ثبات المؤمنين في الشدائد

ثبات المؤمنين في الشدائد

قال الله تبارك وتعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ /وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ، خَلقَ اللهُ الإنسان ليعبُده ويعرفه، ومعرفة الله تعالى تكون بمعرفة صفاته والإيمان به أنه واحدٌ لاشريك ولامثيل ولاشبيه له، وأنه خَلقَ العالم بما فيه من السموات والأرض وما فيهما وما عليهما وهو لايحتاج لشىء، فلا طاعةُ الطائعين تنفعهُ، ولا عصيان العصاة يضرهُ، بل العبد هو الفقير المحتاج إلى الله، والله هو الغني عن العالم غني عن البشر والأنبياء والملائكة غنيٌ عن السماء والجنّة والعرش الكلُ محتاجٌ إلى الله، والله تعالى ليس بحاجةٍ لأحد.

الإنسانُ لم يُخلق ليُترَك سُدى، وإنمّا خُلِقَ لعبادة ربه على الدين الذي رضيه اللهُ لنا الإسلام، والمؤمن عبد لله متذلال لربه الواحد الأحد، عاملا للآخرة مجد في فعلِ الخيرات وتركِ المنكرات، ثابت على السُنّة مهما نَزلَ به من الخطوب والهموم والبلاء قال الله تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ، تعالى الله أن يخلقنا عبثًا، تعالى الله أن يخلق السموات والأرض عَبَثا، تعالى الله أن يُنسَبَ إليه الشريك والمثيل.

والمؤمن ثابتُ القلب عند المحَن لا يَعتريه الشك، ولا يلحقه الريب مهما أشتَدَ الأمرُ وعَظم، على الله توكلهُ وبالله ثقته، ذِكرُ الله طمئنينتهُ، وإحتسابُ الأجر عندَ الله نيتهُ، وسِيرُ وأحوال الأنبياء والصالحين في البلاء عزائه، والإ يمانُ بالقدرِ وتدبر الآيات عند البلاء دأبه، فهو على ذكر  الله حتى في المحن والبلايا، أمّا الغافل الفاجر يعيش في الدنيا تتوزعه هموماً كثيرة وتتنازعه غايات شتى، تعلوه الكآبة عند المصائب حيران ترتجف أضلاعه للنوازل، فزعاً مرتبكاً تائهاً لا يستقر له قرار، هذه تميل به ذات اليمين وهذه تميل به ذات الشمال، لا يدري أيّها يرضى حائراً حتى في إرضاء نفسه و المجتمع، أي الأصناف يرضيهم ويسارع في هواهم ، فإنّه إن أرضى أناسًا لا يرضي عنه آخرون، فإنَّ رضىَ الناس غاية لا تدرك. وما ذاك إلا لحرمانه ما يفعله المؤمنون عند النوازل والفتن من التصبر والتوكل على الله،  فمريد الآخرة لا يبالي رضي النّاس أو سخطوا عليه، يقدم طاعة الله ورضاه على الكل، شعاره في ذلك كما قال الشاعر:

إذا صحَ منكَ الرضا فالكلُ هين           وكلُ الذي فوقَ الترُابِ تُرابُ

 المؤمن جَعلَ الهمومَ همًا واحداً، وهو سلوك الطريق الموصل الى رضى الله تعالى، وهو الذي يسأل الله تعالى في كل صلاة عدة مرات اهدنا الصراطَ المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم، هو طريق واحد لا عِوجَ فيه ولا انحراف، وما أعظمَ الفرقَ بينَ رجلين أحدُهما عَرفَ الحقَ وعرفَ الطريق إليه فاستراح، وآخرُ ضالٌ يتخبط في ظلماتٍ كالأعمى، يمشي في غير غاية، ولا يدري إلى ما يسير ولا أينَ المصير: أفمن يمشي مكبًا على وجهه أهدى أم من يمشي سويًا على صراط مستقيم 

