طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم

طعام رسول الله  صلى الله عليه وسلم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

لم يكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مولعاً بالطعام والشراب ولم يكن يُكثر الأصناف في مأكله ومشربه، بل كان طعامه متواضعاً يأخذ منه ما هو ضروري وما يحتاجُ إليه. وقد حث النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم على التقليل من الطعام والشراب ما لم يكن لحاجة، وبيّن أن كثرة الطعام لغير حاجةٍ سببٌ لفسادِ البدن وحصول العلل الناتجة عن التخمة الحاصلة من كثرة الطعام. وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: ما ملأ ابنُ ءادمَ وعاء شراً من بطنه, بحسب ابن ءادمَ لقيماتٍ يُقمنَ صلبه فإن كانَ لا بد فاعلاً فثُلُثٌ لطعامه وثُلُثٌ لشرابه وثُلُثٌ لنفسه.

وسيرة نبينا عليه الصلاة والسلام تدلُ على زهده وعدم اهتمامه بكثرة الأكل فلم يكن يُدخل عليه بالأوعية الكبيرة عند الأكل, ولم تكن أيامه عامرة بالموائد المتنوعة بل كان يكثر الصوم ويفطر على طعام متواضع ليس فيه تكلف ولا ترف, ولا يأخذ منه إلا ما هو ضروري؛ قالت السيدة عائشة رضي الله عنها ما شبع ءالُ مُحمدٍ صلّى الله عليه وسلّم مُنذُ قَدِمَ المدينة من طعام البُر (القمح) ثلاث ليالٍ تباعاً حتى قُبض رواه البخاري.

وبلغ الزهدُ والتقليلُ من متاع الدنيا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم مبلغا عظيماً حتى فارق الدنيا على هذه الحال. وتروي السيدة عائشة رضي الله عنها ذلك فتقول: توفي النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم حين شبعنا من الأسودين التمر والماء رواه البخاري.

وهذا الزهد كله شرطه أن لا يصل بالمرء إلى حد إتلاف النفس أو الهلاك؛ ولذلك جاءت الأحاديث والروايات عن كثير من الصحابة بذكر الأنواع التي أكل منها النبيُّ عليه الصلاة والسلام وكان السلف الصالح يأكلون ما أكله رسول الله تحبباً بسيرته.

الـتـمــــــــر 

التمر مذكور في القرءان الكريم وجاءت الأحاديث الدالة على فضله ومنها قوله صلّى الله عليه وسلّم: لا يجوع أهل بيت عندهم تمر رواه مسلم. والتمر كأنه كان الطعام المعتمد في بيت رسول الله ويوضح ذلك قول عائشة رضي الله عنها: إنا كنا ءال محمد صلّى الله عليه وسلّم نمكث شهراً ما نستوقد بنار إن هو إلا التمر والماء رواه الترمذي.

وقد أشار عليه الصلاة والسلام إلى التداوي بأنواع من التمر لبعض العوارض كقوله صلّى الله عليه وسلّم: من تصبّح بسبع تمرات من عجوة المدينة مما بين لابَتَيْها لم يضره في ذلك اليوم سُمٌّ ولا سحر رواه مسلم. والعجوة نوع من التمر. ومعنى لابتيها موضع في المدينة ينبت فيه هذا النوع من التمر. ويظهر ذلك أيضاً حيث أشار النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم بإعطاء المرأة النفساء شيئاً من التمر؛ فقد جاء أنه لما كان النبيُّ في الطريق إلى خيبر نفست إحدى النساء فأشار على زوجها قائلاً: "انقع لها تمراً فإذا أنعم بُله فامرته ثم تشربه" ففعلت فما رأت شيئاً تكرهه.

ولأهمية التمر كان ضمن ما يقدم في وليمة الزواج؛ إذ روى مسلم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أولم في زواجه من صفية بنت حيي رضي الله عنها بالتمر والسمن, وقد كان الصحابة يهدون ويقدمون التمر لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ففي حديث ابن بسر قال: دخل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقدمنا له زبداً وتمراً وكان يحب الزبد والتمر.

