وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا

كلمة "العين" وردت في القرآن الكريم مضافة لله تعالى في خمس آيات، الأولى في سورة هود قال الله تعالى:{ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا }،[1] والثانية في سورة المؤمنون قال الله تعالى:{ فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا }[2]، والثالثة في سورة طه: { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِ}[3]، والرابعة في سورة الطورقال الله تعالى { وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ }[4]، والخامسة في سورة القمر قال الله تعالى:{ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ}.[5] وتأويل قوله تعالى في سورة هود:﴿ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ﴾[6] العين في كلام العرب تستعمل على معان كثيرة منها ما يراد به المشاهدة والرؤية ومنها ما يُراد به الحفظ والكلائة ومنها ما يراد به الجودة ومنها ما يراد بها الدلالة ومنها ما يراد بها الجارحة فإذا اطلقت العين على الله فلا يكون المراد بها الجارحة كما تقدم لأن في ذلك مشابهة للمخلوقات والله تبارك وتعالى تنزه عن أن يشابه خلقه بأي وجه من الوجوه قال الله تعالى:( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[7]، فالعين بمعانى عده الجودة فيقولون" هذا عين مالي " وهذا عين المتاع" هذا عين القلادة " أي جيده والمختار منه، والعين التى بمعنى الجارحة فظاهر المعنى في الإستعمال أنهم يقولون " للحدقة " عين " والعَيْنُ : عضو الإبصار للإنسان وغيره من الحيوان، والعَيْنُ: يَنْبُوعُ الماء ينبُعُ من الأرض ويجري (فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ)والعَيْنُ: الجاسُوس والعَيْنُ :ذاتُ الشيءِ ونفسُه والعَيْنُ: ما ضُرِبَ نَقْدًا من الدَّنانير اشْتَرَيْتُ بالعَيْنِ لا بالدَّيْنِ والجمع : أَعْيَانٌ وفي المثل: لا تَطْلُبْ أَثَرًا بعد عَيْن: يُضرَبُ لمن ترك شيئًا يراه ثم تَبِعَ أثرَهُ بعدَ فَوْتِه، وحرف العين من الحروف الأبجدية العربية ، فإذا كان وصف الله بالجارحة مستحيلا وجب أن تحمل العين على معانٍ تليق بالله تعالى. وقوله تعالى : ( وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا)،أي اعمل السفينة يا نوح لتركبها أنت ومن آمن معك .(بأعيننا)، قال الربيع بن أنس : بحفظنا إياك حفظ من يراك. وقال ابن عباس رضي الله عنهما:( بحراستنا ) والمعنى واحد ; فعبر عن الرؤية بالأعين ; لأن الرؤية تكون بها . ويكون جمع الأعين للعظمة لا للتكثير; كما قال تعالى: (فنعم القادرون)، (فنعم الماهدون)، (وإنا لموسعون)، وكلها للتعظيم. وقد يرجع معنى الأعين في هذه الآية وغيرهاكما قال: (ولتصنع على عيني)، وذلك كله عبارة عن والإحاطة والحفظ والرعاية، وهو سبحانه منزه عن الحواس والتشبيه والتكييف لا رب غيره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا فِكْرَةَ في الرَّبِّ » رواه السيوطي في تفسيره. وروى البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : « تفكروا في كل شىء ولا تفكروا في ذات الله ».أي أن الله تعالى لا يُدركه الوهم لأن الوهم يدرك الأشياء التي لها وجود في هذه الدنيا كالإنسان والغمام والمطر والضوء وما أشبه ذلك.قال الله تعالى :( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )، ( واصنع الفلك ) يعني : السفينة ( بأعيننا ) أي : بمرأى منا ، ( ووحينا ) أي : وتعليمنا لك ماذا تصنعه ، ومثله ﴿ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ﴾،بـِـحِـفـْـظِنا أو بمرأى منّا أو بأمْرنا وحملنا نوحًا ومَن معه على سفينة ذات ألواح ومسامير شُدَّت بها، تجري بمرأى منا وحفظ، وأغرقنا المكذبين؛ جزاء لهم على كفرهم وانتصارًا لنوح عليه الصلاة والسلام . قال عز وجل: ( وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ الموصوف بصفات الكمال المنزه عن كل صفات الخلق قال الله تعالى:( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).

.


[1] سورة هود 37

[2] سورة المؤمنون 27

 

[4] سورة الطور 48

[5] سورة القمر 14

[6] [ هود: 37]

[7] سورة الشورى 11