النفخ في الصور يوم القيامة

من أمور القيامة التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم النفخ في الصور، وهو البُوق آلة يشبه القرن ينفخ فيها المَلك يوم القيامة، إيذانًا بقيام الساعة وحساب الخلق وتكون تلك النفخة بداية القيامة وهي النفخة الأولى قال الله تعالى:﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ ﴾، وفي النفخة الأولى تحصل الصعقة وهي صوت نفخ إسرافيل عليه السلام في الصور أي البوق فيهلكون من هذا الصوت الذي له هولٌ عظيم تتقطع منه قلوب الكفار حتى يموتوا من شدته وكذلك الجن الكفار يموتون تلك الساعة فلا يبقى بشر ولا جنٌّ على وجه الأرض إلا وقد مات، وأما الذين ماتوا قبل ذلك من المسلمين والكافرين فيغشى عليهم تلك الساعة أي يُغمى عليهم إلا شهداء المعركة فلا يُغشى عليهم تلك الساعة قال تعالى:﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ﴾. وفي الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( النَّاسُ يَصْعَقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمةٍ مِنْ قَوَائِمِ العَرْشِ ، فَلاَ أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي أَمْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ)، الأنبياء عندما يصعقون في ذلك الوقت لا يصيبهم ألم وكذلك الأتقياء وعندما يُفيقُ رسول الله صلى الله عليه وسلم من تلك الصعقة يجد موسى عليه السلام وهو ماسك بقائمة من قوائم العرش ولم يتبين له أمره أعفي عنه من الصعقة فلم يصعق أم صعق فأفَاقَ قبله وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعلم ذلك فنحن كذلك لا نعلم. ثم بعد موت البشر والجن والبهائم يموت الملائكة وءاخرهم موتاً عزرائل قال بعض العلماء يستثنى خزنة الجنة وخزنة جهنم وحملة العرش والحور العين والولدان المخلدون فلا يصعقون ثم بعد ذلك يُحي الله إسرافيل الذي كان نفخ في الصور المرة الأولى ثم ينفخ مرة ثانية وذلك بعد أربعين عاماً فيقوم الأموات من قبورهم وبعد ذلك السؤال والحساب. وليس صحيحا ولا ثابتا ما يقوله بعض الناس أن عزرائيل يقول لما يقبض روحه لو كنت أعلم شدتها ما قبضة روح أحد فهذا مفترى على الملك عزرائيل عليه السلام ، والنفخ في الصُّور من مسائل القيامة التي يجِب اعتقادها والإيمان بها دون أدنى شكٍّ أو ريب، الله تعالى ذكر هذا النَّفخ في أكثر من مَوضع في القرأن العظيم قال الله تعالى:﴿ وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا ﴾، وقال تعالى:﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ ﴾. وقال عز وجل:﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ﴾، والله تبارك وتعالى وكلَ ملك بنفخ بالصور بأمر منه سبحانه وتعالى يوم القيامة وهذا الملك هو إسرافيل عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( كيف أَنْعَم وقد التقَمَ صاحِبُ القرن القَرْنَ وحَنى جبهتَه وأصغى سمعَه؛ يَنتظِر أن يُؤمر أن يَنفخ، فيَنفخ )، قال المسلمون: فكيف نقول يا رسولَ الله؟ قال:( قولوا: حَسبنا الله ونِعم الوكيل، توكَّلنا على الله ربِّنا )، أو (على الله توكَّلنا)، وعند النفخ تتغير أحوال الدنيا وتتبدل قال الله تعالى:( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ)، وقال تعالى مبيناً أحوال تلك الساعة:( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ). وقال تعالى:( يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا)، وجاء في الحديث أن الناس يكونون غارقين في أمور دنياهم فإذا بالصعقة تفاجئهم بغتة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام:(ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه، هو ممدود الآن من البائع للمشتري ليفحصه، فلا يطويانه ولا يتبايعانه فقد جاءت النفخة قضي عليهم، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته ، حلب الناقة وانصرف بالإناء ليشرب منه فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أحدكم أوكلته إلى فيه فلا يطعمها). فصاحب اللبن لا يطعمه وآخذ اللقمة لا يطعمه إلى غير ذلك مما يفاجئون بها، وقد ورد بأن النفخة والصعقة هذا الصوت العظيم الهائل ستكون يوم الجمعة، روى أوس بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خُلق آدم وفيه قُبض، وفي النفخة وفيه الصعقة)، وذلك يكون يوم الجمعة، وهما نفختان جاء في القرءان تسمية الأولى: الراجفة، والثانية: الرادفة، فقال تعالى:( يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ )، قال ابن عباس الأولى تميتُ كل شيء بإذن الله، والثانية تُحي كل شيء بإذن الله، وهذا مشهد رهيب مفزع مهول جللٌ لأن النفخة إذا فاجأت الناس لا يكونون يتوقعونها، فجاءت هذه الصيحة العظيمة فأخذتهم وحق للقلوب أن تفزع من هول تلك الصيحة، ثم إذا جاءت نفخة البعث وينهما أربعون عاما تقوم النفوس أيضاً خائفة وجلة إلا من رحم الله، كما قال عز وجل:( قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ)، وقد روى عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال:( يا أيها الناس اذكروا الله، اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه ، قال أبي: يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعلك من صلاتي؟ قال: ما شئت)، وقوله: يا أيها الناس: أراد به النائمين ليستيقظوا لقيام الليل، والتهجد، وذكر الله تعالى والإستغفار، وقوله: جاءت الراجفة تتبعها الرادفة: النفخة الأولى التي يموت لها الخلائق، والرادفة: الثانية التي بها يحيون ليوم القيامة، وأصل الرجف الحركة والاضطراب، وفي هذا إشارة إلى قوله تعالى:( يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ)، وقال عليه الصلاة والسلام: جاءت: بصيغة الفعل الماضي لبيان تحقق وقوعها، ما فيها شك جاءت، وقد اقتربت فاستعدوا لها.

