اكل مال المكس

المَكْسُ هو أموال كانت تؤخذ من بائع السِّلَع في الأَسواق في الجاهلية؛ والماكِسُ العَشَّار، هو الذي باخذ المكس أو العشر من الغنم والبضاعة والاموال والبساتين هذا كان في الجاهلية واليوم في أيامنا سُمى المكس بأسماء مختلفة وعديدة لا تخرجه عن كونه حراما من الكبائر عند الله ، فاستبدل اسم المكس  بالضَّريبة والجباية والرُّسوم والعشور والأتاوة والجمارك وغيرها من الكلمات ، وقد غلب استعماله فيما يأخذه أعوان السُّلطان ظلمًا عند البيع أو الشِّراء وعلى البيوت والبضاعة والمارة من طريق وعلى الأموال والأرباح ونحو ذلك مما هو منتشر بين الناس ويأخذه الحكام والبلديات ونحو ذلك ولا شكَّ أنَّ المكس من الظُّلم وأكل أموال النَّاس بالباطل، قال تعالى: «وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ»، فنهى الله تعالى عن أكل أموال النَّاس بالباطل، أيّ بغير حقٍّ، وهو عامٌّ في جميع العقود كالبيوع والإجارة و الرُّهون المخالفة للحكم الشرع وغيرها، ويدخل في ذلك أكله على وجه الغصب والسَّرقة والخيانة ونحو ذلك، ومنها المكس؛ وقد شدَّد على من يتوصَّل بذلك إلى الحكَّام، ويجعلهم وسيلة لأكل الأموال بالإثم، أي بالظُّلم والتَّعدِّي، ولا شكَّ أنَّ المكَّاس يجعل الحكَّام مطية لأكل أموال النَّاس بالباطل. أو يأخذ أجرة من الحكام على جباية المكوس… وكذلك قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا»، فنهى الله تعالى عباده المؤمنين عن أكل أموال النَّاس بأنواع المكاسب المحرَّمة كالرِّبا والقمار ونحو ذلك، ومنها المكس، واشترط في ذلك التَّراضي، ولا شكَّ أنَّ المكَّاس يأخذ أموال النَّاس بغير تراضٍ بل بالغصب والقوة في الغالب، والمكَّاس بسائر أنواعه اخذه وكاتبه ووازنه والذي يحفظ أموال المكوس والجابي هم من أعوان الظَّلمة، بل هم ظلمة، فإنَّهم يأخذون ما لا يستحقُّون، ويدفعونه لمن لا يستحقُّه، ولهذا فهو ذنب كبير من الموبقات فيه أكل أموال الناس بالباطل وعده الفقهاء من معاصي البطن…قال الله جل جلاله:«وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ»، فأمر سبحانه وتعالى بالتَّعاون على كلِّ ما يحبُّه الله ويرضاه، ومنها حقوق الله وحقوق العباد؛ ونهى عن التَّعاون على المعاصي والتَّعدِّي على حقوق النَّاس في دمائهم وأعراضهم وأموالهم، ولا شكَّ أنَّ المكَّاس معاون على الظُّلم والعدوان. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ» وما رواه أبو حميد الساعدي أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( لاَ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْخُذَ عَصَا أَخِيهِ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِهِ)، فحرَِّم رسول الله صلى الله عليه و سلم مال المسلم إلاَّ ما أعطاه برضاه، ولا شكَّ أنَّ المكَّاس يأخذ مل المسلم من غير طيب نفسه.روى عقبة بن عامر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ صَاحِبُ مَكْسٍ». وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في المرأة التى أقيم عليها حد الزنا: (فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ». قال الإمام النَّووي في «شرح مسلم»:"فيه أنَّ المكس من أقبح المعاصي والذُّنوب الموبقات، وذلك لكثرة مطالبات النَّاس له وظلاماتهم عنده، وتكرَّر ذلك منه، وانتهاكه للنَّاس وأخذ أموالهم بغير حقِّها، وصرفها في غير وجهها". أمَّا من حيث الإجماع فقد اتَّفق العلماء على تحريم المكس، لما فيه من الظُّلم والإعانة عليه،ونص الفقهاء الشافعية على كراهة الصلاة في موضع أخد المكوس، قال الإمام النَّووي في المجموع: الصَّلاة في مأوى الشَّيطان مكروهة بالاتِّفاق، وذلك مثل مواضع الخمر والحانة ومواضع المكوس….واعتبروا أخذ المكس من سفر المعصية الَّذي لا يترخّص له، قال أبو بكر الحصني في «كفاية الأخيار»: ويشترط أيضًا أن لا يكون سفره معصية، فإن كان معصية كمن سافر لأخذ المكس أو بعثه ظالم لأخذ الرّشا والبراطيل والمصادرة ونحو ذلك أو كان عليه حقٌّ لآدميٍّ يجب عليه أداؤه إليه فلا يترخّص ثلاثة أيَّام. وجعلوا أخذ المكس من الفسق الَّذي تباح غيبته، قال النَّووي في «روضة الطَّالبين»المجلد الخامس: أن يكون مجاهرًا بفسقه أو بدعته كالخمر ومصادرة النَّاس وجباية المكوس وتولِّي الأمور الباطلة، فيجوز ذكره بما يجاهر به، ولا يجوز بغيره إلاَّ بسبب آخر. وقالوا بتحريم الاستئجار لجبي المكوس، قال في «كفاية الأخيار»:لا يجوز استئجار المغاني، ولا استئجار شخص لحمل خمر ونحوه، ولا لجبي المكوس والرّشا وجميع المحرَّمات، عافانا الله تعالى منها. وليعلم ايضا انه لا يجوز إخراج الزَّكاة لمصلحة الضَّرائب ونحوها؛ لأنَّها ليست من الأصناف الثَّمانية الَّذين أمرنا الله ﻷ بإعطائهم الزَّكاة. ولأن أموال المكوس جنيت من حرام كما تقدم، والمال المحرم ليس محلاًّ للزكاة، لأنّه ليس مالاً متقوّمًا شرعًا. ثم إن مال المكس يأخذ ظلما والأصل في مثل هذا المال أنّه لا يجوز أخذه، بل الواجب ردّه إلى صاحبه، وإذا كان كذلك لا يمكن اعتبار هذا المال زكاة.  قال الشيخ عبد الله الهرري في كتاب بغية الطالب: ومن ذلكَ المَكسُ، أي أكلُ المَكْسِ وهو ما يأخذهُ الظَّلَمةُ مِن السلاطينِ مِنْ أموالِ الناسِ على البضائِعِ والمَزارع والبساتين وغير ذلك. والمَكسُ منَ الكبائرِ بلا خِلافٍ فالذي يعْمَلُ فيه بالكتابةِ عاصٍ ءاثمٌ إلا أنْ كان يقصدُ بالكتابةِ حفظَ حقوقِ الناسِ إلى أن تُردَّ عليهم إن تيسَّرَ وهذا على سبيلِ الفَرْضِ والتقديرِ وإلا فالذي يَحصُلُ منَ الناسِ الذينَ يكتبونَ في ذلكَ بعيدٌ عن ذلك. قالَ البغويُّ "الماكسُ مَنْ يأخذُ مِنَ التُّجارِ إذا مَرُّوا عليهِ شيئًا مثلَ الزكاةِ" اهـ، قال المُنذريُّ "الآنَ يأخذونَ مكسًا ءاخرَ ليسَ باسمِهِ ولكنهُ حرامٌ سُحْتٌ". اهـ. ولا يُجزئ دفعُ الزكاةِ إليهم لأنهم لا يأخذُونَها على اعتبارِ أنها زكاةٌ لِتُوزَّعَ في مصارِفها الشرعيةِ، والذي يدفعُ إليهم وهو يعلمُ ذلكَ فقدْ أضاعَ الزكاةَ ولم تَبْرأ ذمتُهُ منها. وفي الحديثِ الصحيح الذي رواه مسلم "إنها" أي المرأةَ الزانيةَ التي طهَّرت نفسها بالرجمِ الذي رُجِمَتْهُ بأمر النبي "تابَت توبةً لو تابَها صاحبُ مَكْسٍ لغُفِرَ له" إشعارٌ بِعُظمِ معصيةِ المكسِ. وليسَ المرادُ بهذا الحديث أنّ المكسَ أشدّ ذنبًا من الزنى.

