الشكر لله كل الأيام

 

 يحتفل هذه الأيام بيوم الشكرالمسمى "Thanksgiving" وهو عادة أمريكية غير أننا ينبغي أن نذكر أنَّ الشُكرَ ُكلهُ لله وأنَّ الأيام والسنينَ والحياة ينبغي أن تكون كلها شكراً لله تعالى على ما أنعم لأنَّ الله تعالى هو ذو الفضل والنعم وهو الذي خلق لنا نِعم لا تُعد ولا تحصى، وأوجبَ علينا شكرهُ يقول الله سبحانه وتعالى: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ  ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ

ونعمُ الله وفضله عظيم لا يستطيع العباد إحصاءُها ولا عَدُها مَهما َبذلوا واجتهدوا وهذا مصداقُ قوله تبارك وتعالى: وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا وكيف تُحصىَ النِعَم ؟! وما منّ لحظة من لحظاتكَ في حياتك إلى موتكَ إلا وللهِ عليكَ نعمٌ متوالية، في نومك ويقظتك، وفي كل حركاتك وسكناتك، فللهِ عليك نِعمٌ لا تستطيعُ عدّها ولا إحصائها، ولذا كانَ المطلوب منّا أن نشكره تعالى ونحمده على نعمه في كل آنٍ وحين وفي صلاتنا نقرأ قول الله تعالى: ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ

والعبد إذا فَكَرَ في نِعم الله عليه وتدبرها حقَ التدبر والشكر، إستعمل تلك النعم فيما يُقرِبُ إلى الله ، وإن من أسباب شكرك لنعم ربك أن تنظرَ إلى من هو دونكَ في أمور الدنيا، وأن لا تنظر إلى من هو فوقك، فنظركَ إلى من هو دونك يُعرِّفك قدرَ نعم الله عليك، ويدعوك إلى شكرها، ونظرك إلى من هو فوقكَ يُحركُكَ إلى إزدراءِ النِعم وعدم معرفتها على الحقيقة فلا ترى لها قيمة، ولذا جاءَ في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:انظروا إلى من هوَ دونَكم، ولا تنظروا إلى من فوقكَم، فهوَ أحرىَ أن لا تزدَروا نِعمَةَ الله عليكم، إنها لوصية نافعة شافية كافية، كلمة جامعة قالها سيدُ الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليُعلمَ الناس القناعةَ والشكرُ لله تعالى على ما أعطى .

والشكر على النعم عبادةُ وخيرٌ عظيم، وبالشكر يعرفُ العبد نعم الله عليه، ويذكرُ من أنعمَ بها عليه، هو ربُنا سبحانه وتعالى المستحقُ للعبادة والشكر، فمّا بالعباد من نعم ظاهرة ولا باطنة ولا خاصة ولا عامة إلا من الله فضلاً وإحسانًا وكرماً، وليس مرجعها لقوة الإنسان وذكائه وفهمه لا..!!، ولكنّها مَحضُ فضلِ الله تعالى وإحسانهِ وكرمِه، فالواجب على المسلم أن يُقابل هذه النعم بالشكر، فلو تدبرت  حالَ الخلق من حولك، سترى ما بينهم من التفاوت في العقول والأخلاق والأرزاق والأحوال، وربك حكيمٌ عليم عدلٌ عالم بمنّ خلق، فإنك ترى من هو دونكَ في العقل، ومن هو دونكَ نسبًا ومالاً، ومن هو دونك في أصناف النعم، إذاً فإذا نظرت إلى ذلك، ثم تفكرتَّ في حالك، ورأيتَ من هو دونك مراتب عديدة، دعاكَ ذلك إلى شكر نعمة الله تعالى عليك.

وإنَّ الشكر الكامل لله ليس مجردَ كلمة الحمدُ لله مع المداومةِ على معصية الله!! بل الشكرُ الحقيقي الكامل هو عدمُ إستعمال النعمةِ التى أنعمَ الله عليك بالمعصية، فمن ذلك شكرُ الله على نعمةِ المال أن لا تَستعمِل المال فيما حرمَ الله تعالى، وشكرُ الله على نعمةِ اللسان أن لا تستعمله فيما حرمَ الله تعالى، وإن فريقاً من الناس ظنَّ أنّ تمامَ الشكر أحرفٌ وكلمات تقالُ أو تعلقُ على الحائط من دون تجنب المحرمات، عباراتٌ وهمساتٌ، ينطقُ بها لسانه وقلبهُ غافل ساهٍ وجوارحه غارقة في المعاصي والآثام، فالعينُ تبصرُ ما تشاء ومن تشاء، والأذنُ تسمعُ ما تشتهي من غير مراعاة لحكم الشرع والدين، واللسان ينطق بما يحلو له، والأقدام تسيرُ، واليدان تبطشان دونَ مراعاة حلال أو حرام.  

