مراحل تطور الجنين...

مراحل تطور الجنين...

التفكر في عظيم قدرة الله على خلق الجنين في رحم أمه يحمل على الزيادة من طاعة الله وشكره وتعظيمه، قال الله تبارك وتعالى:( وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ)، الله تبارك وتعالى أجرى العادة في تكاثر البشر بالتناسل بسبب الجماع بين الرجل مع المرأة ومن مائهما يكون الجنين بخلق الله تعالى قال الله تعالى: ( إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا)، أمشاج أي مختلط فلا يكون جنين إلا من مائيين ماء الرجل وماء المرأة ، والجنين هو حملُ المرأة ما دام في بطنها، وسمي بذلك لاستتاره في الرحم قال الله تعالى: ( إِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ )، فإن خرج الجنين حيًّا فهو طفل، أو ميتًا فهو سَقْط، والجنين يمر بمراحل متعددة قبل بروزه للدنيا طفلاً وليداً، ومراحل نمو الجنين في رحم أمه ذُكرت في القرآن في أكثر من آية منها قول الله تعالى في سورة المؤمنون:( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ* ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ* ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ).

النُطفة

النطفة هي النذر القليل من الماء ونحوه قال الله تعالى:( ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ) وهو حيث استقرّت فيه نطفة الرجل من رحم المرأة، ووصفه بأنه مكين؛ لأنه مكن لذلك ، وهيأ له ليستقرّ فيه إلى بلوغ أمره الذي جعله له قرارا، وقال تعالى:( خَلقَ الإنسان مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ﴾، وقال تعالى:﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أنثى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ )، وجاء في تفسير قوله تعالى:( أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ )، أي كان ماءً قليلاً يُراق ويُمنى في رحم المرأة، يخرج من صلب الرجل وهو أسفل الظهر، ومن ترائب المرأة وهي عظام الصدر، قال تعالى:( خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ )، ففي الآية إثبات أن المرأة يخرج منها ماء يسمى "المني" ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله، وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثا بإذن الله »، وفي حديث أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ رضي الله عنها إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنَّ الله لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ فَهَلْ على المرأة مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ: “نَعَمْ، إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ" فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها: يَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ!؟ فَقَالَ: " تَرِبَتْ يَدَاكِ، فَبِمَ يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا ". وفي حديث عائشة رضي الله عنها قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِذَا عَلاَ مَاؤُهَا مَاءَ الرَّجُلِ أَشْبَهَ الْوَلَدُ أَخْوَالَهُ، وَإِذَا عَلاَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَهَا أَشْبَهَ أَعْمَامَهُ". فبقدرة الله تعالى تختلط نطفة الرجل مع نطفة المرأة ومنها يجعل الله الجنين ولا يكون جنين من البشر إلا بنطفتين مختلطتين وذلك لقول الله تعالى:( إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا )، أمشاج معناه ماء مختلط بين ماء الرجل والمرأة، ثم تستقر النطفة المختلطة في رحم المرأة في المكان المهيأ لاستقرار النطفة وهو القرار المكين الذي في قوله تعالى:﴿ أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاء مَّهِينٍ* فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ* إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ﴾، وقال تعالى:﴿ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ﴾، تستقر النطفة متمكنة ثابتة في الرحم، والنُطَف سواء كانت من الرجال أو من النساء فهي لا روح ولا حياة فيها بل هي نطف ميتة لا روح فيها البتة، وإن تحركت وتموجت بالنظر إليها بالمكبرات والمناظير فلا حياة فيها بتاتاً إنما الروح تجعل في الجنين بعد مدة، قال الله تعالى:( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)، قال القرطبي في تفسير الآية "كنتم أمواتا " أي نطفاً في أصلاب الرجال وأرحام النساء، ثم نقلكم الله من الأرحام فأحياكم، ثم يميتكم بعد هذه الحياة، قال تعالى:( يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ وَكَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ )، فسره ابن عباس فقال: الحي من الميت المني يخرج الله من الجنين، والميت من الحي البيضة يخرج منها الفرخ الحي، وكذا قال ابن مسعود، وفي الحديث الذي فيه مراحل خلق الجنين قال صلى الله عليه وسلم:( إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ في ذلك عَلَقَةً مِثْلَ ذلك ثُمَّ يَكُونُ في ذلك مُضْغَةً مِثْلَ ذلك ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فيه الرُّوحَ )، وفي قوله صلى الله عليه وسلم فينفخ فيه الروح دلالة أنه قبل ذلك لا روح فيه. قال تعالى:( أفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ * أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ

العَلَقَة

الدم الغليظ المتجمد يسمى علقة قال تعالى:( ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً)، أي ثم تتحول النطفة السائلة بعد استقرارها في رحم المرأة أربعين يوماً إلى قطعة رطبة اكتسبت لون الدم الغليظ الجامد، وهو المعنى الذي تشير إليه كلمة العلقة، قال تعالى:( ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ)، وسميت علقة لتعلقها بالرحم فلم تعد ماءً سائلاً، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (ثم يكونُ عَلَقةً مثلَ ذلكَ)، قال الله تعالى:( خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ).

