لعن المسلم بغير حق معصية كبيرة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

اللعنُ معناهُ الطردُ من الخيرِ، ولعنُ المسلمِ منَ الكبائرِ وأيما نص وجدت فيه لعنًا لصاحبه كان هذا دليل على دخول ذلك الذنب في أبواب الكبائر. واللعن هو سبُّ الشخصِ بالدعاءِ عليهِ كأن يقولَ لعنكَ الله أو لعنةُ اللهِ عليكَ، أو أنتَ ملعونٌ أو أنتَ من أهلِ لعنةِ الله. ولعن المسلم بغير حق أمر خطير وعواقبه شديدة وكثر بين الناس إطلاق اللعن بغر حق، فهذا يغضب على ولده فيلعنه، وآخر يغضب على زوجته فيلعنها ويغضب على الجيران أو الأقرباء أو الأصدقاء فيلعنهم ويلعن والديهم هذا هو اللعّانُ الذي نفى النبي صلى الله عليه وسلم عنه صفة الإيمان الكامل فقال صلى الله عليه وسلم:( لَيْسَ المُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الفَاحِشِ وَلَا البَذِيءِ فاللعّان الذي يجري اللعن على لسانه جري المتساهل المتهاون غافلاً عن خطورة اللعن أو جاهلا بحكمه وما ورد فيه من التحذير الشديد، قال صلى الله عليه وسلم:( لَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ)، شبه النبي صلى الله عليه وسلم من لعن مسلما كمن قتله لعظم ذنبه أشبه أن يكون كقتله في عظيم الإثم والذنب، وفي لعنُ العاصي المُعيَّنِ مسلمًا كانَ أو كافرا إذا كانَ لسببٍ شرع خلافا بين الشافعية في لعنه بالتعين، ولا يكونُ لعنُهُ بقصدِ التَّفكُّهِ بذكرِ عيوبِ الناسِ بل بقَصْدِ رَدْعِهِ وزجْرهِ وتحذيرِ غيرهِ منْ أنْ يفعلَ مثلَ فِعلهِ، فمن رأى مسلمًا فاسقًا كبائعِ خمرٍ فلَعنَهُ لا لزجرهِ ولا لزجْرِ الناسِ عن أن يفعلوا مثلَ فِعلهِ من غير أن يسمعهُ أحدٌ لا يجوزُ ومن استحلَّ هذا يكفرُ إلا أن يكونَ مثلَ قريب عهدٍ بإسلام لأنَّ هذا ليسَ إنكارَ المنكرِ، وقالَ بعضٌ لا يجوزُ لعنُ المُعيَّنِ ولو كانَ كافرًا إلا مَنْ عُلِمَ موتهُ على الكفرِ أي كإبليسَ وفرعونَ وقارونَ وهامانَ وأبي جهلٍ وأشباههم، فقالَ بالقولِ الأولِ قائلونَ منَ الشافعيةِ وقالَ بالقولِ الثاني قائلونَ منهم، ولكنَّ القولَ الصحيحَ هو القولُ بالجوازِ لأدلةٍ مُتعدِّدَةٍ منها ما جاء في القرءان العظيم في عدة مواضع لعن جماعات وافراد كقوله تعالى:{ وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ }، وكقوله عزوجل:{ إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}. وكقوله تعالى: {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً}. وفي القرءان لعن الله تعالى الذين نسبوا لله الشبيه فقال تعالى:( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مغلولة غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا)، وفي قذف المؤمنات العفيفات الطاهرات قال تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، وكقوله تعالى فيمن يقتل مؤمن متعمداً:{ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}. وكقوله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ}. وكقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً}. وغيرها من الآيات التي فيها لعن الكافرين والمنافقين والظالمين والكاذبين وغير ذلك. وكذلك ما جاء في الاحاديث من لفظ اللعن كحديث جابر:( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا ، وَمُؤْكِلَهُ ، وَكَاتِبَهُ ، وَشَاهِدَيْهِ ، وَقَالَ : هُمْ سَوَاءٌ)، وكذلك لعن رسول الله في الخمرة عشرة كما في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ ، وَشَارِبَهَا ، وَسَاقِيَهَا ، وَبَائِعَهَا ، وَمُبْتَاعَهَا ، وَعَاصِرَهَا ، وَمُعْتَصِرَهَا ، وَحَامِلَهَا ، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ)، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال، عن النبي صلى الله عليه وسلم:( لَعَنَ اللَّهُ الوَاصِلَةَ وَالمُسْتَوْصِلَةَ ، وَالوَاشِمَةَ وَالمُسْتَوْشِمَةَ)، وفي حديث أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ ، يَسْرِقُ البَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ ، وَيَسْرِقُ الحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ)، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال:( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ)، وغيرها