نعمة السمع

نعمة السمع من النِعَمِ الجَليلةِ وهي من َأجلِ النِعَمِ الحِسيةِ فبالسَمعِ تُدرَكُ الأمور وتعرفُ المعارف فلولا السمع ماعَقِلَ الإنسانُ ولاعَرَفَ، فرَجُلٌ بلا بَصرٍ قدْ يَسمَع ويعرف وينتهى ويفعلُ ما يؤمرُبهْ، أما رَجلٌ بلا سَمع فهو لا يَعرفُ شىء ولا يَعيِ شىء، والسمعُ من أدواتِ التكليف فلا يُكلَفُ من ولدَ فاقداً لحاسةِ السَمع لأنه لايدرك شىء، ولأهمِيَةِ نعمَةِ السَمع ولأنّهُ سَببُ المعارف التي يُتجَنبُ بها العذابَ في الآخرةِ أعلمنا اللهُ تعالى عن حال من َكفَرَ وأعرضَ عن طاعةِ اللهِ بأنهم يَلومونَ أنّفَسهُمْ بما أخبرَ اللهُ عنهم في القرءانِ بقولهِ:(وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ)، معناهُ لو كُنّا نَستَخدِمُ سمعنَا لِسَمَاعِ الحقِ ما كُنَّا في هذا الموقفِ ولكنْ ُكنا عن سَمعِ الحَقِ غافلينَ، ولسمع الإنسان آلةٌ عجيبة سُبْحَانَ الله مُبدِعُها وخالقُها تلك الأذن، لها القُدرةُ على إلتقاطِ الأصواتِ قويها وضعيفها ومن كل الاتجاهات بواسطةِ الأُذْن ذات الحجم الصغير والغضاريف الدقيقة فسبحان من أسمع بها.

والسَمْعُ نوعان: خُلقّيٌ وهو مُيسرٌ لكُلِ صاحِبِ آلةٍ كالأذن، وسَمعُ فَهمٍ وتَدُبرٍ: وهذا لأصحابِ الفَهمِ والتَدبُرِ والخَشيةِ لله تعالى، وقد أنزَلَ اللهُ تعالى في ذِكرِ الكفارالمُعطلينَ لأسمَاعِهمْ عن سَمَاعِ الحَقِ مَنزِلَةَ الذي لا سَمْعَ لهُ قالَ تعالى حِكايةً عن أهلِ النَّارِ:( وقَالوا لوْ كُنّا نَسْمَعُ أوْ نَعْقِلُ َما كنَّا فيِ أَصْحَابِ السَعْيرْ). وقالَ تعالى:(ولقَدْ ذَرأنَا لجْهَنَمَ كَثيِراً منَ الجِنِ والإنسِ لَهُمْ قُلوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها ولهُمْ أعْيًنٌ لا يُبصِرُونَّ بها ولهُمْ آذانُ لا يَسمعونَ بها)، واللهُ تعالى جعلَ السمعَ والبصرَ والحواس أداةٌ مسؤلاً عنها الإنسانُ، فعليهِ أنَّ يُحافِظَ عليها وأن يَستعمِلُها بِما يُرضيِ الله تعالى وأن يُجنِبُها ما حَرمَ اللهُ تعالى قال تعالى: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْم إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا، لقد نَصَّ عُلماءَ المسلمين على أنَّ السمَعَ والبَصَرَ وغيرها من الأعضَاءْ تَصدُرُ منها معاصي يَجِبُ تَجْنبُها، ومنها الإسِتماعُ إلى َكلامِ قومٍ يكرهونَ إطلاعَهُ عليهِ بأنّ عَلِمَ أنّهم يَكرهونَ ذلكَ وهو منْ كبائر الذنوب وذلكَ لِمّا َصحَ عن رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه ِوسلم أنّهُ قال:(منّ اسَتَمَعَ إلى حديثِ قَومٍ وهمّ لهُ كَارِهون ُصبَ في أُذنَيه الآنكُ يومَ القيامةِ)، والآنُكُ بمدِ الألف وَضمِ النون هوَ الرصَاصُ المُذَابُ، وذلِكَ نَوعٌ منَّ التَجّسُسُ المُحَرْم. وهذه بلِيَةٍ حَلْتّْ في كثيرٍ منَّ المُجتًمعات مثلُ أنّ يستخِبرَ عن أحوالِ من يَعرف من جيران ومن حَولهُ مما يَتأذىَ أولائكَ باطلاعِهِ عليه فَيتجَسَسُ ليعرفَ ما يدورُ في بيتِ فلان أو ما يَحصلُ بينَ فلان وفلانٍ يَتجَسَسُ لنشرِالخَبر أوالإطلاعَ لغيرِ ضرورةٍ شرعيةٍ فهو من السماعِ المُحرمِ وكذا يدخل فيه من يتحين غفلة غيره عن هاتفه لينظر فيه أو يستمع لما فيه مما لايرضى صاحب الهاتف فتلك أيضاً بلية وقع بها أهلُ الغفلة. وكذلكَ منَ محرماتِ السمعِ الإستماعُ إلىءالآتِ اللهو المُحرمةِ المحرِكَةِ للحرامِ وهي المعازفُ المحرمةِ لقوله عليه الصلاةُ والسلام:( لَيكونَّنَّ في أمُتي أنُاسٌ يَستَحلونَ الحَرَ والحريرَ والخمرةَ والمعازف)، وفي هذا الحديث دليلُ حُرمةِ الإستماع إلى ءالاتِ اللهوِالمحرمةِ ومعنى يَستحلونَ في الحديثِ أيّ يَفعلونَ هذه المحرمات وهي الِزناَ وهو الحرَ ولبسَ الحرير للرجل والخمرةَ وءآلاتِ المعازفِ المُحرمةِ والتى هي شعارُ أهلِ الفِسْقِ والمُجُونْ وُيشترطُ في إرتفاعِ الإثمِ إذا كانَ بلا قَصدٍ فإنّ دَخَلَ السماعُ قهراَ كأنّ كانَ بالقربِ منهُ أصواتٌ محرمَةٌ ولابُدَ من سماعها بالقوةِ والغلبةِ فلا إثمَ في ذلكَ ومنّ السَماعِ المُحرم الإستماعُ إلى الغِيبةِ والنَميمةِ فمن كانَ في مجلسٍ تدورُ فيهِ أحاديث الغيبة أوالنميمة المُحرمة وجبَ عليه إسكاتَهُم أو مفارقةَ المجلس إنْ لم يَسكتوا لأنَّ بقائه ُمشجع على الكلامِ المُحرم فلابُد أنّ يَحجِبَ سمعَهُ عن هذه المُحرمات، والأذنُ هذه الآلة العجيبة الخِلقَةِ الدقيقةِ في عملها إذْ أنّ اللهَ تعالى جَعلَ في الأذنِ سماعَ الأصواتِ على إختلافها وعلوُها وانخَفاضِها وتعددِ مَصادرها وجِهاتها من غيرِ تَكَلُفٍ من الإنسانِ، فأنتَ تسمعُ من كلِ الجهاتِ عدةَ أصواتٍ من غيرِ أن تَعَملَ أي مجهودٍ في ذلكَ وانظر في دِقَةِ الأُذن وما جَعَلَ اللهُ فيها منّ عجيبِ الخَلق، وانظر كيفَ أنّ هذه الآلة تتوقفُ بمجردِ النوم وإلاّ لكانَ حالُ الإنسانِ القلق لوكانَ يَسمعُ ما حَولَهُ عندَ النومِ ولذلكَ قالوا إنقطاعُ السمعِ علامَةُ نومِ الإنسان ولذلكَ ذكرَ اللهُ عن أهلِ الكهفِ أنّهُ ضَربَ على آذانِهم أي نَاموا قال الله تعالى:( فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا)، وكثيرًا ما يذكرُ السمعُ في القرءانِ الكريمِ مع البصرِ غيرَ أنّ السمعَ نعمةٌ أجلُ من البَصر لما يَترتبُ عليها معرفة الأمور، والسمعُ أيضا ًصفةٌ من صفاتِ الله تبارك وتعالى وسَمعُ الله ليسَ كسمعِ المخلوقات فاللهِ المَثلُ الأعلى أيّ الوصفُ الذي لايشبهُ وصفَ غيرهِ، فالله تبارك وتعالى ذكرَ في القرءان الكريم أنه سميع بصير ومعنى ذلكَ أنهُ يَسمعُ المسموعاتِ كلها بغير أذنٍ ولا آلةٍ ولا ُيشبهُ سَمعهُ سَمعَ الخلق فهو سبحانه وتعالى يسمعُ من غيرِ تشبيهٍ ولا تعطيلٍ يقولُ علماءُ العقيدة الإسلامية:(كلُ ما خَطرَ ببالكِ فهوَ على خِلافِ ذلك)، قالَ الله تعالى:( ليسَ كمثلِهِ شيءٌ وهوَ السَميعُ البَصير). فالله تعالى يَسمَعُ أصواتَ السائلينَ لهُ والداعينَ لهُ من غيرِ أن تَخْتلَفَ عليه الأصواتُ واللغاتُ ولايخفىَ عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماوات، وهو اللهُ الذي أنْزَلَ سورةً في القرءان بشأنِ المرءاةِ التى جائتْ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم تشكوُ من حالِ زوجها قال الله تعالى:(قدْ سَمِعَ اللهُ قولَ التي تُجادِلُكَ في زوجِها وتَشتَكيِ إلى اللهُ واللهُ يَسمَعُ تَحاوركُما إنَّ اللهَ سَميعٌ بَصير). وهذه المرأة تُسمى خَولة بنتُ ثعلبةَ كانت تهمسُ عندَ رسولِ اللهِ في شكوى زوجِها فانزلَ اللهُ فيها هذه اللآية والتى فيها واللهُ يسَمعُ تحاورَكُما إشارةً على أنَّ اللهَ لا يَخفى عن سَمعهُ سبحانه وتعالى شىءٌ. وفي الحديثِ الشريف أيضاً قولُه عليه الصلاة والسلام:(للهُ أشَدُ أَذَنَاً إلى الرجلِ الحَسنِ الصوتِ بالقرآنِ منْ صاحِبِ القِيَنةِ إلى ِقينَتهُ)، وهذا الحديثُ من الأحاديثِ التي يَنبَغي معرفةُ معنى لفظِهِ إذْ في أولِهِ للهُ أشدُ أَذَنَاً بفتحِ الألفِ والذالِ والنونِ والألفِ، والأَذنُ أي السَمَاعُ وليسَ أُذْنْ لأنَّ الأُذنُ بالضمِ آلةُ السماعِ وفَرقٌ بينَ الأَذَنَ وألأُذُنُ في لغة العرب، فباللغة الأذَنَ هو السَمْع ومعناهُ أنّ اللهَ يُحبُ سَماعَ قارىءِ القرُءان المُجَّودِ لهُ المُتقّنُ لقرائِتِه أشدُ من سَماعِ صَاحبِ القِينَةِ وهي آلةُ الطَرب لقِينَتِهِ هذا معنى الحديث وليسَ كما ذهبَ البعضُ في حَمّلِهِ جهلاً أنّ اللهَ تعالى له أذنٌ أي آلةُ السمع والعياذ بالله، وهذا من التشبيهِ الذي أمُرنا بتنزيهِ اللهِ عنه، فقد حصلَ في بعضِ بلادِ المُسلمينَ أنّ رجلاً كانَ يُقَرِأُ النَّاسِ القرءانِ غيرَ أنَهُ لم يَتلقى علمَ العقيدة وأصول الدين على أهلِ المعرفةِ فقالَ مَرةٍ للحاضرين "أللهُ لهُ أذنٌ كبيرةٌ تسعُ السمواتِ والأرض" والعياذُ بالله تعالى !! فما كانَ من البعضِ إلاَ أنّ أعترضَ عليه ولما أعتَرضَ عليه قالَ أليسَ الرسولُ قال لله أشدُ أذْنْ ؟! محرفاً للحديثِ عن معناه ولفظِهِ! ولِذا ينبغي الإهتمامُ والمعرفة لسماعِ لفظِ الأحاديث من أهلِ العلم والمعرفةِ حتى لايكون قرائُتها وفَهمِها على خلافِ المُراد، فهذاَ الرجلُ قالَ الحديث مُحرِفاً بَشَكلِ الحروفِ فبدّلَ أَذَنَ بالفتحِ قالَ أُذنٌ بالضمِ فغيرَ المعنى وأهلكَ نَفسهُ بتشبيهِ اللهِ تعالى بخلقهِ. فسبحانَ من وسِعَ علمُهُ الأشياءَ كلها وكذا سَمعهُ للمسموعاتِ كُلها، وقد أشارَ النبيّ على أصحابه وأفادَهُم أنّ اللهَ يَسمَعهُم بدعائِهم وذلكَ لما رَفعَ الأصحابُ أصواتَهم بالدعاء عندما اقتربوا من المدينة المنورة فقالَ صلواتُ الله عليه وسلامه:(إرْبِعُوا علىَ أَنفْسِكُمْ إنّ الذي تَدْعُونَ ليسَ بأصمٍ ولا