احتضار الميت

       

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

لِيَسْتَعِدَّ للموت كل مكلف بتوبة بأن يُبَادِرَ إليها لِئلا يفجأَهُ الموت الْمُفَوِّتُ لَهَا وَسُنَّ أَنْ يُكْثِرَ ذِكْرَهُ، لِخَبَرِ: (أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ يَعْنِي الْمَوْتَ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ زَادَ النَّسَائِيّ: (فَإِنَّهُ مَا يُذْكَرُ فِي كَثِيرٍ إلَّا قَلَّلَهُ وَلَا قَلِيلٍ إلَّا كَثَّرَهُ)، أَيْ كَثِيرٍ مِنْ الْأَمَلِ وَالدُّنْيَا وَقَلِيلٍ مِنْ الْعَمَلِ، وهاذم بالمعجمة أي قاطع. وَمَرِيضٌ آكَدُ بِمَا ذُكِرَ أَيْ أَشَدُّ طَلَبًا بِهِ مِنْ غَيْرِهِ (لأنه إلى الموتِ أقرب)، وَ كُرِهَ تَمَنِّي مَوْتٍ لِضُرٍّ فِي بَدَنِهِ أَوْ دُنْيَاهُ ، وَسُنَّ تَمَنِّي الموت لِفِتْنَةِ دِينٍ لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ فِي الْأَوَّلِ:( لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ لِضُرٍّ أَصَابَهُ فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَت الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي وَاتِّبَاعًا لِكَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ فِي الثَّانِي (أي لفتنة في الدين)، وَأَنْ يُلَقَّنَ مُحْتَضَرٌ (وهو مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ) الشَّهَادَةَ أَيْ "لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ" بِلَا إلْحَاحٍ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَضْجَرَ وَلَا يُقَالُ لَهُ قُلْ بَلْ يَتَشَهَّدُ عِنْدَهُ. لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: "لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ" أَيْ ذَكِّرُوا مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ وَهُوَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِمَا يَصِيرُ إلَيْهِ وَرَوَى الْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ “مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ" وَلْيَكُنْ غَيْرَ مُتَّهَمٍ كَحَاسِدٍ وَعَدُوٍّ وَوَارِثٍ. فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ غَيْرُهُمْ لَقَّنَهُ مَنْ حَضَرَ مِنْهُمْ، فَإِنْ حَضَرَ الْجَمِيعُ لَقَّنَ الْوَارِثُ، أَوْ وَرَثَةٌ لَقَّنَهُ أَشْفَقُهُمْ عَلَيْهِ. وَإِذَا قَالَهَا مَرَّةً لَا تُعَادُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ بَعْدَهَا، ثم يوجه إلى القبلة. بإضجاع لِجَنْبٍ أَيْمَنَ فَـإنْ تَعَذَّرَ فَلِجَنْبٍ أَيْسَرَ لِأَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي التوجيه مِنْ اسْتِلْقَائِهِ فَإن تعذر وُجِّهَ باستلقاءٍ بِأَنْ يُلْقَى عَلَى قَفَاهُ وَوَجْهُهُ وَأَخْمَصَاهُ لِلْقِبْلَةِ، بِأَنْ يُرْفَعَ رَأْسُهُ قَلِيلًا وَالْأَخْمَصَانِ هُنَا أَسْفَلُ الرِّجْلَيْنِ. وإن أمكن الجمع بين التلقين والتوجيه فُعِلا معًا، وإلا قدم التلقين. وَأَنْ يُقْرَأَ عِنْدَهُ سُورَةُ يس لِخَبَرِ: (اقْرَءُوا عَلَى