أحكام النظر

الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ، أَمَّا بَعدُ: قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ سورة النور: 30، 31، ذَكَرَت هَاتَانِ الآيَتَانِ الكَرِيمَتَانِ حُكمَ نَظَرِ العَينِ إِلَى الغَيرِ، وَأَشَارَت إِلَى أَنَّ النَّظَرَ هُوَ مِن مُقَدِّمَاتِ الزِّنَى الَّتِي لَا بُدَّ مِنَ الابتِعَادِ عَنهَا لِحِفظِ النَّفسِ مِنَ الوُقُوعِ فِي الزِّنَى أَوِ الاقتِرَابِ مِنهُ، وَأَنَّ غَضَّ البَصَرِ هُوَ طَرِيقُ إِعفَافِ النَّفسِ مِنَ الوُقُوعِ فِي مِثلِ هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ، كَمَا أَشَارَتِ الآيَتَانِ إِلَى أَنَّ الحُكمَ في النظر والعورات لَيسَ مُرتَبِطًا بِالرِّجَالِ فَحَسبُ، بَل إِنَّ النِّسَاءَ أَيضًا يَجِبُ عَلَيهِنَّ غَضُّ البَصَرِ عَن عَورَاتِ الرِّجَالِ، وَيَجِبُ عَلَيهِنَّ حِفظُ أَنفُسِهِنَّ مِنَ الوُقُوعِ فِي أَسبَابِ نَظَرِ الرِّجَالِ إِلَيهِنَّ مِن سَترِ العَورَةِ وَعَدَمِ إِظهَارِ الزِّينَةِ بِقَصدِ الفِتنَةِ وَنَحوِ ذَلِكَ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم محذراً من التمادي بالنظر الى العورات وأنه يفضي إلى الزنا الحقيقي فقال:(زنا العينين النظر) أي إلى ما لا يحل للناظر….عَن عَبدِ اللهِ بنِ مَسعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِيمَا يَروِيهِ عَن رَبِّهِ في الحديث القدسي:( إِنَّ النَّظرَةَ سَهمٌ ‌مِن ‌سِهَامِ ‌إِبلِيسَ مَسمُومٌ، مَن تَرَكَهَا مَخَافَتِي أَبدَلتُهُ إِيمَانًا يَجِدُ حَلَاوَتَهُ فِي قَلبِهِ )رواه الطبراني. معناه النظرة المحرمة في الغالب تؤثر مثل السهم يغرز في الجسد ورب نظرة بقيت في البال مدة فمن تركها ابتغاء رضا الله تركت أثراً جيدا في نفسه.

أحكام النظر

قَسَّمَ الشَّرعُ النَّظَرَ إِلَى الغَيرِ إِلَى أَقسَامٍ تَختَلِفُ بِحَسَبِ النَّاظِرِ وَمَوضِعِ النَّظَرِ، وَجَعَلَ لِكُلِّ قِسمًا مِنهَا حُكمًا، نَذكُرُ مِنهَا مَا يَلِي: النظر إلى العورات (والمراد بالعورة هنا ما يجب ستره في الصلاة ) حَرَّمَ الشَّرعُ النَّظَرَ إِلَى العَورَاتِ مُطلَقًا حَتَّى لَو كَانَ بِلَا شَهوَةٍ مِنَ النَّاظِرِ، بَل هُوَ حَرَامٌ وَلَو مَعَ اتِّحَادِ الجِنسِ فِي النَّاظِرِ وَالمَنظُورِ إِلَيهِ (ذكر مع الذكر)، وَلَكِنَّ العَورَةَ تَختَلِفُ هُنَا بِحَسَبِ النَّاظِرِ وَالمَنظُورِ إِلَيهِ، فَهِيَ كَمَا يَلِي:

عَورَةُ المَرأَةِ أَمَامَ الرَّجُلِ الأَجنَبِيِّ: جَمِيعُ بَدَنِهَا سِوَى الوَجهِ وَاليَدَينِ)، روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها: أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا- وأشار إلى وجهه وكفيه. ، وَنَقَلَ بَعضُ الفُقَهَاءِ كَالْقَاضِيْ عِيَاضٍ الإِجمَاعَ عَلَى جَوَازِ النَّظَرِ بِلا شَهوَةٍ إِلَى الوَجهِ وَالكَفَّينِ.

