المكروه في الوضوء والصلاة

 

الكراهة والمكروه مصطلح يستعمل في الفقه الاسلامي على معنى أن الأمر لا حُرمَة فيه ولا أثم على من فعله  لكن تركه أفضل واحسن، فيُعبر بالمكروه، هذا في الغالب في مذهب الإمام الشافعي، وقد يستعمل بعض العلماء والمذاهب المكروه بمعنى الحرام فمثلا عند الحنفية يكره عندهم معناه أمر فيه معصية فعند الحنفية ما كان دليلُ تحريمه قطعيًا يقولون يَحرم، وما كان دليله غير قطعي يقولون يُكره. ولذلك شهر عند الشافعية قولهم كراهة تنزيهية للبيان أنه لا حُرمَةَ ولا معصيةَ في الأمر، والشافعية إذا اطلقوا كلمة مكروه معناه الكراهة التنزيهية أي يستحب تركها، وأما إذا قالوا كراهة تحريمية أي في الأمر معصية، وقولهم خلاف الأولى فهو فيما دون المكروه، قال الشيخ أحمد ابن رسلان  الشافعي في ألفيته الزبد في بيان معنى المكروه: " وفاعلُ المَكروهِ لم يعذبِ * بل إن يكُف لامتثال يُثَبِ معناهُ من يعمل مكروهاً من المكروهات لا يستحق أن يُعذب في الاخرة، وإن ترك فعل المكروه طلباً لرضى الله يكون له الثواب في تركه المكروه، والمكروهات كثيرة سواء في الوضوء أو الصلاة أو غيرهما من العبادات، والمكروه في الوضوء والصلاة إما أن يذهب الأجر كله أو يُنقص شيء من الثواب، ولذا ينبغي تعلم المكروهات لإجتنابها والبعد عنها: 

في الوضوء يكره الإسراف في ماء الوضوء، لأنه خلاف السنة الشريفة، ويكون الإسراف بزيادة الماء عن الاعتدال المعروف والمألوف ولو كان على ماء كثير كالبحر او النهر يكره الإسراف، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ، إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ. و(الْمُدّ): بضم الميم وتشديد الدال وهي ملء كفي الإنسان المعتدل، والصاع اربعة أمداد عند الشافعية،وفي الصحيحين عن أَبِي سَلَمةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ رضي الله عنه لما سئلت عائشة رضي الله عنها عن غسل النبي صلى الله عليه وسلم:(فَدَعَتْ بِإِنَاءٍ قَدْرِ الصَّاعِ، فاغْتَسَلَتْ)، ويكرهُ ايضاً في الوضوء الزيادة في عدد الغسلات عن ثلاث مرات، قال الشيخ زكريا الأنصاري في تُحفَةِ الطُّلابِ ما نَصُّه:( ومَكرُوهَاتُ الوُضُوءِ الإسرافُ في الماءِ والزِّيادةُ على الثّلاثِ والنَّقصُ عَنها لخبر أبي داود وغيرِه وهو صحِيحٌ، أنّه صلى الله عليه وسلم تَوضّأ ثلاثًا ثم قال: "هكذا الوُضوءُ فَمن زادَ على هَذا أو نَقَص فقد أسَاء وظَلَم"، وكَراهتُه مِن حَيثُ الاقتِصَارُ على الغَسْلَةِ الثّانيةِ فلا يُنافي كَونَها سُنّةً في ذاتِها)انتهى، وقال النّوويُّ في كتاب المجموع: ( معنى الحديثِ فَمن زادَ على الثّلاثِ أونَقصَ مِنها فَقدْ أَساءَ وظَلَم في كلٍّ مِنَ الزِّيادَةِ والنَّقصِ، وقيلَ أَساءَ في النّقصِ وظَلَم في الزِّيادَةِ، وقيلَ عَكسُهُ، فإنْ قيلَ كيفَ يكونُ النّقصُ عن الثلاثِ إساءةً وظُلمًا ومَكرُوهًا وقد ثبتَ أنّه صلى الله عليه وسلم فَعلَه فإنّه توضَّأ مَرّةً مَرةً وتوضّأ مَرتَينِ مَرّتَينِ، قلنا ذلكَ كان لبَيانِ الجوازِ وكانَ في ذلكَ الحالِ أفضلَ لأنّ البيانَ واجبٌ ) (اهـ )، قالَ شيخُ الإسلام عبد الله الهَررَي رحمات