القمار والمال الحرام

 

وحرمَ الله القِمار وسماهُ ميسراً في قوله تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ. ومن حِكَمِ تحريمه أنه أكل أموال الناس بالباطل المنهي عنه في الآية السابقة، لذلك فالميسرُ أو القمار هو من أكبر الكبائر، حيثُ ذكرَ اللهُ القمار مع بالخمر والأنصَاب والأزلام، والله تعالى يحب من المسلم أن يَكسب معيشته بالطرق المشروعة كالبيع والشراء والفلاحة والصناعة وسائر الحرف والمهن، أما القمار يجعل الإنسان يعتمد على التخمين والصُدفة وما يسمونه الحظ والأماني والأحلام الزائفة ، دونَ ذكر التوكل على الله عز وجل والتوكل عليه في مباشرة الأعمال الدنيوية المشروعة مع الأخذ بالأسباب، كالتجارة يشترى الشخص ومُرادهُ الربح متوكلاً على الله في تيسير الرزق ومثله الفلاحة والصناعة وغيرها.

هذا ومن جهة أخرى فأنه في حكم الشرع الإسلامي لا يجوز أخذ المال بطريقة حرمها الشرع ، فلا يجوز أكله بالباطل، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: كلُ المُسلمِ على المُسلمِ حرامٌ، دَمُهُ ومالهُ وعِرضهُ، فمالُ المسلم لايحلُ لغيره إلا عن طريق معاملة شرعية أو عن طيب نفسٍ منه بهبةٍ أو صدقة، أما أخذهُ منه غصباً عن طريق القمار فهذا هو الحرام وهذا أكل المال بالباطل والعدوان، وحرمَّ الله القمار أيضاً لأنه يورثُ العداوة والبغضاء بين الناس، وإن أظهروا بألسنتهم الرضا فإنهم دائماً بين غالبٍ ومغلوب، والمغلوبُ وإن سَكَتَ فإنه يَسكتُ عن حقدٍ وعداوة شديد، ويحقد ويعادي من فشَلَّ صفقته وقامر معه فأخذ ماله ومال غيره، والخسارة تدفع الخاسر إلى المعاودة لعله يعوضُ في المرة القادمة ما خسرَهُ في المرة السابقة، وكذلك الغالب تدفعه نشوة الربح إلى التكرار، ويدعوه قليله إلى كثيره، و يزين له الشيطان ونفسه الطماعة فلا يتركه فيدخل في الإدمان على هذه الآفة ويستصعب تركها، وصاحب نادي القمار في كل مرة يأكلُ من الفريقين، وفي أكثر الأوقات كل مال المتقامرين يتجمع له ، 

هذا جزء يسيرٌ من ضرر الميسر على الفرد والمجتمع، زِد على ذلكَ أنّ المقامر منشغل بالقمار عن أداء الواجبات الشرعية كالصلاة ونحوها، وعن واجبه نحو ذريته وأولاده فترى المقامر يمنع عياله واهله لينفق على طاولة القمار، ولا شكَ أنّ من دخلت هذه المعاملة المُنكرة والخصلة المحرمة قلبه فأحبها فقد لايتورع من أجلها أن يبيعَ عرضه وكل ما يملك ، فإنَّ علاقته بهذه الكبيرة تغرسُ في قلبه حب المقامرة بكل شيء وحتى بشرفه وقومه ووطنه في سبيل كسب باطل موهومٍ مزيف لايمكث في يديه أياماً قلال ويعود ليضعه على الطاولة لغيره وهكذا، وصدقَ الله العظيم حيثُ الجمع بين الخمر والميسر في الآيات التى فيها النتيجة المترتبة عن الخمر والميسر ويبين أضرارها على الفرد والمجتمع والأسرة بقوله تعالى:إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُون. وفي إحدى الولايات المشتهرة بالقمار باتَ يُعرف عندهم أماكنَ كثيرة مرتفعة يُلقى المقامرون أنفسهم منها لينتحروا بعد الإفلاس من كل ما يملكونه فبعدَ أن يلعب المقامر على كل شيء يملكه بما فيها زوجته وسيارته فإذا خسرَ طاولة اللعب صعدَ إلى هذه الأماكن ، لينتحرَ أي ليقتل نفسه والعياذ بالله!!