من الأحاديث الكثيرة التي جاء فيها لعن صنف ممن يرتكبون كبائر الذنوب، أما الدعاء على أهل المعاصي ولعنهم بالوصف من غير تعيين لا خلاف في جوازه عند العلماء كقول لعنة الله على الكافرين أو الظالمين أو آكلة الربا أو لعنة الله على الزناة أو قول تارك الصلاة ملعون الزاني ملعون أو ما شابه ذلك. وأشدُ ألفاظ اللعن وأسواؤها وأقبحها وأفظعها وأكبرها جرمًا التلفظ بلعن ربّ العالمين والعياذ بالله، أو لعن دين الإسلام، أو لعن النبي أو الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو لعن الملائكة الكرام أو لعن الصلاة والحج ونحوه، ومثل هذا اللعن إذا صدر من مسلم كان بذلك مرتدًا عن الإسلام، خارجًا من دائرته، بل هو كافر مرتدٌ لا يقبل الله منه فريضة ولا نفلاً إلا أن يرجع للإسلام بالنطق بالشهادتين، وأي جرم أفظع وأشنع من هذا؟! وفي القرءان العظيم جاء لعن الذين شبهوا الله بخلقه فنسبوا لله من صفات الخلق ووصفوه بالبخل تعالى الله عن ذلك، قال الله تعالى فيهم:( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا) ومن أبشع اللعن ايضاً لعن خيار المؤمنين كأولياء الصحابة الخلفاء الأربعة وبقية العشرة المشهود لهم بالجنة، وأزواج النّبي رضوان الله عليهنَّ أجمعين، وكما يحرم لعن المسلم كذا يحرم لعن الزمان والدهر والوقت كقول بعضهم "يلعن الساعة التي عرفت فلان فيها"، ويقول "يلعن اليوم أو الزمان أو الدهر الذي حصل فيه كذا وكذا"، ففي الحديث القدسي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى:( يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ : وَأَنَا الدَّهْرُ ، بِيَدِي الأَمْرُ ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ)، ومعنى أنا الدهر أي الله خالق الدهر وبمشيئته وقدرته يُقلب الليل والنهار وما يحصل من النوازل فيهما فهو بخلق الله تعالى، لأن العرب القدماء كانوا في الجاهلية إذا أصابتهم شدة أو بلاء، قالوا: يا خيبة الدهر، فيسنِدُونَ تلك الأفعال إلى الدهر ويسبونه وإنما فاعلها هو الله تعالى على الحقيقة، فلهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سب الدهر، ألا فليعلم المتسرعون في اطلاق اللعنات على غيرهم خطورة اللعن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لَا تَلَاعَنُوا بِلَعْنَةِ اللَّهِ ، وَلَا بِغَضَبِ اللَّهِ ، وَلَا بِالنَّارِ )، أي لا تطلقوا قول بلعنة الله عليك أو الله يغضب عليك أو قول أدخلك الله النار ونحو ذلك، والإكثار من اللعن بغير حق يؤدي إلى النار ففي موعظة النبي صلى الله عليه وسلم للنساء يوم العيد قال لهنَّ:« يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ، فَإِنِّي رأيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ» فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ..) وجاء النهي أيضاً عن لعن الدواب حتى الريح نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لعنها ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما، (أَنَّ رَجُلًا، لَعَنَ الرِّيحَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَلْعَنِ الرِّيحَ، فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يَلْعَنُ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ إِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ اللَّعْنَةُ). واللعانون الذين ماتوا من غير توبة من هذا الذنب الكبير يحرمون يوم القيامة الشفاعة فلا يشفعون لإخوانهم ولا يكونون شهداء لقوله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، ومن تورط في لعن مسلم بغير حق فليتب الى الله تعالى توبة صحيحة وليستسمحه وليكثر من الاستغفار ومن الدعاء. اللهمَّ نسألك حفظ ألسنتنا عن جميع الأقوال المحرمة فإن اللسان من أخوف ما يخافه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته، فقد ثبت أن سفيان بن عبد الله الثقفي، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ؟ قَالَ: فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا). والله تعالى أعلم وأحكم.