غائبٍ إنّ الذي تَدعونَ سميعاً بصيراً وهو أقربُ إليكم منْ أعناقَ رِكَابِكُم). معناهُ إهدأوا ولاتُكَلفوا أنفسَكمْ رفعَ الصوتِ بالدعاءِ فإنّ اللهَ تعالى لايَخفى عليه سَمعُ اصواتكم ومعنى أقربُ إليكم من أعناقِ رواحِلكُم أيّ كما أنّ الراكبَ على الجملِ أقربُ شىء إليه عنقُ الراحلة التى أمَامَهُ كما أنّ اللهّ تعالى أسرعُ في إجايةِ الدُعاء أقربُ منّ أنّ يَنالَ الرجلُ عنقَ الراحلة إذْ أنّ عُنُقَ الجمل أقربُ الأشياء للراكب ومثله أنّ اللهَ سريعُ الإجابةِ بتحقيقِ الدُعاء أسرعُ منّ أنّ يَمُدَ أحدَكم يَدهُ إلى عُنقِ الراحلة وليسَ معنى الحديث أنّ الله تعالى يَحِلُ في أعناقِ الإبلِ تعالى الله عن ذلكَ علواً كبيرا قال تعالى:(وإذا َسألكَ عبَادي عَني فإنّي قَريبٌ ُأجِيبُ َدعَوةَ الداعِ إذاَ دَعانْ فليَسْتجِيبوا ليّ وليؤمنوا بيّ لعَلهُم يَرشُدونْ)، أي قريبٌ في الإجابةِ فَليتَحَققُ ذلكَ في نفوسِ المؤمنين. وليكنّ المَرءُ على دوامِ الذِكرِ انّ الله تعالى يَسمعهُ فليستحي من الله تعالى فلا يَتكلمُ إلا بخير وبما يرضى الله تعالى.

والمَرءُ يُمكنُه أنّ يَستعمل الأذن آلةَ السمع للخيرِ فَينَالُ بها الفضائل والمكرمات ويُحّصّلُ بسببها الحسنات عند الله تعالى من سَماعِ الخيرَ من العلم والإرشادِ والوعظ وسماعِ القرآن الكريم قال تعالى:( وإذا قُرِئَ القرآنُ فاسْتمعُوا لهُ وأنْصِتُوا لعْلكمْ تُرحًمونَ). وكذا الإستماع للأحاديث النبوية الشريفة التى فيها المنافع العظيمة ومن السمعِ المبارك الذي فيه خير سماعُ الإمام إذا خطبَ يوم الجمعة للحديث:(منّ تكلمَ يومَ الجُمعةِ والإمامُ يَخطُبْ فقدْ لغَى ومنْ لغى لاجُمعةَ لهُ)، أي فاتهُ ثوابُ الجُمعةِ بِلغوِهِ أي بكلامِه أثناءَ الخُطبةِ إذْ الإنصاتُ للخطيبِ سمعٌ للموعظةِ وتدَبّر في الآياتِ ونحوها.

فعلينا معاشرَ المؤمنين أنّ نترقى بأسماعنا من دركاتِ المعصية إلى مدارج الطاعة ونستعمل هذه النعمة العظيمة فنسمعُ ونتدبرُ القرآن وذكر الله والنصيحة ومدح النبيّ صلى الله عليه وسلم، والكلام الطيبُ حتى ننعمَ بهذهِ النعمةِ التى أعطانا أيّها الله تبارك وتعالى ويكون بذلك شُكر لله على هذه النعمة إذ من أعظم الشكرعدمُ استعمال النعمةِ في معصية المُنعمِ وهواللهُ تعالى، وعلينا أن نُجنِبَ سمعنا من سماع الكُفر واللغو الفاحش والكلام المفسد والكلماتِ المحرمة المُحركة للفواحش والحرام والرذيلة لأنّ الإنسان يتأثرُ بالسماع إما للخير وإما للشر نحن بحاجة أن نسمع لنهتدي ونسترشد ونعي ونعقل ونحكم من خلال ما نسمعه. خلق الله السمع ليكون آلة لرفع الجهل، وتحصيل العلم قال الله تعالى:(وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).

أجارنا اللهُ من فَسادِ السَمعِ ومن َسماعِ المفاسدِ واللهَ نسألُ أنّ يحفظَ لنا هذهِ النعمة إلى المَماتِ إنّهُ على كل شىءٍ قدير.