الوجه والصورة في لغة العرب

الوجه والصورة  في لغة العرب

كلمة الوجه والصورة تأتي بعدة معاني في لغة العرب وتطلق على مفردات منها وجه كل شيء أي مستقبله وما يقابله كما في القرآن الكريم وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ، ومعناها أينما تكونوا للصلاة النافلة وليس للفرض على الدابة فلكم التنفل إلى أي جهةٍ تستقبلونها في مسيركم وذلكَ بعد التوجه إلى القبلة بالإحرام فقط، فهنا كلمة الوجه على معنى الجهة والإتجاه والمقابلة في الجهة، وتأتي على معنى الإتباع في التعبد كقوله تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ، أي إتبع الدين القيّم الإسلام، ومثله قولنا في دعاء الإستفتاح في الصلاة وجهتُ وجهي للذي فطرَ السموات والأرض..." وجهت وجهي أي قصدت بذاتي طاعة الله، ولأنَّ الوجه أيضاً يأتي بمعنى طلب الرضا من الله تعالى كما في قوله تعالى إلا إبتغاءَ وجهِ ربهِ الأعلى، أي ما أرادَ إلآ طلبَ الأجر والثواب من الله تعالى، ومنه قولُ النّاس أيضاً عمِلتُ عملاً لوجه الله أو سامحته لوجه الله، أي أردتُ ونويتُ بهذا الفعل الثواب من الله تعالى.

ويأتي لفظ الوجه أيضاً على معنى ذات الله أي حقيقة الله تعالى الذي ليس كمثله شىء، كقوله تعالى إخباراً عن يوم القيامة: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَام ، أي يَبقى ذاتُ الله الذي لايَفني ولايَبيد ولا يجوز نسبة الوجه بمعنى الحجم والشكل والصورة والهيئة  تعالى  الله عن ذلك علواً كبيرا كما ثبتَ ذلك عنّد أهل التفسير واللغة والشرع وقد نقلَ البيهقي عن شيخه أبي سليمان الخطابي أنه قال: إنّ الذي علينا وعلى كل مسلم أن يَعلمُهُ أنّ ربنا ليس بذي صورة ولا هيئة لأن الصورة تقتضي الكيفية والكيفية عن الله وعن صفاته منفية.

ولقد تأولَ البخاري رحمه الله تعالى الآية القرانية: وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ قال البخاري إلا وجهَه أيّ إلا مُلكَه وسُلطانه إي كل ملك يفني إلا ملك الله تعالى وسلطانه فيكون هنا معنى الوجه في الآية السابقة الملك والسلطان، والبخاري من أكابر علماء السلف الصالح، وحملَ بعض أهل التفسير الآية فقال كل ما يُفعل ولايرادُ به وجه الله أي رضاه يذهب، ويبقي ما بُتغيَّ به وجهَ الله وحده، فتكون الآية على هذا التفسير كل الأعمال تذهب إلا ما أريدَ به رضى الله فهو باقي لكَ في الأجر والثواب والحسنات عند الله تعالى.

ويأتي لفظ الوجه على معنى القبلة أيضاً في القرءان في مواضع أخر بمعنى القبلة والتقابل والمقابلة والتوجه بالوجه فنحن أمرنا بالصلاة أن يكون إستقبال القبلة في أغلب أبداننا في مواجهة جهة القبلة الشريفة الكعبة حيث ما كنا في الأرض أو في الهواء أو جوف الوديان نكون في الصلاة إلى جهة الكعبة حيث إنَّ الكعبة في وسط الدنيا فمن كان بالغرب إتجه إلى الشرق مع الإنحراف بحسب موقعه من الغرب وهكذا في كل الجهات فأهلُ أمريكا مثلاً في الشمال الغربي فلا بُدَّ من التوجه إلى الجنوب الشرقي من غير خلاف في ذلك بين علماء المسلمين المعتبرين، قال الله تعالى: وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ والشطرُ هو القصد كما في القاموس تقول رميتُ القوس شطره أي باتجاهه مباشر، ولذلك تستعمل العرب الوجه بالمقابلة فيقولون واجهت فلاناً أي جعلتُ وجهي تلقاء وجهه، والوِجهة بالكسر كل موضع إستقبلته قال الله تعالى وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، أي الجهة و القصد وهذا معروف ومستعمل في لغة العرب. 

وأما لفظ الصورة فهو في لغة العرب يطلق على الشكل والهيئة وتصورت الشيء توهمته وتخيلته وتطلق على التماثيل التى تحاكي الصور والشكل، ويقال صُوّرَ لهُ الشيء أي توهمه وكأنهُ ينظرُ إليه، وفي تعريف الأصنام لغةً هي الصور التى تعبد من دون الله، وعلى معنى الصورة والهيئة جاء في القرءان الكريم في قوله تعالى هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ أي تخلقون على صور وهيئات شاءها الله تعالى وبقدرته يخلقها وأنتم في أرحام امهاتكم، وكذا في قول الله تعالى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ، ومثلهُ في قول الله تعالى فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ وفي تعداد أسماء الله الحسنى المصوّر أي خالق الصور والهيئات وليس هو بذي صورة ولا هيئة تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا، وقد أشكل على البعض الجمع بين الحديث الذي فيه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا ضَربَ أحدكم فليجتنبْ الوجه فإنَّ الله خَلقَ آدمَ على صورته، فظنَّ البعض نسبة الصورة لله تعالى والعياذ بالله تعالى، ومعنى الحديث على صورته أي الضمير يعود لآدمَ عليه السلام أي على الصورة التى خلقها الله في آدم وشرفها وأحسن خلقها  فمن إعتقد الصورة لله فقد خالف معتقد أهل السنة وخرجَ عنه ونسَبَ إلى الله تعالى ما لا يليق بالله تعالى، وفي هذا الحديث الحث على إجتناب تقبيح الوجه وإذائه لأنّه تجتمعُ في الوجه محاسنُ الإنسان و به تظهر الشَين والعيب من وَرَم وازرقاقٍ وجروح ونحوها بوضوح في الوجه أكثر من غيره في البدن، ومن وجه المرء يُعرفُ حاله حتى لو كان داخليا، ألا ترىَ أنَّ الشخص يُعرفُ حالهُ من تغير وجهه؟ الفرح والحزن والهمّ والمرض والعافية والجوع والتعب ونحو هذا، ولذا عُبّرَ بالوجه عن سائر الجسد ففي القرءان الكريم أخبَر الله تعالى عن حالِ أهل الجنة أنهم بيضُ الوجوه وعن حالِ أهل النّار أنهم سُودُ الوجوه قال الله تعالى:يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ  وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ

والله تعالى أعلم واحكم.