وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا

قال الله تبارك وتعالى:(وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا)، إنّ مما يجب على المكلفين الايمانَ بالله ورسوله وهو أَصلُ الواجبات وأفضلها وأعلاها وأولاها فأما الإيمانُ بالله فهو الاعتقاد الجازم بوجوده تعالى على ما يليق به فهو تعالى موجودٌ لا شك في وجوده، موجودٌ بلا كيفيةٍ ولا كميةٍ ولا مكانٍ ولا جهةٍ، وأما الإيمان ُبرسوله محمّد صلى الله عليه وسلم فهو وأنه صادقٌ في كل ما يبلغه عن الله. فمعرفةُ الله تعالى مع إفرادهٍ بالعبادة أي نهايةِ التذلل هو أعظم حقوق الله على عباده فمعرفتنا نحن بالله ليست على سبيل الإحاطة بل بمعرفة ما يجبُ لله تعالى كوجوب قِدَمِه تعالى أي أزليَّتِه ووجوب وحدانيته ِوعلمِه بكل شىء ومخالفتهٍ للمخلوقات وتنْزيهِهِ عما يستحيل عليه تعالى كاستحالة الشريك له والحدِّ أي الحجمِ والشكل والهيئة والصورة والتحيُّزِ في المكان والجهة ومعرفة ما يجوز في حقه تعالى كخلق شىءٍ وتركِهِ، فقد قال الإمام أحمدُ الرفاعي رضي الله عنه ” غايةُ المعرفةِ باللهِ الإيقانُ بوجوده تعالى بلا كيفٍ ولا مكانٍ “ اهـ. أي أنَّ أقصى ما يصلُ إليهٍ العبدُ من المعرفة بالله الاعتقادُ الجازِمُ الذي لا شك فيه بوجود الله تعالى بلا كيف ولا مكان، فقوله: بلا كيف، صريح في نفي الجسم والحيزِ والشكلِ والحركةِ والسكونِ والاتصالِ والانفصال والقعود عنه تعالى، فالكيفُ يَشملُ كلَّ ما كان من صفات المخلوقين فمَنْ أيقنَ بأنَ الله موجودٌ بلا كيف ولا مكان فقد وصل إلى غاية ما يبلغ الإنسان من معرفة الله تبارك وتعالى. ومعرفة رسوله صلى الله عليه وسلم تكون بمعرفة ما يجب للأنبياء من الصفات وما يستحيل عليهم وما يجوز في حقّهم. ويجب قرنُ الإيمان برسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالإيمان بالله تعالى فالجمع بين الشهادتين ضروري للنجاة من الخلود الأبدي في النار فإن من اعتقد أن الله موجود ولم يؤمن بمحمد فليس بمؤمن ولا مسلم بدليل الآية الآنفة الذكر. وليس الأمر كما قال بعض المشركين إنا لنُعطىِ في الآخرة أفضلُ مما تُعطَوْن فقد قال الله تعالى مكذبًا لهم ( أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ) ؟ أي: أفنساوي بين هؤلاء وهؤلاء في الجزاء ؟ كلا ورب الأرض والسماء، أفنجعل أهلَ التوحيدِ كأهلِ الشرك؟، قال تعالى: { أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}، أليس لكم عقول؟ كيف تظنون هذا الظن؟ ولهذا لا يتساوى عند الله الذين ءامنوا بربهم والكافرون وهو استفهام فيه توقيف لهم على خطإ ما قالوا وتوبيخٌ وتقريعٌ، ولا تلتفتُنَّ إلى من يُخالف ذلك فيسوّي بين المؤمن وغيره ويدعو الناس إلى عبادة ما شاءوا من دون الله والعياذ بالله فإن الآخرة ءاتية والسؤال حق وأهم ما يحاسب عليه الإنسان هو الإيمان. "أجمع الفقهاء الاسلاميون على تكفير من دانَ بغير الإسلام وعلى تكفير من لم يكفره أو شك أو توقف". الذي يقول لا أقول انه مسلم أو غيرُ مسلم. أهل مكة المشركون كانوا يتفاخرون بعمل الاحسان من سقاية الماء وخدمة الوافدين إلى مكة مع عبادتهم للأوثان فقال الله فيهم:( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)، أي عمل يعمله المرء من إعانة الناس ونحوها من غير إيمان بالله صحيح لا ينفعه في الاخرة عند الله ،قال الله تعالى: ( مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ۖ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ ۖ لَّا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَىٰ شَيْءٍ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ) بعض الجهلة يقولون المهم الأخلاق المهم لا تؤذي أحد وهذا غير صحيح المهم الأيمان الذي هو أساس الأعمال قال تعالى:(أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ) والفاسق هما الكافر أفهذا الكافر المكذّب بوعد الله ووعيده، المخالف أمر الله ونهيه، كهذا المؤمن بالله، والمصدّق بوعده ووعيد، المطيع له في أمره ونهيه، كلا لا يستوون عند الله يقول: لا يعتدل الكفَّار بالله، والمؤمنون به عنده، ورُوِيَ أنَّ بعضَ كفار قريش طلبوا من النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يعبدَ أوثانهم سَنَة ًويعبدوا إلـهَهُ سَنَةً فأنزلَ الله تعالى سورةَ الكافرون فقال جلَّ جلاله( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ )، أي قل يا محمد وأمره تعالى أن يخاطبًهُم بكلمة ” الكافرون ” ( لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ )، أي لا الآن ولا فيما بقي من عمري ( وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ) أي لا الآن ولا فيما يُستقبل إذ إنّ الله تعالى عَلِمَ منهم أنهم لا يؤمنونوَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ  ( وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ )، هذا توكيدٌ فائدته قطعُ أطماعِ الكفار ِوتحقيقُ الإخبارِ بوفاتهم على الكفر وأنهم لا يُسلمون أبدًا ولا يؤمنون ( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ )، وفي هذه الآية معنى التهديد فقوله تعالى( لَكُمْ دِينُكُمْ ) أي الباطل وهو الشرك الذي تعتقدونه ( وَلِيَ دِينِ ) الذي هو دين الحق وهو الإسلام أي لكم شرككم ولي توحيدي وهذا غاية في التبرئ من الباطل الذي هم عليه ومثل ذلك في إفادة التهديد والوعيد قوله تعالى:( فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ )، أي أنّ من اختار الإيمان لا يكون كمن اختار الكفر بل من اختار الكفر مؤاخذ ومن اختار الإيمان مثاب وبقية الآية تدلُّ على هذا المراد منها( إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا نسأل الله تعالى أن يُحيينا مسلمين وأن يتوفانا مؤمنين وأن يعافينا من الفتن في الدين.