والغالب على أحوال الصالحين أنَّ حياتهم مَلىءَ بالمصاعب والبلاء ولكن عند ثبات العبد المؤمن الصالح تُستهان الصعاب، لذلك لا تعجب عندما نجد في القرآن العظيم قِصصًا فيها الثبات العجيب لأنبياء الله ومن تبعهم على الشدائد العِظام والبلايا الجِسام، وفيها كذلك الإيضاحُ التّام والخضوع لأمرِ الله تعالى، وهاكمُ هذهِ القِصَةَ العَجِيبَةَ بين أبٍ وابنهِ المؤمن الصابر البّار المعين أباهُ على طاعةِ اللهِ وأمره، أبٌ تمنى أن يكونَ له ولدٌ حليم، فأوتيَ هذا الولد على كِبر في سِنهِ فأعطاهُ ما يُعطي الوالدُ ولدهُ من العطفِ والحنانِ والحب، رزقه الله تعالى بولد حليم، وجاء أمر الله تعالى إليه بأن يَدعَ هذا الولد وزوجه أمَّ الولد في وادٍ غير ذي زَرع فامتثلَ لأمرِ ربه. لا ماءَ ولا شجرَ لا بَشرَ اللهُ أكبرُ ما هذا البَلاء الشديد!!!، أمتثلَ لأمرِ الله تعالى و لما شَبَّ الغُلام أمرهُ الله تعالى بأن يضعَ السكين على رقبةِ هذا الولد الذي تمناهُ سنينًا طويلة، فماذا كانَ موقفُ هذا الأبِ العظيم الحليم الأواَه؟ وماذا كانَ موقف هذا الإبن البار الصديق المطيع؟ أسلَمَ الوالدُ ولدهُ!! وأسلَمَ الولدُ عُنقَهُ امتثَالاً لأمرِ الله تعالى.

قال تعالى فى القرآن عن إبراهيم وإسماعيل عليها السلام فلما أسلمَا وتلّهُ للجَبين ونادَيِنَاهُ أنّ يا إبراهيِم قدْ صَدقْتَ الرؤيَا إنَّا كذَلِكَ نجَزيِ المحسنين إنَّ هذا هو َالبلاءُ المبين،  وقال تعالى عن إسماعيل: قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ،  ما سِرُ هذا الثبات العجيب المذهل!؟ سِرُ هذا الثبات هو الإيمان واليقين بالله تعالى وثقة القلب بالله انه الآمر النّاهي والضار النافع وفي خاتمة القصة قال الله تعالى: إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ، إنّ هذا العبد كان من عباد الله المؤمنين الثابتين المؤيدين بنصر وقوة من الله رب العالمين.

إنّ اللهَ تعالى هو يفعلُ ما يُريد ويحكمُ في خلقه بما يشآء، فلا إعتراض على مشيئته وحكمه، بل نُسلِمُ الأمرَ الى الله، ونقول الله حسيبُنا هو يَكفِينَا ما أهمّنا وعليه توكلنا وإليه مرجعنا، إنّا للهِ وإنّا إليه راجعون، ومن سيرة الخليل إبراهيم عيله السلام نقتبسُ دروساً في الثبات على الشدائد، فلن نجزع ولن نخاف، ولن تأخذنا الأمواج يمنةً ويسرة، وسنبقى متمسكين بهذا الدين متوسلين إلى الله بالأنبياء والمرسلين والأولياء الصالحين أن يُثبتنا على الطريق الحق، وأن يَهديِنا الصراط المستقيم الموصِل للجنّة، فإنّ الله عز وجل يُثبِتُ المؤمنينَ بالقولِ الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. اللهمَّ قنّا شرَ ما نَتخَوفُ منه وفرج الكربات وأكشِف عنّا من البلاء ما لا يَكشِفُهُ إلا أنّتَ يا أرحمَ الراحمين.