الله عليه: (هكذَا، فمن لم يغسِلْ ثَلاثًا ثَلاثًا لا ثوابَ لهُ في الوضُوء إن لم يَكن لعُذر. ولو غسَل مَرّتَين مَرّتَين بلا عُذرٍ مَكرُوه (انتهى)، قال ابنُ حَجرٍ في المنهاجِ القَويم في قولِه"أَساءَ وظَلَم" :( معناهُ أَخطَأ طَريقَ السُّنّةِ في الأَمرَين، وقَد يُطلَقُ الظُّلمُ على غَيرِ المحَرَّم إذْ هُوَ وَضْعُ الشّىءِ في غَيرِ محَّلِه) ، وقال شيخُ الإسلام الهَرَري رحمات الله عليه: وعلى قولِ شمسِ الدّين الرملِيّ "يَبقَى لهُ شَىءٌ مِن الثوابِ" وإنْ مَسحَ الرأسَ والأُذُنَين مَرّةً مَرّةً فلا كراهَة أما بقِيّةُ الأعضاءِ فمَكرُوهٌ إنْ تَركَ التّثلِيثَ فيها إلا لِعُذْرٍ كقِلَّةِ الماءِ أو ضِيقِ الوَقتِ. (انتهى)، ويكرهُ في الوضوء ترك التَسمية أي قول "بسمِ الله" في أوله وأقلها " بسم الله"، وأكملها "بسم الله الرحمن الرحيم". فإن تركَ التسمية في أول الوضوء سهواً أو عمداً، أتى بها في أثنائه ، فيقول : بسم الله أولَه وآخرَهُ. أما بعد فراغ الوضوء فلا يأتي بها. وتُكرهُ الصلاة تنـزيهاً في أماكن جاء الخبر في الكراهة في الصلاة فيها ومنها : الحَمام حتى الموضع الذي تُخلع فيه الثياب ويُسمى "المَسلَخ " وفي معاطِنِ الإبل وهو المكان الذي تُنحى إليه الإبل الشاربة ليشرب غيرها كما قاله الشافعي وغيره ، وفي المَقبَرةِ التي لم تُنبَش، وأما المنبوشة فتَحرمُ الصلاة عليها لأنها اختلطت بصديدِ المَوتى (أي بقايا ما تَفتت من أجسامهم) فتنجَست فإن لم يُعلم كونها منبوشة صحت الصلاة فيها مع الكراهة وتحرم إذا علم نبشها إلا بحائل يصلي عليه وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم " لا تصَلوا على القبورِ ولا إليها" رواه أبو داود وغيره ، والنهيُ للتنـزيه إلا أن يقصد بالصلاة إليها تعظيمها بذلك فذلك حرام وعلى ذلك يُحمل حديث البخاري ومسلم " لعنَ اللهُ اليهودَ والنصارى اتخذوا قبورَ أنبيائِهم مساجد" فإنهم كانوا يَـبـنون عليها المَساجد ويصلون إليها تعظيماً لها. وكذلك تُكرَهُ الصلاة في الطريق وذلك لانشغال البال فيها المُذهبُ للخشوع ، وتكرهُ الصلاة أيضاً في المَجزرة أي موضع جَزرِ الحيوان أي ذبحهِ للنهي عن الصلاة في المذكورات، وفي حكم هذه المواضع و ما أشبهها كمواضع الفِسق لأنها مأوىَ للشياطين كالخمرات وأماكن جمع الربا والأماكن التى يُعبد فيها غير الله، والحُشوشُ، والحشُوش جمع حَشّ والحَشُّ هو الخلاء الذي تقضى فيه الحاجة ، بيوت الخلاء التي تقضى فيها الحاجة تسمى الحشوش إن كانت على جوانب البساتين هذه تسمى حشوشاً متى ما اعتيد قضاء الحاجة فيها، والمراد بكراهة الصلاة في هذه الأمكنة  كراهة تنـزيه مع الصحة لخبر الصحيحين " وجُعلت لي الأرضُ مسجدا" ، وتكرهُ الصلاة للحَاقِن أي حال كونه مُدافعاً للبول فإنها مكروهة مع صحتها، لكنه إن غلب على نفسه أنه يَنضَرُ إن صلى وهو يُدافع البولَ حَرمَ، بل عليه أن يقطع الصلاة ويقضي الحاجة، وكذلك الحَازِق وهو المدافع للريح ، وفي معناه الحَاقِبُ وهو المدافع للغائط ، وكراهة الصلاة مع ما ذكر لإذهاب الخشوع في الصلاة في مثل هذه الأحوال، فإن كان الوقت واسعاً نُدبَ لـه أن يُفرِغَ نَفسه من