فهل شكرَ نعمة الله من ترعرع جَسَدُه، ونمت أحشاؤهُ مِنَ الربا والحرام؟!! وهل شكرَ نعمةَ الله من فرطَ في المُهم من أمور الدين، فترك الصلاة أو تهاونَ في أدائها وأخرها عن أوقاتها.. ؟! وهل شكرَ حقَ الشكر لنعمة الله من عقَّ والديه وقطعَ رَحمه..؟! وهل شكرَ نعمة الله من أصغى بأذنيه إلى المحرمات..؟! وهل شكر الله من إذا غضب أطلقَ لسانُه في الكفر من سبِ الله أو الدين أو الملائكة والعياذ بالله..؟!، بل سَبُ الله أو الدين أو الإسلام كفر بالله تعالى، وهل.. وهل.. أسئلةٌ يطولُ المقام في سردها أنتم أعلمُ بها، إنَ الشكر ليس مجرد ألفاظ تقال بل الشكر أن تسيرَ حياتك كلها وفق ما يرضى الله وشرع الله ورسوله، فلا تسمَع إلا ما يرضي الله، ولا تبصر إلا ما يُحبهُ، ولا تنطق إلابما أحل الله تكون بذلك شاكراً شكوراً.

الله تعالى أعطى الإنسان هذا اللسان هذه النعمة العظيمة لقضاءِ الحوائج وذكر الله والعبادة لله باللسان لا لينطقَ العبد بما يُسخط الله تعالى، فما أبشعَ فعل من حركَ لسانه في سب الله تعالى أو الدين أو في الإعتراض على الله تعالى في أحكام القدر والكفر ولم يستخدم بلسانه في الشكر لله، وهؤلاء ينطبق عليهم قول النبيّ صلى الله عليه وسلم:إنّ العبدَ ليتكلمُ بالكلمةِ ما يتبينُّ فيها يزلُ بها أبعدَ مما بينَ المشرقِ والمغرب، وهذه الكلمة من مثل هذه الكفرياتِ التى ينطق بها البعض عند الغضب أوالمزاح وغير ذلك، فيا من تريدُ النجاة والشكر لله حق الشكر، عليك بتعلم أحكام الشرع ومعرفة معاصي اللسان حتى تتجنب ما حرم الله تعالى.

أيها المسلم أعظم النعم نعمةَ الإسلام، فمن رزقه الله نعمةَ الإسلام فقد هدي إلى الخير كله، فهي أعظم النعم وأجلها إنّ هداكَ الله للإسلام، فعرفتَ الحق واهتديت، وظهر عندك ووضح الفرق بين الحق والباطل والهدى والضلال، وقد أضل الله عن ذلك الأكثرين فلم يهديهم لم هديت له، فاحمد الله على هذه النعمة واشكره، قال الله تعالى:أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلَـٰمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مّن رَّبّه، وقال تعالى الله تعالى:صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ، أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبين ومن تبعهم على الحق والهدى فعرفوا الحق من الضلال والهدى من الباطل وعبدوا الله تعالى وحده ولم يشركوا به شيئا، اشكرِ الله تعالى أن جعلكَ مسلماً وحافظ على هذه النعمة من أن تقطع بالردة والعياذُ بالله تعالى، وصنْ إيمانكَ عن ما يفسدُه كالأقوالِ والأفعال والإعتقادات الكفرية، فقلبُ المؤمن لايحملُ شكٌ أو ترددٌ في وجودِ الله والآخرة والجنةِ والنار والكتب المنّزلة على النبين، وقلبُ المؤمن لايعتقدُ الشبيه أو المكان أو أيّ صفةٍ من صفاتِ الخلق لله رب العالمين الذي ليس كمثله شيء، وكم صُرِفَ عن هذا الدين أقوامٌ لهم عقولٌ وأسماع وأبصار، ولكن حِيلَ بينهم وبين الهُدى وللهِ الحكمة في ذلك، والله يهدي من يشاء ويضلُ من يشاء، قال الله تعالى:وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مّنَ ٱلْجِنّ وَٱلإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ ءاذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَٱلأنْعَـٰمِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْغَـٰفِلُونَ

فالله الحمدُ والشكرُ، والمُسلم يَنبغي أنّ يَشكُرَ الله في كل وقت وحين، وهكذا كانَ سيدُ المُرسلين حينَ قامَ من الليل يُصلى الوقت الطويل فقالت له زوجتهُ ألمْ يغفر الله لك ما تقدم وما تأخر؟ فكانَ جوابه عليه الصلاة والسلام:أفلاّ أكون عبداً شكورا هكذا ينبغي أنّ يكونَ شكرنا لله عدم استعمال النعم بالمعصية وكثرة الثناء والحمد والشكر لله ربنا المنعم الوهاب، وليُحذر من التقليد بمراسيم وموائدَ وترفٍ وإسرافٍ، ونغفل عن الشكرِ لله ربِ العالمين وعن هموم الناس والمحتاجين الذين منهم يتضرعون جوعاً ويتجرعون مَرارةَ الظلم والعدوان، لا أن تمتلىءَ البطون ومن بعدها المزابلُ من تَرَفٍ على الموائد في وقت نرى من يأكل من المزابل !! الشكرُ لله رب العالمين والحمد لله في كل وقتٍ وحين.