وَعَورَةُ المَرأَةِ أَمَامَ المَرأَةِ المُسلِمَةِ أَوِ الرَّجُلِ المَحرَمِ: مَا بَينَ السُّرَّةِ وَالرُّكبَةِ، كَمَا نَقَلَ النَّوَوِيُّ فِيْ المَجْمُوْعِ والحَافِظُ ابْنُ القَطَّانِ فِيْ كِتَابِه أَحْكَامِ النَّظَرِ.

وَعَورَةُ المَرأَةِ أَمَامَ المَرأَةِ الكَافِرَةِ: مَا يَظهَرُ مِنهَا عِندَ المِهنَةِ أَي عِندَ العَمَلِ فِي نَحوِ البَيتِ كَالرَّأسِ وَالسَّاعِدِ وَالعُنُقِ وَنِصفِ السَّاقِ.

وَعَورَةُ الرَّجُلِ أَمَامَ الرَّجُلِ أَوِ المَرأَةِ: مَا بَينَ سُرَّتِهِ وَرُوَعَورَةُ الرَّجُلِ فِي الخَلوَةِ بِلَا حَاجَةٍ: السَّوأَتَانِ، وَعَورَةُ المَرأَةِ فِي الخَلوَةِ بِلَا حَاجَةٍ: مَا بَينَ السُّرَّةِ وَالرُّكبَةِ. أَي يَحرُمُ أَن يَكشِفَ الرَّجُلُ سَوأَتَيهِ (وَهُمَا القُبُلُ وَالدُّبُرُ) وَأَن تَكشِفَ المَرأَةُ مَا بَينَ السُّرَّةِ وَالرُّكبَةِ فِي حَالِ الخَلوَةِ (أَيِ الجُلُوسِ وَحِيدًا) بِلَا حَاجَةٍ، وَالحَاجَةُ مِثلُ قَضَاءِ الحَاجَةِ أَوِ التَّنَظُّفِ أَوِ التَّبَرُّدِ أَوِ التَّدَاوِي، أَمَّا أَن يَجلِسَ وَلَو لَم يَكُن مَعَهُ أَحَدٌ وَيَكشِفَ الرَّجُلُ سَوأَتُهُ أَو تَكشِفَ المَرأَةُ مَا بَينَ السُّرَّةِ وَالرُّكبَةِ بِلَا حَاجَةٍ فَهَذَا حَرَامٌ. وَلَا عَورَةَ لِلرَّجُلِ أَمَامَ زَوجَتِهِ، وَلَا عَورَةَ لِلمَرأَةِ أَمَامَ زَوجِهَا.

حكم النظر إلى العورة بغير قصد عَن بُرَيدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ يَا عَلِيُّ لا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الثَّانِيَةُ)، أبو داود مَعنَاهُ إِذَا نَظَرَ شَخصٌ إِلَى عَورَةِ شَخصٍ ءَاخَرَ بِلَا قَصدٍ فَيَجِبُ عَلَيهِ إِبعَادُ نَظَرِهِ عَنهُ فَورًا، وَإِذَا نَظَرَ بقَصدٍ إِلَى غَيرِ العَورَةِ بِلَا شَهوَةٍ ثُمَّ شَعَرَ مِن نَفسِهِ التَّلَذُّذَ وَجَبَ عَلَيهِ إِبعَادُ نَظَرِهِ أَيضًا. فَهَذَا هُوَ مَعنَى النَّظرَةِ الأُولَى الَّتِي وَرَدَت فِي الحَدِيثِ، أَي أَن يَنظُرَ إِلَى العَورَةِ بِلَا قَصدٍ أَو إِلَى غَيرِ العَورَةِ ثُمَّ شَعَرَ مِن نَفسِهِ التَّلَذُّذَ، وَلَيسَ مَعنَاهُ أَنَّ لَكَ أَن تَنظُرَ مَعَ القَصدِ إِلَى العَورَةِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ثُمَّ لَا تَنظُرَ بَعدَ ذَلِكَ. والنَّظَرُ إِلَى غَيرِ العَورَاتِ الَّتِي مَرَّ تَفصِيلُهَا جَائِزٌ فِي الشَّرعِ بِلَا شَكٍّ، لَكِنَّ هَذَا الحُكمَ مُقَيَّدٌ بِمَا إِذَا كَانَ النَّظَرُ بِلَا شَهوَةٍ وَتَلَذُّذٍ مِنَ النَّاظِرِ، أَمَّا لَو كَانَ النَّظَرُ مَعَ شَهوَةٍ وَتَلَذُّذٍ فَيَحرُمُ النَّظَرُ إِلَى أَيِّ جُزءٍ مِن بَدَنِ المَرأَةِ أَوِ الرَّجُلِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الكَلَامَ هُنَا عَنْ غَيْرِ الزَّوْجَيْنِ. ومن الاستثناءات للضرورة ما ذكره الفقهاء في النظر والجس: وَمِنْهَا يَجُوزُ النَّظَرُ وَالْمَسُّ لِلْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ وَمُعَالَجَةِ الْعِلَّةِ وَلْيَكُنْ ذَلِكَ بِحُضُورِ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ [الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ فِي رَأْسِهِ وَفِي ظَهْرِهِ وَرَغَّبَ بِالِاحْتِجَامِ وَذَكَرَ أَنَّ فِيهَا شِفَاءً، الْحِجَامَةُ فِيهَا شِفَاءٌ عَظِيمٌ].

