التضمخ بالبول

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

التضمخ بالبول هو ترك البول يصيب الثوب أو البدن سواء بول الانسان نفسه أو بول غيره من الآدمين عمداً لأن بول الانسان نجس بالإجماع، والتضمخ بالبول من أكبر الكبائر نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه نهياً شديداً، وهو أكثر ما يكون سبًبا لعذاب القبر كما دلَّ على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:( اِسْتَنْزِهُوا مِنْ اَلْبَوْلِ, فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ اَلْقَبْرِ مِنْهُ )، معنى الحديث تحفَّظوا من البول لئلا يلوثكم فلا تلوثوا ثيابكم وجلدكم به لأن أكبر عذاب القبر من ترك التحفظ من البول. ومن التضمخ بالبول ما يفعله البعض عقب التبول من ترك البول على الجسد أو تركه يصيب الثياب، أو ملامسة البول بغير حائل لغير ضرورة كالذي يمسح البول بيده ولو غسل يده بعدها فهذا حرام ولو كان مراده إزالة البول بيده ، وكذلك الذي يبول بطريقة يرجع فيها قطرات البول عليه فيصيب ثوبه أو بدنه، أو كالذي يبول ثم يقوم مباشرة قبل التأكد من انقطاع البول، وهذه العجلة تفضي إلى بقاء شيء من البول وخروجه بعد ذلك مما يؤدي إلى التضمخ بالنجاسة، في دين المسلمين بول الإنسان لا يُباشر باليد لغير حاجة ، فمن أراد تنظيف نفسه أو غيره لايجوز أن يباشر البول بيده بل يصب الماء عليه أو يمسح بالورق أو يلمس من موضع جاف لم يصله البول أو يلبس كفوف (القفاز) ويباشر البول بحائل، كل ذلك لأجل أن لا يصيب البول البدن لأن التنزه من البول أي الإبتعاد عن ملامسة البول لغير ضرورة واجب ، أما إن كان هناك ضرورة فتزول الحرمة ، وليس من الضروة أن يكون الشخص في مكان لا ماء فيه فيترك البول على جسده أو ثوبه أو يباشره بيده ، بل لومسح بنحو منديل أو ورق أو غيره المسح المجزء فلا إثم عليه ، أما أن يترك البول على جسده فحرام وإن قال أغسل فرجي في بيتي فيما بعد فلا عذر له وعليه الإثم الكبير، فليتنبه لهذه المسئلة و على الأهل والمربين أن يرشدوا أولاد المسلمين على ضرورة الإبتعاد عن إصابة البول أجسادهم وإلى وعدم مس البول ومباشرته من غير حائل، ومن لم يفعل وترك البول يصيب بدنه عمداً فقد عرض نفسه لعذاب الله إن لم يعفو الله عنه ، فعن ابن عباس قال مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ:( إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرِ إِثْمٍ، قَالَ: بَلَى، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ، ثُمَّ دَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ فَشَقَّهُ اثْنَيْنِ فَغَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِدًا وَعَلَى هَذَا وَاحِدًا، ثُمَّ قَالَ: (لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا). هَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ بَعْدَ كِتَابِ اللَّهِ عَلَى إِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ، الرَّسُولُ مَرَّ عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ: (إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرِ إِثْمٍ) ثُمَّ قَالَ: (بَلَى)، أَيْ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ بِحَسَبِ مَا يَرَى النَّاسُ لَيْسَ ذَنْبُهُمَا شَيْئًا كَبِيرًا لَكِنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ ذَنْبٌ كَبِيرٌ لِذَلِكَ قَالَ: (بَلَى)، ( أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ )، وَهِيَ نَقْلُ الْكَلامِ بَيْنَ اثْنَيْنِ لِلإِفْسَادِ بَيْنَهُمَا يَقُولُ لِهَذَا فُلانٌ قَالَ عَنْكَ كَذَا وَيَقُولُ لِلآخَرِ فُلانٌ قَالَ عَنْكَ كَذَا لِيُوقِعَ بَيْنَهُمَا الشَّحْنَاءَ، (وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ)، أَيْ كَانَ يَتَلَوَّثُ بِالْبَوْلِ، هَذَانِ الأَمْرَانِ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ النَّاسُ لَيْسَ ذَنْبًا كَبِيرًا لَكِنَّهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ عِنْدَ اللَّهِ ذَنْبٌ كَبِيرٌ، فَالرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ رَءَاهُمَا بِحَالَةٍ شَدِيدَةٍ وَأَنَّهُمَا يُعَذَّبَانِ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْعَذَابِ أَنْ تَمَسَّ النَّارُ جَسَدَهُ، اللَّهُ جَعَلَ عَذَابًا كَثِيرًا غَيْرَ النَّارِ فِي الْقَبْرِ.وذكر العلامة الشيخ عبد الله الهرري رحمه الله في كتابه الجامع النافع الشرح القويم على الصراط المستقيم حكاية عن حال بعض المعذبين في القبر بسبب ترك البول يصيب بدنه عمداً فقال عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال : " كنت في سفر وءاوني الليل إلى منزل عجوز إلى جانب بيتها قبر وقال: سمعت هاتفـًا يهتف بالليل يقول بولٌ وما بولٌ، شَنٌّ وما شَنٌّ، فقلت للعجوز: ويحك ما هذا فقالت: زوج لي وكان لا يتنزّه من البول فأقول له ويحك إنّ البعير إذا بال تفاجَّ ـ أي باعد ما بين رجليه ـ فكان لا يبالي قالت : وبينما هو جالس إذ جاءه رجل فقال : اسقني فإنّي عطشان قال: الشّنُّ (وعاء للماء) وشنٌّ لنا معلّقٌ فقال يا هذا اسقني فإني عطشان الساعة أموت، قال :عندك الشنّ قالت: ووقع الرجل ميتاً ، قالت: فهو ينادي من يوم مات " بول وما بول شنّ وما شنّ " ، قال فلما قدِمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته بما رأيت في سفري فنهى عند ذلك أن يسافر الرجل وحده " اهـ. فالواجب على المسلم والمسلمة العناية بالنزاهة من البول، فإذا قضى حاجته يجب عليه أن يجتهد في التنزه من بوله بالماء إذا تيسر له الماء، أو بالورق ونحوه، بهذا أو هذا، إذا مسح البول بالحجارة أو مناديل الورق ثلاث مرات أو أكثر حتى يزيل البول، وإن استنزه بالماء فغسل محل خروج البول بالماء حتى أنقى المحل كفى، ومن كان لوث نفسه بالبول فعليه بالتوبة إلى الله تعالى من هذا الذنب الكبير وليعزم على عدم العودة لمثله ، والحمد لله أولا وآخرا.