قدوة الصابرين نبيُّ اللهِ أيوب عليه السلام

قدوة الصابرين نبيُّ اللهِ أيوب عليه السلام

 إنَّ نبيَ الله أيوب عليه الصلاة والسلام هو النبيُّ الكريم الصابرُ الذي يُضربُ المثلُ بصبرهِ على ما ابتلاهُ الله منَ البلاءِ العظيم الذي كانَّ عاقبتَهُ إلى خيرٍ عظيم، وهو صلوات الله وسلامه عليه مثلٌ وأسوةٌ للصابرين وأهل البلاء من المؤمنين، ففي سورة الأنبياء الإشارةُ إلى شىءٍ من سيرته صلوات الله وسلامه عليه، قال الله تعالى وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ.

لقد كانَ سيدنا أيوب عليه السلام قبلَ أن ينزلَ عليه البلاءُ من الأنبياء الأغنياء يَسكنُ في قرية له من قرىَ "حوران" في أرض الشام بين مدينة "دمشق" و"أذْرِعاتٍ" في الأردن، وقد ءاتاه الله تعالى الأملاك الواسعة والأراضي الخصبةَ والصحة والمال وكثرة الأولاد، وكان عليه السلام شاكراً لأنعم الله مواسياً لعباد الله بَرًّا رحيماً بالمساكين يَكفُلُ الأيتام والأرامل ويكرمُ الضيف ويصلُ المنقطع.

ثم إنه أصابه بلاءٌ شديد وعناءٌ عظيم وليس ذلك لأنه هينٌ على الله إنما إبتلاءٌ من ربه له ليعظم ثوابه وأجره فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أشدُ الناسِ بلاءٍ الأنبياءُ ثمَّ الأمثلُ فالأمثل وهكذا صارَ النّاس إذا ذكروا بلاءَ سيدنا أيوب وصبرهُ على مَرِّ السنين مع كونه أفضلَ أهل زمانه عودوا أنفسهم على الصبر على الشدائد كما فعل سيدنا أيوب عليه السلام ،فكان قدوة وأسوة للمبتلين الصابرين، إذ إنهُ إبتليَ كما قيل بتَلفِ وخرابِ أراضيه فلما رأىَ سيدنا أيوب ما حلَّ به لم يعترض على الله تعالى بل قال لله ما أعطىَ وللهِ ما أخذ فهو مالكُ الملك ولهُ الحمدُ على كُلِ حال.

 ثم سُلط البلاءُ على أولاد سيدنا أيوب الذين كانوا في قصرِ أبيهم ينعمونَ برزقِ الله تعالى فتزلزلَ القصرُ بهم حتى تصدعت جُدرانه ووقعت حيطانهُ وقتلوا جميعاً ولم يبقَ منهم أحد. وأصيبَ سيدنا أيوب عليه الصلاو والسلام بأمراض شديدةٍ عديدة لكنه لم يخرج منه الدودُ كما يَذكر بعضُ الناس، لأنَّ الأنبياء لايمرضون مرضاً يُنفرُ الناس من حولهم بل تصيبهم الأمراض التى لا تنفر الناس من حولهم، وإنمّا أشتدّ عليه المرض والبلاء حتى جَفاهُ القريب والبعيد ولم يبقَ معه إلا القِلة القليلة لكن زوجته بقيت تخدُمهُ وتحسنُ إليه ذاكرةً فضله وإحسانه لها أيام الرخاء.

وطالت مدة هذه العلة ولم يبقَ له شىء من الأموال بالمرة. وكانَّ يزورهُ إثنان من المؤمنين فارتدّ أحدهما وكفرَ، فسأل سيدنا أيوب عنه فقيل له وسوسَ إليه الشيطان أنّ الله لا يَبتلي الأنبياء والصالحين وأنك لست نبياً فاعتقد ذلك وكفر هذا الرجل بنبي الله أيوب. فحزنَ سيدنا أيوب لهذا الأمر وتألمَ لارتداد صاحبه عن الإسلام فدعا الله أن يُعافيه ويذهبَ عنه البلاء كي لا يرتدّ أحد من المؤمنين بسبب طول بلائِه.

فرفعَ الله تعالى عن نبيه أيوب عليه السلام البلاء بعد مرور ثمانية عشر عاماً كان فيها سيدنا أيوب صابرًا شاكرًا ذاكرًا مع شدة بلائه وأوحى إليه أن يضرب الأرض برجله فضربها فنبعت عينانِ شَربَ منها ، وأبدلهُ اللهُ بعد ذلك صحة ظاهرة وباطنة وجمالاً تامّا ولما اغتسل من هذا الماء المبارك أعادَ الله لحمَ أيوبَ وشعره وبشره فتعافى باطنه واغتسلَ بالأخرى فتعافى ظاهره وأذهبَ اللهُ عنه ما كان يجدهُ من الألم والأذى والسقم والمرض على أحسنِ ما كانَ وأنزلَ الله له ثوبين من السماءِ أبيضين التحف بأحدِهما من وسطه ووضع الآخرَ على كتفيه ثم أقبلَ يمشي إلى منزله وأبطأ على زوجته حتى لقيتهُ من دون أن تعرفهُ فسلّمت عليه وقالت: يَرحمَكَ اللهُ هل رأيتَ ذاكَ الرجل المُبتلى؟. قال: من هوَ؟ قالت: نبيَ الله أيوب أما واللهِ ما رأيتُ أحدًا قط أشبه بهِ منكَ عندما كانَ صحيحًا قال: أنا هو.