 فَائِدَةٌ الْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ يَمْنَعُ حُصُولَ الْخَلْوَةِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْعِدَدِ.  قَوْلُهُ «وَيُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ نَظَرِ الرَّجُلِ إِلَى الْمَرْأَةِ أَنْ لا يَكُونَ هُنَاكَ امْرَأَةٌ تُعَالِجُ \ وَفِي جَوَازِ نَظَرِ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ أَنْ لا يَكُونَ هُنَاكَ رَجُلٌ يُعَالِجُهُ \ قَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ وَالرُّوْيَّانِيُّ، وَعَنِ ابْنِ الْقَاصِّ خِلافُهُ زَادَ الأَوَّلُ أَصَحُّ» اهـ. يَعْنِي الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ النَّوَوِيَّ زَادَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَرْجِيحَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ وَالرُّوْيَانِيُّ. ثُمَّ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَا نَصُّهُ: فَائِدَةٌ اللَّائِقُ بِالتَّرْتِيبِ أَنْ يُقَالَ: إِنْ كَانَتِ الْعِلَّةُ فِي الْوَجْهِ سُومِحَ بِذَلِكَ كَمَا سَبَقَ فِي الْمُعَامَلَةِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً فَيُعْتَبَرُ وُجُودُ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ فَإِنْ تَعَذَّرَتْ فَصَبِيٌّ مُسْلِمٌ غَيْرُ مُرَاهِقٍ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَصَبِيٌّ غَيْرُ مُرَاهِقٍ كَافِرٌ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَامْرَأَةٌ كَافِرَةٌ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَأَجْنَبِيٌّ مُسْلِمٌ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَأَجْنَبِيٌّ كَافِرٌ» انْتَهَى كَلامُ الْبُلْقِينِيِّ. فَيُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ أَنْ تَذْهَبَ إِلَى طَبِيبٍ مَعَ وُجُودِ طَبِيبَةٍ مُسْلِمَةٍ إِنْ كَانَ فِي ذَهَابِهَا إِلَيْهِ كَشْفُ عَوْرَةٍ إِلَّا إِذَا كَانَ هَذَا الطَّبِيبُ أَمْهَرَ مِنَ الطَّبِيبَةِ أَوْ أُجْرَتُهُ أَرْخَصَ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ.

. وَيَحِلُّ النَّظَرُ لِمَا سِوَى ذَلِكَ مَعَ الصِّغَرِ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا لَكِنَّ الصِّغَرَ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الَّذِي لا يُشْتَهَى مَعَهُ الْمَنْظُورُ إِلَيْهِ عِنْدَ ذَوِي الطِّبَاعِ السَّلِيمَةِ إِذَا لَمْ تَكُنْ شَهْوَةٌ، وَيَحِلُّ النَّظَرُ إِلَى الصَّبِيِّ أَوِ الصَّبِيَّةِ اللَّذَيْنِ دُونَ سِنِّ التَّمْيِيزِ إِلَى مَا عَدَا فَرْجِ الأُنْثَى، فَقَدْ حَرَّمَ بَعْضُهُمُ النَّظَرَ إِلَى فَرْجِ الأُنْثَى الصَّغِيرَةِ الَّتِي لا تُشْتَهَى أَيْضًا لِغَيْرِ الأُمِّ وَنَحْوِهَا كَالأَبِ وَأَجَازَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ أَيْضًا لِغَيْرِ الأُمِّ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَالْفَرْقُ عِنْدَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ نَحْوِ الأُمِّ وَغَيْرِهَا فِي النَّظَرِ إِلَى فَرْجِ الأُنْثَى أَنَّ فَرْجَ الأُنْثَى أَفْحَشُ نَظَرًا مِنْ فَرْجِ الذَّكَرِ. وَيَجُوزُ لِلأَبَوَيْنِ كَشْفُ عَوْرَتِهِمَا أَمَامَ طِفْلِهِمَا غَيْرِ الْمُمَيِّزِ، أَمَّا بَعْدَ التَّمْيِيزِ فَلا يَجُوزُ، وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَى فَخِذِ الْبِنْتِ إِلَى التَّاسِعَةِ وَبَعْضُهُمْ قَالَ إِلَى السَّابِعَةِ أَيْ بِلا شَهْوَةٍ أَمَّا إِلَى الْفَرْجِ فَلا يَجُوزُ بَعْدَ التَّمْيِيزِ.