تنبيه مهم: عند ذكر الآية السادسة عشر من سورة غافر قوله تعالى:(يَوْمَ هُم بَارِزُونَ ۖ لَا يخفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ ۚ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ۖ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)، بعضُ الناسِ يقولونَ اللهُ تعالَى يومَ القيامَةِ لما يُحْيِي الخلقَ بعدَما يَفْنَى الإِنْسُ وَالجِنُّ والملائكةُ، لَمَّا يُعيدُهم يقولُ لِمَنِ الملكُ اليومَ ثم يُجِيبُ نفسَه بِنَفْسِهِ للهِ الواحدِ القَهَّارِ. هذَا غيرُ صحيحٍ، هذا كَذبٌ لا يجوزُ. الصحيحُ أنهُ عندَمَا يقُومُ النَّاسُ منَ القُبورِ يأمُرُ اللهُ مَلَكًا فينادِي لِمَنِ الملكُ اليَومَ، ثُمَّ هذَا الملكُ يقولُ للهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ فَيَسْمَعُ أهلُ الموقفِ كلُّهم لأَنَّه لا يوجدُ في الآخرةِ ملوكٌ كَمَا يُوجَدُونَ اليَومَ. هُوَ اللهُ مَلِكُ ذلكَ اليومِ لا مَلِكَ يومَ القِيامَةِ غيرُهُ، قالَ اللهُ تعالَى: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾. هذا المَلَكُ هو نفسُهُ يعودُ ويقولُ للهِ الواحِدِ القهَّارِ. هكذا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ علمُ التَّوحيدِ. الغَلَطُ في التَّوحِيدِ خَطَرُهُ أعظَمُ مِنَ الخَطَرِ فِي الأَعْمَالِ، الصَّلاةُ إِنْ أخطَأْتَ فِيهَا تَقْضِيهَا مُصَحَّحَةً والصيامُ كذلكَ، والحجُّ إن دخَلَهُ فسادٌ تُعيدُهُ على الوَجْهِ الصَّحيحِ. ومعنى قولِ اللهِ تعالى:﴿وأشرقت الأرض بنور ربّها). أي بِحُكْمِ الله، أي في يومِ القيامَة لا حُكْمَ لأحدٍ لا لِمَلِكٍ ولا لأميرٍ إلا لله. ا.هـ هذه الآية مِنَ الآياتِ التي يذكرونها أمامَ العوامّ في التدريسِ، أنه مثل هذه الآية: ﴿ وأشرقت الأرض بنور ربّها ﴾، من أين يعرف الشخص أن هنا معنى ﴿ بنور ربّها ﴾ بحكمِ الله؟! الذي يخطر في بالِ الجاهل النور (الضوء) وقد يظنُّ إذا كان مُشبّها أنه في يوم القيامة أنّ اللهَ ضوء يُنيرُ الأرض وإذا لَم يكن مُشبّهًا قد يخطر في بالِهِ أن الله يخلق نورًا تضاءُ به الأرض، هنا:( بنور ربّها) معناه بِحكمِ الله. فالآيات التي تورد عند تعليمِ الناس حتى يُفهَّموا أنَّ القرءانَ لا يُفسَّر بِمجرّدِ ما يخطر في البال ولو كان الأمرُ قد يبدو ظاهرًا سهلاً لا يعرف الشخص التفسير الصحيح بدون أن يتلقى من أهل المعرفة الثقات. يومَ القيامَةِ بعدَ أنْ يُحيِ اللهُ الخلقَ ويَحشُرَهُم يُنادي مَلَكٌ بأمرِ اللهِ:﴿ لمن الملك اليوم ﴾ ثُمَّ الملَكُ يُجيبُ نفسَهُ: لله الواحد القهّار﴾، أي لا مَلِكَ مِنَ البشرِ في ذلكَ اليوم يَحكُمُ بينَ الناس ويُديرُ شؤونَهم، إعلامًا بذلك يُنادِي هذا الملَك ويقولُ ذلك؛ اللهُ هو الذي يُديرُ شؤونَ الخلقِ يومَ القيامَةِ. في بعضِ التفاسيرِ مَكتوبٌ إنَّ اللهَ يَسألُ:﴿لمن الملك اليوم﴾ ثم هو يُجيبُ نفسَهُ بنفسِهِ: (لله الواحد القهّار)، وهذا غيرُ صَحيحٍ.، فيوم النفخ في الصور يوم رهيب يذهل فيه العاقل لو دام التفكر به لأذهب عنا حب الدنيا ولذة التنعم، اللهمَّ أمتنا على السُنةِ واحشرنا آمنين مطمئنين مع الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، اللهمَّ آمين آمين آمين.