مَوْتَاكُمْ يس)، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحِكْمَةُ فِي قِرَاءَتِهَا أَنَّ أَحْوَالَ الْقِيَامَةِ وَالْبَعْثِ مَذْكُورَةٌ فِيهَا فَإِذَا قُرِئَتْ عِنْده تجددَ لَهُ ذِكْرُ تِلْكَ الْأَحْوَالِ. وَأَنْ يُحْسِنَ ظَنَّهُ بِرَبِّهِ (أَيْ يَظُنَّ أَنَّ اللهَ يَرْحَمَهُ وَيَعْفُوَ عَنْهُ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى. ويُسَنُّ لِمَنْ عِنْدَهُ تَحْسِينُ ظَنِّهِ وَتَطْمِيعُهُ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِذَا مَاتَ غُمِّضَ لِئَلَّا يَقْبُحَ مَنْظَرُهُ. وَشُدَّ لَحْيَاهُ بِعِصَابَةٍ (أي خِرقَةٍ) عَرِيضَةٍ تُرْبَطُ فَوْقَ رَأْسِهِ لئلا يبقى فمه منفتحًا فَيدخُلَه الهَوَامُّ وَلُيِّنَتْ مَفَاصِلُهُ فَيُرَدُّ سَاعِدُهُ إلَى عَضُدِهِ، وَسَاقُهُ إلى فخذه، وفَخِذه إلى بطنه، ثم تُمَدُّ وَتُلَيَّنُ أَصَابِعُهُ تَسْهِيلًا لِغَسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ، فَإِنَّ فِي الْبَدَنِ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الرُّوحِ بَقِيَّةَ حَرَارَةٍ، فَإِذَا لُيِّنَت الْمَفَاصِلُ حِينَئِذٍ لَانَتْ وَإِلَّا فَلَا يُمْكِنُ تَلْيِينُهَا بَعْدُ. وَنُزِعَتْ ثِيَابُهُ الَّتِي مَاتَ فيها لأنها تُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادَ ثُمَّ سُتِرَ كُلُّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا بِثَوْبٍ خَفِيفٍ وَيُجْعَلُ طَرَفَاهُ تَحْتَ رَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ لِئَلَّا يَنْكَشِفَ، وَخَرَجَ بِالْخَفِيفِ الثَّقِيلُ فَإِنَّهُ يُحَمِّيهِ فَيُغَيِّرُهُ. وَثُقِّلَ بَطْنُهُ كَمِرْآةٍ وَنَحْوهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْحَدِيدِ (فوق الثوب أو تحته) لِئَلَّا يَنْتَفِخَ بطْنُه، ورُفِعَ عن أرضٍ على سَريرٍ (من غيرِ فرشٍ) أو نحوه لِئَلَّا يَتَغَيَّرَ بِنَدَاوَة الأرضِ وحرارة الفَرش. وَوُجِّهَ إلَى الْقِبْلَةِ كَمُحْتَضَرٍ، وَتَقَدَّمَ كَيْفِيَّةُ تَوَجُّهِهِ. وَسُنَّ أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ كُلَّهُ (أي مِن تغميضه إلى توجيهه) أَرْفَقُ مَحَارِمِهِ بِهِ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةُ مِنْ الْمَرْأَةِ بِأَسْهَلِ مَا يُمْكِنُهُ فَإِنْ تَوَلَّاهُ الرَّجُلُ مِنْ الْمَرْأَةِ الْمَحْرَمِ أَوْ بِالْعَكْسِ جَازَ. وَأَنْ يُبَادَرَ (بِفَتْحِ الدَّالِ) بِغُسْلِهِ وَقَضَاءِ دَيْنِهِ وَتَنْفِيذِ وَصِيَّتِهِ إنْ تَيَسَّرَ وَإِلَّا سَأَلَ وَلِيُّهُ غُرَمَاءَهُ أَنْ يُحَلِّلُوهُ إكْرَامًا لَهُ (أي المَيِّت) وَتَعْجِيلًا لِلْخَيْرِ ، وَلِخَبَرِ نَفْسُ الْمُؤْمِنِ أَيْ رُوحُهُ مُعَلَّقَةٌ أَيْ مَحْبُوسَةٌ عَنْ مَقَامِهَا الْكَرِيمِ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَحَسَّنَهُ. هَذَا إذَا تُيُقِّنَ مَوْتُهُ بِظُهُورِ أماراته كاسترخاء قدم وَامْتِدَادِ جِلْدَةِ وَجْهٍ فَإِنْ شُكَّ فِي مَوْتِهِ أُخِّرَ ذَلِكَ حَتَّى يُتَيقَنَ بتغير رَائِحَةٍ أَوْ غَيْرِهِ.