 تَنْبِيهٌ تَعْبِيرُ بَعْضِهِمْ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ بِمَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ ضَعِيفٌ وَالصَّوَابُ مَا عُبِّرَ بِهِ هُنَا.

 فَائِدَةٌ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِلطِّفْلِ الْمُمَيِّزِ الَّذِي يَكْشِفُ سَوْأَتَيْهِ عَيْبٌ غَطِّ سَوْأَتَكَ، وَمَعْنَاهُ هَذَا جِنْسُهُ عَيْبٌ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ عَيْبٌ عَلَيْكَ، كَمَا يُقَالُ لِلطِّفْلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ خِنْزِيرٍ حَرَامٌ، لَيْسَ مَعْنَاهُ حَرَامٌ عَلَيْكَ إِنَّمَا مَعْنَاهُ هَذَا جِنْسُهُ حَرَامٌ.

فَائِدَةٌ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ رَأَى ذَاتَ يَوْمٍ امْرَأَةً أَعْجَبَتْهُ فَصَارَ يُتْبِعُهَا نَظَرَهُ فَبَيْنَا هُوَ يُتْبِعُهَا نَظَرَهُ اصْطَدَمَ وَجْهُهُ بِجِدَارٍ فَطَلَعَ مِنْهُ الدَّمُ ثُمَّ أَخْبَرَ الرَّسُولَ عَمَّا حَصَلَ لَهُ فَقَالَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلامُ: «أَنْتَ عَبْدٌ أَرَادَ اللَّهُ بِكَ خَيْرًا» رَوَاهُ الْحَاكِمُ [فِي الْمُسْتَدْرَكِ] مَعْنَاهُ هَذِهِ الصَّدْمَةُ الَّتِي سَبَّبَتْ لَكَ خُرُوجَ الدَّمِ مِنْ وَجْهِكَ أَذْهَبَ اللَّهُ بِهَا عَنْكَ تِلْكَ الْمَعْصِيَةَ، لِأَنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْرًا كَفَّرَ عَنْهُ ذُنُوبَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِذَا أَرَادَ بِهِ شَرًّا أَمْسَكَ عَنْهُ حَتَّى يُوَافِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِذُنُوبِهِ. ومن معاصي العين ايضا انه يَحْرُمُ النَّظَرُ فِي بَيْتِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ أَيْ مِمَّا يَكْرَهُ عَادَةوَيَتَأَذَّى بِهِ مَنْ فِي الْبَيْتِ، وَكذَلِكَ النَّظَرُ إِلَى شَىْءٍ أَخْفَاهُ الْغَيْرُ مِمَّا يَتَأَذَّى بِهِ، وَذَلِكَ كالنَّظَرِ فِي نَحْوِ شَقِّ الْبَابِ أَوْ ثُقْبٍ فِيهِ إِلَى مَنْ فِي الْبَيْتِ أَوْ مَا يَحْتَوِي عَلَيْهِ الْبَيْتُ مِمَّا يَتَأَذَّى صَاحِبُ الْبَيْتِ بِذَلِكَ النَّظَرِ، وَذَلِكَ كَأَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الدَّارِ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ أَوْ بِهَا مَحْرَمُهُ كَبِنْتِهِ وَكَذَلِكَ زَوْجَتُهُ. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ) أي أمرنا بالاستئذان حتى لا يقع البصر على شيء لا ينبغي رؤيته. رواه البخاري . وَكَذَلِكَ يَحرُمُ النَّظَرُ إِلَى مَا يَحتَوِي عَلَيهِ البَيتُ مِن أَثَاثٍ وَنَحوِهِ إِذَا كَانَ يَكرَهُ أَو يَتَأَذَّى صَاحِبُ البَيتِ بِالنَّظَرِ إِلَيهِ. وَكَذَلِكَ يَحرُمُ النَّظَرُ إِلَى شَيءٍ أَخفَاهُ صَاحِبُهُ مِمَّا يَتَأَذَّى بِالنَّظَرِ إِلَيهِ وَلَو كَانَ أَخفَاهُ فِي غَيرِ بَيتِهِ. ومِن معاصي العَينِ أَن يَنظُرَ الشَّخصُ إِلَى المُسلِمِ نَظَرَ استِحقَارٍ وَازدِرَاءٍ( استصغار) وَتَكَبُّرٍ(ترفع على أخيه)، أَي أَن يَنظُرَ إِلَيهِ بِطَرِيقَةٍ تُشعِرُ أَنَّهُ أَقَلُّ مِنهُ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ أَو ضَعِيفٌ أَو نَحوَ ذَلِكَ، الاحتقار بمعنى: الاستصغار والنظر إلى هؤلاء بشيء من الانتقاص، ويحتقرهم، وإنما يكون ممن تعاظمت نفسه، وتكبر، فيرى الناس من حوله صغارًا. وَعَادَةً مَا يَكُونُ سَبَبُ هَذَا هُوَ التَّكَبُّرُ مِنَ النَّاظِرِ الَّذِي هُوَ مِن أَمرَاضِ وَمَعَاصِي القُلُوبِ نَسأَلُ اللهَ السَّلَامَةَ. وينبغى على مَن عَرَفَ أَنَّ اللهَ مُطَّلِعٌ عَلِيهِ  أَن يَغُضَّ بَصَرَهُ إِلَّا عَمَّا أَحَلَّ لَهُ اللهُ النَّظَرَ إِلَيهِ، فَلَا يَعصِي رَبَّهُ بِنَظَرِهِ لِلمُحَرَّمَاتِ، وَلَا سِيَّمَا وَأَنَّ النَّظَرَ نِعمَةٌ مِن نِعَمِ اللهِ عَلَى العَبدِ فَلَا يَستَخدِمَنَّ الشَّخصُ نِعمَةَ اللهِ فِي مَعصِيَتِهِ، وَليَتَذّكَّر قَولَهُ تَعَالَى: ﴿يَعلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾.[سورة غافر: 19]. هو الرجل ينظر إلى المرأة فإذا نظر إليه أصحابه غض بصره ، فإذا رأى منهم غفلة تدسس بالنظر ، فإذا نظر إليه أصحابه غض بصره ، وقد علم الله - عز وجل - منه أنه يود لو نظر إلى عورتها . فالله تعالى خالق الإنسان وعينيه، بهذا الشكل الجميل المبهر الدقيق، من جمال مشابهة للاخرى ونور فيها ورطوبة وشدة رؤية للبعيد والقريب فسبحان الله الخالق العظيم . ومن الخير إستعمال جارحة العين في النظر في ملكوت السموات والأرض: وهذه عبادة عظيمة قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 190، 191]، وقال عزَّ وجلَّ: ﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾ [الغاشية: 17 - 20]. وكذلك النَّظر في المصحفِ الذي يحوي كلام الله تعالى عبادةٌ فيها الاجر قال عبد الله بن مسعود:( أديموا النظر في المصحف) معناها أكثروا من النظر في كتاب الله ولو بالعيون فقط، النظر في المصحف إنما يكون عبادة إذا كان مقصوداً وصاحبه نوى التعظيم ونوع التدبر. والنظر في كتب العلم. ومن أعمال العين الحسنة البكاء من خشية الله إراقة الدمع تعظيماً وحباً لله وخوف إجلال وتعظيم، وكذلك الحراسة في سبيل الله مما يوفق إليه أصحاب العيون المباركة، قال صلى الله عليه وسلم:«عينان لا تمسهما النار: عينٌ بكتْ من خشيةِ اللهِ، وعينٌ باتتْ تَحرُسُ في سبيل الله»؛ رواه الترمذي وحسنه. فإذا تعبَّد المؤمن بعينه بمثل هذه الاعمال وغيرها فإن الله تعالى يأجره على ذلك يوم القيامة بالنظر إلى نعيم الجنة، والله أعلم.