وكذلك روى الأمام احمد أن أم سليم والدة أنس بن مالك رضي الله عنهما أهدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تمراً وسمناً. ومن أهم ما يذكر في التمر أنه كان أول طعام يفطر عليه النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم وحث على الأفطار عليه فقال: "إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور" وكذلك كان التمر أول ما يضعه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في فم الوليد عند التحنيك.

الـثـريـــد

أصلُ الثريد خبز يُبلُّ بمرق وغالباً ما يكون بمرق اللحم. وقد ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الثريد في حديثه عن فضل السيدة عائشة رضي الله عنها بقوله صلّى الله عليه وسلّم: فضلُ عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام رواه البخاري.

وهذا الحديث يدل على فضل الثريد على باقي الأطعمة وهو كان من الطعام المحبب لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعن أنس رضي الله عنه قال: دخلت مع النبي صلّى الله عليه وسلّم على غلام له خياط فقدم قصعة فيها ثريد رواه البخاري. ومما يبين أهمية الثريد وفضله على بقية الأطعمة أن أول هدية أهديت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين مقدمه من مكة مهاجراً وحين نزوله دار أبي أيوب في المدينة كانت قصعة فيها خبز مثرود بلبن وسمن, ثم تبعتها قصعة سعد بن عبادة وهي"ثريد ولحم" وقد أوصى النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم بهذا الطعام المغذي القليل الكلفة والسريع التحضير إذ هو كسر الخبز وصب المرق فقال صلّى الله عليه وسلّم: أثردوا ولو بالماء.

الخبز

الخبز المعروف في زمن النبيّ كان من القمح أو الشعير أو الذرة. والذي يظهر أن خبز القمح ما كان كثيراً على مائدة رسول الله لقول عائشة رضي الله عنها: ما شبع ءال محمد من خبز البُر ثلاث ليالٍ تباعاً حتى قُبض وكذلك في قول أبي هريرة رضي الله عنه والذي نفسي بيده ما أشبع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أهله ثلاث أيام تباعاً خبز حنطة حتى فارق الدنيا رواه مسلم.

وقد أكل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الخبز بالسمن كما روى مالك في الموطأ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: هلمي أم سليم ما عندك فأتت بالخبز فأمر رسول الله فَفُتَّ وعصرت عليه أم سليم عكة لها فآدمته أي جعلت الخبز منخلطاً بالسمن.  وأكل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الخبز بالزيت لما ذهب لزيارة الصحابي الجليل سعد بن عبادة رضي الله عنه فجاء بخبز وزيت فأكل رسول الله ودعا لسعد.  وأكل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الخبز مع التمر لحديث صهيب رضي الله عنه قال: قدمت على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وبين يديه خبز وتمر فقال:"أدنُ فكل" فأخذت ءاكل.

والظاهر أن أغلب الخبز في بيت النبيّ كان خبز الشعير كما جاء في قول أنس رضي الله عنه: ذهبت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بخبز شعير، ومن ذلك أنه أولم النبيّ على بعض نسائه بمدين من الشعير. رواه البخاري.

اللحم 

أكل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اللحم في أكثر من موضع ومن عدة أنواع، وجاء عنه أنه كان يُهدى إليه اللحم فيأكل منه ويُدعى إليه فيأكل منه، وكان صلّى الله عليه وسلّم يفضل أجزاء من اللحم على سواها كلحم الظهر فقد قال فيه: أطيب اللحم لحم الظهر رواه ابن ماجه، وقال أبو هريرة رضي الله عنه: أُتي للنبيّ بلحم فَرُفعَ إليه الذراع وكانت تعجبه فَنهَسَ منها أي أخذ منها بفمه.

وأكل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم اللحم مشوياً، ففي حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: ضفتُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة فأمر بجنب فشوي وأخذ الشفرة فجعل يحز لي بها منه رواه أبو داود.