المُضغَة

المضغة قطعة اللحم الصغيرة سميت بذلك لأنها قدر ما يمضغ الماضغ قال تعالى:( فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً)، ثم تصير العلقة مضغةً أي قطعة لحم صغيرة بقدر ما يمضغ، وتمكث المضغة أربعين يوماً كما في الحديث:( ثم يكون مضغة مثل ذلك)، وفي هذا من عجيب قدرة الله سبحانه وتعالى...!! النطفة السائلة الرقيقة تتحول إلى علقة ثم إلى مضغة طرية ثم يجعل الله منها العظام الصلبة القوية المتينة قواماً للبدن فهي كالأساس والدعائم وهي أصلب ما في جسم الإنسان، ومن عظيم قدرة الله تعالى أن جعل العظام أشكالاً مختلفة ما بين رفيع وعريض وسميك ورقيق ومدور ومقعر كعظم جمجمة الرأس والحوض والكتف والركبتين وعظام الصدر والفك الأسفل المتحرك والفك الأعلى الثابت، وانظر في عظام أصابعك وحركاتها وفقار ظهرك ودقتها وغيرها مما يطول الفكر في التجوال في عجيب صنع الله تعالى فسبحانه ما أعظمه جل جلاله وتقدست صفاته. وللعظام مفاصل تتحرك في تركيبات عجيبة مبهرة متقنة صنع الله الذي أتقن صنعه، قال تعالى:( فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا )، الآية تُشِير إلى أن العظام تتشكَّل أولاً، ثم يلتفُّ حولها اللحم و كأنه كساء لها، وفي اللحم أجرى الله العروق بالدم وغطاها بالجلد الرقيق وجعل اللحم منه عضلات متحركة إما بإرادة الإنسان وإما لوحدها تتحرك ولا يمكنه توقيفها كعضلات المعدة والأمعاء والقلب وغيرها فإنها تقوم بالتحرك وبالهضم ونحوه مما يُبين أنَّ أفعال الإنسان الاختيارية وغيرها مخلوقة لله رب العالمين، قال تعالى:( ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ

نَفخ الروح

ثم إن تَمْت الأيام وصارت مائة وعشرين يومًا يُرسَل الله إلى الجنين ملك ليجعل فيه الروح بقدرة الله، الروح مخلوق من مخلوقات الله عز وجلّ لا نعلم كيفية هذا النفخ، ولا كيف تتلبس الروح بالبدن، والروح أضيفت إلى الله تشريفاً لها وتعظيماً.كقول الله تعالى: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ﴾، الإضافة هنا إضافة خلق، وإضافة تشريف، قال النبي صلى الله عليه وسلم:( ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فيه الرُّوحَ )، ملك من ملائكة الله موكل بالرحم يكون سبباً في جعل الروح في الجنين فيصير حياً بقدرة الله، ويكون النفخ بعد التشكيل بشكل ابن آدم والتصوير ويكون الملك الموكل بالأجنّة علمهُ الله على شكل يكون الجنين من التصوير، قال تعالى:﴿ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ ﴾، من الصور المختلفة ذكراً أو أنثى أبيض أو أسوداً حسناً أو قبيحاً تاماَ وناقصاً، وهذا المَلك يعالج الجنين بلطف خفي بحيث لا يشعر به أحد

وقدرة الله صالحة لذلك. والمقصود بالروح ما يحيى الله به الإنسان، والروح لا تكون في الجنين إلا بعد تمام أربعة أشهر وقال بعضهم كالإمام أحمد بن حنبل أن النفخ يكون بعد أربعة أشهر وعشرة أيام، وأجمع الفقهاء الإسلاميون قاطبة على تحريم إزهاق الجنين بعد نفخ الروح فيه وأنَّ إجهاضه قتل نفس بغير حق، قال تعالى:( وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا )، وقال صلى الله عليه وسلم:( من أعانَ على قتل مسلم ولو بشطر كلمه جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله )، فلا يجوز للأم أن تجهض ولدها الذي نُفخت فيه الروح ولو كان استمرار الحمل يسبب لها آلام أو تصاب بمرض وليس لطبيب أو شيخ يقول بجواز قتل نفس بريئة، هل يقول إنسان بجواز قتل الولد الذي أصيب بشلل وهو كبير لأنه يُتعب أمه !؟لا.. ولو أسقط الجنين بعد نفخ الروح فله دية لأقربائه يدفعها من أسقطه وقتله وعليه التوبة والكفارة ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال:( اقتتلت امرأتان من هذيلٍ، فرمت إحداهما الأخرى بحجرٍ فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقضى أن ديَة جنينها غرة، عبد أو وليدة، وقضى أن ديَة المرأة على عاقلتها )، ومن عظيم لطف الله بالجنين وقدرته فيه أن الجنين حين تحين ولادته يمر بمسلك ضيق جداً، وهو عنق الرحم، والذي لا يمكن في العادة خروج جسم ضئيل منه فيتسعُ بقدرة الله حتى يخرج منه الجنين مع حجمه ووزنه الذي قد يبلغ 3 كلغ. قال الله تعالى:( ثم السبيل يسره )، فيخرج طفلاً يسمع ويرى ويتنفس ويتحرك ويصرخ، قال تعالى:﴿ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ﴾،وبعدها ينمو الطفل شيئاً فشياً ليدرك الأمور وكل ذلك بخلق الله وقدرته، قال تعالى:﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾، فسبحان الله خلق الإنسان من نطفة فسواه بشراً سويا والله تعالى أعلم وأحكم .