ورَدّ الله إلى زوجة سيدنا أيوب شبابها ونضارتها فولدت له سبعة وعشرين ذكرًا عِوضًا عن الذين ماتوا سابقاً، وأقبلت سحابة إلى بيدر شعيره وحبوبه فسكبت عليه فضة حتى امتلأ، ثم حدثت له معجزة أخرى إذ أرسل الله تعالى سحابة على قدر قواعد داره فأمطرت ثلاثة أيام بلياليها جَرادًا من ذهب، قال الله تعالى وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنّى مَسَّنِىَ ٱلشَّيْطَـٰنُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مّنَّا وَذِكْرَىٰ لاِوْلِى ٱلاْلْبَـٰبِ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَٱضْرِب بّهِ وَلاَ تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَـٰهُ صَابِراً نّعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّاب  وقد رفعَ الله عن سيدنا أيوبَ الشدةَ وكشف ما به من ضُرٍ رحمة منه ورأفة وإحساناً وجعل قصتهُ ذكرى للعابدين تُصَبِّر من ابتليَ بما هو أعظم من ذلك، فصبر واحتسب حتى فرجَ الله عنه.

وعاشَ سيدنا أيوب عليه السلام بعد ذلك سبعين عاماً يدعو إلى دين الإسلام ولما ماتَ فسد الناس وعبدوا الأصنام والعياذ بالله تعالى، إنّ في قصة أيوب عليه السلام وصبره على البلاء من العِبَر ما يَحمِلنا أن نعلم قدرَ الصبر وعِظَم أجره وثواب المتَّصف به، والصبر من أفضل الصفات وأجلِ الأخلاق والقربات؛ ولذلكَ كان ثوابه جزيلاً وأجره عظيمًا حتى إنّ الصبر على ما لا يُعجب الإنسان وإن كان سهلاً يورث رضى الله ومغفرة الذنوب وعلو الدرجات في الآخرة، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال ما يُصيِبُ المُسِلمَ من نَصَبٍ ولا وَصَبٍ ولا هَمٍ ولا حَزْنٍ ولا أَذىَ ولا غَمٍّ حتىَ الشَوكةَ يُشاكُهَا إلا كَفَّرَ الله بها من خَطايَاهُ وقد ذكرَ اللهُ الصابرين في القرءان الكريم فقال إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ .

أيّها المسلمون، هذه دعوةٌ لنا جميعًا أن نستحضرَ الإحتسابَ في كُل مصائبنا وأمراضنا مما قلَ منه أوكثُر لِئَلا نُحرَم الأجر والثواب، والإحتسابُ هو أن تعلمَ أن ما أصابكَ فهو بقضاءِ الله وخلقه ومشيئته وتقديره، فَتُسلِّم إليه وترضى بقضائه وتحمده عليه، وتعلم أنكَ في حالك هذه مأجورٌ على صبركَ على ذلك المرض، هذا هو الإحتسابُ، ومن استحضره عند المصائب حازَ على فضل الله والثواب، قال الله عز وجل مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وكثير من الأحيان يُصاب الإنسان بما لا يعجبهُ من الأمور، فقد يصاب بمرض أو همّ أو موت قريب، وقد يغلبه الدّين أو تُصدمُ سيارتُه أو يؤخذ ماله أو تُغضبه زوجته أو يُعِقّهُ أبناؤه، أو يُصاب بما لا يحب في سائر أموره، وعند ذلك فإن أحتسبَ الأجر عند الله وحبس لسانه عن ما يُسخط الله فهو رابح مأجور، وإن غفل عن ذلك واعترض وتسخط فهو خاسر مخذول، وأشد ما في الأمر وقوع البعض عند المصائب بما يغضبُ الله تعالى كالتَسخط والإعتراض على حكم الله وهو من الكفرِ المُخرِج من المِلةِ والعياذُ بالله تعالى، وكذا النطقُ عند المصائب بكلماتِ الكفر كسبِ الله تعالى أو شتم الدين وما أبشعها من كلمات مُوقِعَةٍ بالكفر والردة، والخلاصُ والتوبةُ منها بالنُطق بالشهادتين.. أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله.

فمن أصابه شىءٌ مما سَبق من البلاء أو مما لا يحبهُ فليقل ما كانَ يقوله سيدُ الخلق عليه الصلاة والسلام فقد كانَ يقول الحمدُ للهِ على كلِ حَال ثمَّ ليُعلم أنَّ ما أصابك وإنَّ كانَ صغيرًا أو كبيراً إنمّا هو بقضاءِ وقدر من الله تعالى الحكيم العليم، فليصبر وليحتَسِبْ وليَعلم أنهُ مأجور، وأنه لن يُعدمَ خيرًا حتى في مصائبه إذ أنَّ في المصائب من المنح والأجر ما الله به عليم للصابرين وذلك فضلاً من الله وإحساناً، والمحروم من حُرمَ ثوابَ المصيبة وأجرها الجزيل في الآخرة.

اللهمَّ وفقنا لمّا يُرضيكَ، ووفقنا لإحتساب أجرِكَ وثوابِك عند نزول البلاء، واجعلنّا اللهمَّ منَ الصابرين الشاكرين يا أرحمَ الراحمين.