المقامر قليل الشَرف والدين والأخلاق لا همَّ  له إلا المال والتسلط  على أموال الناس ، لا يتحرج  أن يبيع كلَ شيء تصل إليه يده ليقامر به حتى فراشه الذي ينام عليه، ولا يتورع عن السرقة والكذب للوصول للمال ليقامر به، وهذه أمور مشاهدة رأي العين في المقامرين تجده يقترض في أول الشهر وقد يقلل من طعام أطفاله وقد يسأل الناس مدعياً الحاجة والفقر كل ذلك من أجل القمار ، ولقد شاهدت من يقف على أبواب المساجد ليشحذَّ بحجة الفقر ويقامر بما يأخذه من الناس بأسم الفقر والمسكنة، لقد أتخذ القمار في أيامنا صفات وألواناً وأسماء متعددة ، ففتحت له النوادي، وبُنيت له المراكز الخاصة بالقمار، وقد أطلقوا على القمار أسماء كثيرة فسموها باللوتو واليانصيب، ونشروها بين أبناء المسلمين ليستغلوا بها العقول ويستولوا بها على الأموال، فدخل القمار البلاد الإسلامية بجميع أنواعه، ولربما هناك بعض أنواع القمار محرمة في بلاد غير المسلمين ، لكن في بلاد المسلمين مباحة وأبوابها مفتوحة بكل حرية ومزدحمة بالطماعين المتكاسلين والعاطلين ، فاشتغل كثيرٌ من الناس بهذه الآفة الخطيرة (القمار) وتعلقت قلوب الرجال والنساء بالمال الحرام الذي ينتظرونه في كل لحظة عن طريق الميسر والقمار، والمنتفع الوحيد من هذا كله هم أعداء المجتمع الذين لاتشفق قلوبهم على تفكيك الأسر وهدم البيوت من وراء القمار. فكم من طلاقٍ وتفريق للأسرة كان ورائه وسببه القمار واضراره؟ وكم من سجين قابع سنين في سجنه بسبب القمار؟ وكم من أولاد في الشوارع من غير تربية ولا تعليم وكان سبب هذا التشريد أبوهم المقامر الغارق بالديون أو المسجون بسببه ، وكم من نساءٍ خرجنَّ للبغاء والفساد بسبب القمار وخسراته، وكم من أرواح أزهقت ونفوس قتلت وخاصة من الشباب بسبب هذا الداء العُضال داءُ القمار والميسر، والجالية التى تغربت عن البلاد ينبغي أن تعي تماماً أن هذا الداءَ يُحمل من هنا وهناك وينشر بين الناس ألا فاحذروا وأقلعوا عن هذه المعاملة المحرمة، فقد غدا السفر الى الولاية المجاورة لنا عادة عند الكثيرين...!!! بل وأخبرت أن الرجل يقامر والمرأة وكذا بعض كبار السن بحجة اللهو وتجريب الحظ ورجاء الربح فلا حول ولا قوة إلا بالله!!

وهذا الفعل الشنيع الذي حرمهُ ربنا في كتابه ورسولنا في سنته وأجمع المسلمون على تحريمه حيث يؤدي العمل به إلى أكل أموال الناس بالباطل والإعتداء على أموال الناس وغصبها، والواجب على كل مسلم أن يكسب المال من الحلال ليكسبه من الطرق المشروعة النظيفة الخالية من الشبهة والريبة، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: إنَّ اللهَ طيبٌ لا يَقبَلُ إلاّ طَيبا، معناه الله يحب من العبد أن يأكل من ما أحلَّ الله ويتصدق من حلال ويجتنب كل ما حرمه الله ومنه القمار المحرم بالنصوص الشرعية ويدخل أيضاً مايسمونه باللتو واليانصيب وغيره وكذا ما يكون عن طريق اللهو والمزح كالذين يقامرون على لعب الورق ولو بالقليل أو الكثير ولو مع رضا الطرف الآخر فليس مجرد رضى الشخص يجعل الحرام حلال بل الحرام ما حرمه الله تعالى والحلال ما أحلهُ الله تعالى .