هذه الأشياء ثم يصلي ولو فاتتهُ الجماعة، وكذلك تكرهُ الصلاة بحضرة المأكول أو المشروب أو قرب حضوره مع التوقان إليه أي الاشتياق إليه وذلك لأنه يمنع الخشوع وذلك لخبر مسلم عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " لا صَلاةَ بحضرةِ الطعام ولا هو يُدافعهُ الأخبثان" ولخبر الصحيحين " إذا وضعَ عَشاءُ أحدكم وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعَشاء ولا يَعجَلنَّ حتى يَفرغ منه " ومحل الكراهة عند إتساع الوقت فإن ضاقَ الوقت وجب عليه أن يصلي مدافعاً وجائعاً وعطشاناً لحرمة الوقت من غير كراهة، يعني أنه إن أخر إلى ءاخر الوقت بعذر مثلا كأن استيقظ الصبح وكان الوقت ضيقاً فيصلى لولو مع الكراهة. ويكره تأخير صلاة العصر بلا عذر الى ما قبلَ المغرب بقليل وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: ( تلكَ صلاةُ المنافقين ، تلكَ صلاةُ المنافقين، تلك صلاة المنافقين، يَجلسُ أحدَهم حتى إذا اصفرتِ الشَمسُ فكانت بين قَرني شيطان أو على قرني الشيطان قامَ فنَقرَ أربعاً لا يذكرُ اللهَ فيها إلا قليلا ) ، ويكره في الصلاة  أن يبسط المُصلّي ذراعيه في السّجود، بل ينبغي له أن يرفعهما عن الأرض، وأن يُجافي ويُباعد بينهما، حيث قال صلّى الله عليه وسلّم:( اعتدلوا في السجود، ولا يَبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب). ويُكره التلثّم في الصلاة، قال بعضهم أنّه تغطية الفم، وقيل أنّه تغطية الفم مع الأنف وقيل غير ذلك، والمرأة كالرجل في هذا ويكره لها الصلاة بالنقاب الذي يغطي الوجه، وتكره صلاة الأداء بالقضاء وعكسه ونحو ذلك، كالاقتداء بالفاسق فإنها مع صحتها مكروهة والإنفراد في ذلك أولى . وكذا لو سبقَ المأموم الإمامَ ببعض الركن لا بكُلِّهِ كأن ركع والإمام قائمٌ فانتظر في الركوع حتى ركع الإمام فهو مكروه ، ومثله الذي يسجد والإمامُ قائمٌ في الاعتدال ثم ينتظر الإمامَ في السجود حتى يضع الإمامُ جبهته بالأرض ثم يرفع رأسه مع الإمام ، فهذا إن تُعمد مكروهٌ أيضاً. وأما الصلاة في غرفةٍ فيها صورُ حيوانات كاملة في خزانةٍ بحيثُ لا تُرى فهذه لا تَمنعُ الثوابَ في الصلاةِ أما من كانت أمامهُ أو ينظرُ إليها فهذا مكروهٌ في الصلاةِ بخلافِ إنعكاسِ الصورةِ في المرءاةِ فلا يؤثر أما إن إنشغلَ بها فمكروهٌ،وتكره الصلاةُ من غير سُترةٍ وهو ما يجعله المصلي بينه وبين القبلة، إما أن يكونَ المصلي قريبًا من جدارٍ أو يغرز شيئًا أو يخطُّ خطًا وسجادة الصلاةِ تكفي كذلكَ بشرطِ أن لا يزيدَ طولها على ثلاثة أذرع ، أما إن كان بينه وبين طرفيها خمسة أذرع أو ستة فهذا خلافُ السنةِ فإن لم يضع سترة يقِلُّ الثواب له في صلاته ، ويكرهُ لبس الثوب الضيق في الصلاة  للنساء وأقل من الكراهة للرجال إلا إن كان لعذر فلا كراهة فيه لكن الصلاة صحيحة في الثياب الضيقة إذا كانت لا تصف لون البشرة والشعر، قال خليل في مختصره: وكره مُحدد لا بريحٍ. يعني أنَ الثوب الذي يُحدِدُ حجم العورة مكروه إلا أن يكون ذلك بسبب الريح أو البلل فلا كراهة. وهناك أمور غير المذكورة تكره في الوضوء والصلاة إنما مختصر فيه الإفادة. والله تعالى أعلم وأحكم.