وعن أم سلمة رضي الله عنها أنها قربت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جنباً مشوياً فأكل منه. رواه مسلم.

وروى مسلم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم زواجه من زينب رضي الله عنها صنع للناس وليمة من اللحم والخبز, وذكر في البخاري؛ فقد قال بعض الصحابة؛ كنا عند أبي موسى الأشعري فأتى بطعام فيه لحم دجاج وفي القوم رجل جالس فلم يدن من طعامه فقال: أدنُ فقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأكل منه. وكان من طعام النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أيضاً الإدام وهو ما يؤكل مع الخبز من خل أو زيت أو غيره.

الخل

الخل هو ما حمض من عصير العنب أو غيره, وجاء في الحديث أن النبيّ صلى الله عليه وسلّم سأل أهل بيته ذات مرة الإدام فقالوا: ما عندنا الا الخل، فدعا به وجعل يأكل ويقول نعم الإدام الخل رواه مسلم. ودخل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم على ابنة عمه أم هانئ بنت أبي طالب فسألها الطعام فأجابته أن ليس لديها سوى كسرة يابسة وخل فقال: "قَرّبيه".

الزيت

هو عصارة الزيتون وجاء في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة وزار النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أحد أصحابه فقدم له زيتاً وخبزاً فأكل النبيّ وسُرَّ ودعا لصاحب البيت بالخير.

المرق

المرق مما يؤتدم به وهو اللحم يطبخ بالماء وقد جاء في الحديث أنه صلّى الله عليه وسلّم قال: إذا اشترى أحدكم لحماً فليكثر مرقته فإن لم يجد لحماً أصاب مرقه وهو أحد اللحمين رواه الترمذي، وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله قال له لايحقرن أحدكم شيئاً من المعروف وإن لم يجد فليلق أخاه بوجه طلق وإن اشتريت لحماً أو طبخت قدراً فأكثر مرقته واغرف لجارك منه.  وفي البخاري أنه أتى للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم بمرقة فيها دباء وقديد فجعل يتتبع الدباء يأكلها (الدباء المعروف في بلاد الشام بالقرع) والقديد لحم مجفف.

أطعمة أخرى

والذي يظهر في كثير من الأحاديث أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أكل أنواع الخضار والفواكه التي كانت في بلاده ومنها الدباء والقثاء, كما جاء في حديث البخاري ومسلم أن النبي أكل القثاء مع الرطب وكذلك الكمأة وهي نبات ينقض الأرض فيخرج كما يخرج الفطر كما جاء في الحديث: الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين رواه مسلم.

كما أكل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الزّبيب والعنب والبطّيخ وكان صلّى الله عليه وسلّم يحب الحلو البارد، كما أكل عليه السّلام العسل وحثّ على التّداوي به فقال: عليكم بالشفاءين العسل والقرءان وفي رواية السيدة عائشة رضي الله عنها أنّ الرسول عليه السّلام كان يحب الحلواء مع العسل. وجاء في الحديث ايضاً قوله: فإن يكن شفاء أحدكم ففي شربة عسل وشرب عليه الصّلاة والسّلام اللّبن فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتى ليلة أسري به بقدح لبن وخمر (ليس كخمر الدنيا) فأخذ اللّبن فقال له جبريل عليه السّلام: الحمد لله الذي هداك للفطرة. رواه البخاري والمقصود بالخمر خمر الجنّة التي قال الله في وصفها: وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذّة للشاربين [محمد ١٥]. وورد أيضاً أنّه لما كان النبيّ وأبو بكر في طريق الهجرة من مكّة إلى المدينة أدركه العطش قال أبو بكر رضي الله عنه: فمررنا براع فحلبت كثبة من لبن في قدح فشرب" رواه مسلم. وكان النّبي صلّى الله عليه وسلّم إذا أتى بلبن قال بركة أو بركتان رواه البخاريوالله سبحانه وتعالى اعلم واحكم