت ‏العرش بمثابة ما يضع راكب السرير قدمه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: « ما السماوات السبع بجنب الكرسي ‏إلا كحلقةٍ في أرضٍ فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة » و الفلاة هي الأرض البرية أي ‏أن السماوات السبع بالنسبة إلى الكرسي كحلقة ملقاة في أرض برية والكرسي بالنسبة إلى العرش كحلقةٍ ملقاةٍ في ‏أرض برية. يقولُ الإمام عليٌ رضي الله عنه: « كَانَ اللَّهُ وَلاَ مَكَانَ وَهُوَ الآنَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ ». ويقول أيضاً في تنـزيه الله عن الجلوس: « إنَّ الله خَلَقَ العَرْشَ إِظْهَارًا لِقُدْرَتِهِ وَلَمْ يَتَّخِذهُ مَكَاناً لِذَاتِهِ ». رواه أبو منصور البغدادي في كتابه الفرق بين الفرق. الله خلق العرش وسائر المخلوقات وكان موجودا قبلها ولا يحتاج إليها، فهو غني عن العالمين. فمن نسب إلى الله الاحتياج أو الاستقرار أو الجهة أو المكان، فقد كفر.  وقال الحافظ أحمد بن سلامة الطحاوي في عقيدته التي حكى فيها عقيدة السلف: « تعالى (يعني الله) عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات »، وقال : « ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر »، وهذا بيّنٌ ظاهر لمن كان له مُسْكة من العقل. 

﴿ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا ﴾ أي لا يُتعب الله حفظ السماوات و الأرض لأن كل الأشياء هينةٌ على الله فكما ‏أن خلق الذرة هينٌ على الله فخلق السماوات السبع والكرسي والعرش هينٌ على الله لا يصعب على الله شىء ولا ‏يصيبه تعب و في ذلك تكذيبٌ لليهود الذين قالوا إن الله تعب بعد خلق السماوات والأرض فاستلقى ليستريح يوم ‏السبت والعياذ بالله تعالى فرد الله عليهم في القرءان بقوله ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ‏وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ ﴾ أي ما مسنا من تعب.

﴿ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيم ﴾ أي أن الله عال القدر و ليس المقصود علو ‏المكان لأن الله تعالى منزهٌ عن الجهة و المكان بل المقصود أنه أعلى من كل شىءٍ قدراً و أقوى من كل قوي و أقدر ‏من كل قادر. ورد عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في فضل ءاية الكرسي أنه قال يوماً لأحد الصحابة: « يا أبا ‏المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم ؟ قلت: الله لا إله إلا هو الحي القيوم. فضرب رسول الله عليه وسلم في صدره و قال: ليهنأك العلم أبا المنذر ».