تحذيرٌ

إنَّ بعضَ الناسِ لا يَرونَ المَكْسَ معصيةً وقدْ قالَ بعضُ الجهلةِ إنّهُ حقُّ السلطانِ، قال النوويُّ في بعضِ تآليفهِ إنَّ هذه التسميةَ ردةٌ. وينبغي حملُ كلام النوويّ على غيرِ قريبِ عهدٍ بإسلام وناشئ بباديةٍ بعيدةٍ عن العلماءِ وغير متأوّلٍ بأنهُ يُحتاجُ إليهِ لخدمةِ البلادِ الضروريةِ فإن هؤلاء الثلاثةَ لا يُكَفَّرونَ إنْ سَمَّوها هذه التسمية. والجوابُ عن قولهم هذا أن يُقال إن الحاكم إذا لم يَجِدْ في أموالِ بيتِ المالِ الشرعيّ ما يُنفقهُ لخدمةِ البلادِ وحفظِها يَفْرِضُ على الأغنياءِ لِسَدِّ الضروراتِ بقدرِ ما يكفي لها، فيأخُذُ منهم لذلك برضاهم وبغيرِ رضاهُم ،في الدولةِ الإسلاميةِ إن كان هناكَ بيت مال فيه ما يَسُدُّ حاجات الناس يُقتصرُ على ذلك وإن لم يكن عندهم ذلك يفرض الملِك على الأغنياء من أموالهم القدْر الذي تسد به الحاجات هذا الذي يجوز في الشرع. في الماضي أيام أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وغيرهم من الخلفاء كان بيت المال من الغنيمة ومن مال من يموت ولا وارثَ له والزكاة ونحو ذلك من هنا كان بيت مال المسلمين يقوم أما الآن فلا يوجد جهاد للكفار يُحصّلُ منه المسلمون على الغنائم فيجوز للملِك أن يأخذ من الأغنياء أي ممن له شئ زائد على كفايتهِ قدرًا تسد به حاجات الجيش وغير ذلك. والله تعالى اعلم واحكم.