الندب والنياحة على الميت

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

من كبائر الذنوب عند الله الندبُ والنياحةُ عند الموت، والندبُ هو ذِكرُ محاسنِ الميتِ برفعِ الصوتِ وكأن الميت يسمع كلام من يندبه، كقول واجبلاهُ واكهفاهُ واسنداه.. أي يا سندي ونحو ذلك، وفي أيامنا يقال عبارات بالندب أشبه بكلام الجاهلية، وأما النياحةُ فهي الصياحُ على الميت والمصيبة على صورةِ الجزعِ لمُصيبةِ الموتِ فتحرُمُ إذا كانتَ عن اختيارٍ لا عن غلبةٍ، قال رسول الله صلى لله عليه وسلم:(صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة مزمار عند نعمة ورنة عند مصيبة)، أي النياحةُ عندَ المصيبةِ ومنها أيضاً ما كان من فعل أهل الجاهلية من خمش أو لَطْم نحو الخد أو الوجه وشق نحو الجيب من الثياب كتمزيق الثوب من ناحية فتحة العنق الى الأسفل، وحَلْق أو نتف الشعر أو نشر الشعر والشد به والخروج على الناس بهذه الهيئة لأظهار الحزن أو رمي التراب أو الرماد على الرأس ونحوه لإظهار الحزن، وكذا الدعاء بالويل والهلاك عند المصيبة، قال رسول الله عليه وسلم:(ليس منا مَن ضرَب الخدود، وشقَّ الجيوب، ودعا بدَعْوى الجاهلية)، والنائحة وما تفعله من أمور الجاهلية برىء منه النبي صلى الله عليه وسلم فعَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَرِيءٌ مِنْ الصَّالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ)، والصالقة هي التي ترفع صوتها عند المصيبة والحالقة هي التي تحلق شعرها أَوتنتفه من شدَّة الجزع والهلع والشاقَّة هي التي تشق جيبها أَوثوبَها تسَخُّطاً على قضاء الله ودعوى الجاهلية هي النياحة وكل قول ينبىء عن التَّسَخُّطِ والجزع من قَدَرِ الله. ولشدة التحذير من النياحة عدها رسول الله من عادات الكفار قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ثِنَتَانِ فِى النَّاسِ وَهُمَا بِهِمْ كُفْرٌ النِّيَاحَةُ وَالطَّعْنُ فِى النَّسَبِ)، والمعنى أن هاتين الخصلتان عند بعض الناس من عادات الكفار وأخلاق الكفرة الجاهلية، والندب والنياحة في الغالب تكون في النساء لذا جاء لفظ الاحاديث بالنساء وهو محرم على الرجال ايضاً وأحيانا النائحة يستأجرونها حتى تنوحَ و تنادي على الميت وتتكلم مع رفع الصوت والعويل وتلك ايضا أجرة محرمة، والنائحة إن لم تتوب قبل الموت فعذابها في الآخرة شديد كما جاء في الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(النَّائِحَةُ إذَا لَمْ تتُبْ قَبْل مَوْتِهَا تُقَامُ يوْمَ الْقِيامةِ وعَلَيْها سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ، ودِرْعٌ مِنْ جرَبٍ). أي تكون يوم القيامة مكسوة بالقطِران وهو هذا الذي يُدهَنُ به البعير الأجرب ، وإذا كان في الحر يُحرِق، هذه تأتي يوم القيامة وعليها سربال قمصان من قطران وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ يصير جلدها جرِبا كأنه درع لها، تأتي جرباء عليها القطِران، هذا يعذبها عذابًا شديدا، هذا في الدنيا مؤلم فكيف في الآخرة، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يأخذ العهد على النساء في البيعة أن لا يفعلن النياحة فعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ ، قَالَتْ : بَايَعْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَرَأَ عَلَيْنَا:{ أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا }، وَنَهَانَا عَنِ النِّيَاحَةِ ، وعنْ أسيدِ بنِ أبي أسيدٍ التَّابِعِيِّ، عَنِ امْرَأَةٍ مِنَ المُبايعات قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أخَذَ علَيْنَا رَسُولُ اللَّه ﷺ فِي المَعْرُوفِ الَّذِي أخذَ علَيْنَا أنْ لا نَعْصِيَهُ فِيهِ: "أَنْ لا نَخْمِشَ وَجْهًا، ولا نَدْعُوَ وَيْلًا، وَلا نَشُقَّ جَيْبًا، وأنْ لا نَنْثُر شَعْرًا" ، والنائحة ملعونة وكذا المستمعة لها ففي حَدِيثِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ:( لَعَنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّائِحَةَ وَالْمُسْتَمِعَةَ)، التي تستمع لها وتصغي لها عمدًا لأنها تستمع للمعصية أو تعينها كأن تردد خلفها ، واللعن في الحديث معناه هذا الأمر من الكبائر، الذنب الذي يصح لعن فاعله يكون من الكبائر، وجاء نفي كمال الإيمان عن من يفعل اعمال الجاهلية عند المصيبة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( لَيْسَ مِنَّا مَنْ شَقَّ الْجُيُوبَ ، وَضَرَبَ الْخُدُودَ ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ)، هذا كله يشبه أفعال من لا يرضون بتقدير الله تعالى لذلك كان هذا غير حسن ومنهي عنه. والرسول صلى الله عليه وسلم جاء ليبطل أفعال الجاهلية الشنعاء فكانت النياحة والندب أمر محرم من الكبائر في دين الله تعالى. أما مجرد البكاءعلى الميت من غير نوح ولا ندب فلا حرمة فيه، أما لو بكى مع ألفاظ التسخط على الله فهو كفر قولي ولو كان عند شدة الحزن، وذلك مثل قول البعض عند المصائب" الله ظلمنا بموت فلان " أو قولهم اعتراضاً "لم أمته أو أخذته ياالله" ومثله شتم ملك الموت عزرائيل عليه السلام أو ما يشبهه ثم الحزن الشديد ليس عذراً بل يجب على من تلفظ بمثل هذه الكفريات أن يتوب الى الله بالنطق بالشهادتين للرجوع الى الإسلام، واما ذكر محاسن الميت الطيبة من غير عويل ولا نياحة على وجه مدح الميت وذكره بالخير فلا يحرم كقول كان تقياً صوما قوما عامل بالخير يأمر بالخير وهذا فيه تشجيع لعمل الخير والعمل بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(اذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ وَكُفُّوا عَنْ مَسَاوِيهِمْ)، أي اذكروهم بالخير واتركوا السىء. والله تعالى أعلم واحكم.