سؤال الغني بمال أو حرفة

من الكبائرِ أنْ يسألَ الشخصُ المُكتفي بالمالِ أو الحِرفةِ بأن كانَ مالكًا ما يكفيهِ لحاجاتهِ الأصليةِ أو كانَ قادرًا على تحصيلِ ذلكَ بكسبٍ حلالٍ وذلكَ لحديث »لا تحِلُّ المسألةُ لغنيّ ولا لذي مرَّةٍ سوي« رواه أبو داود والبيهقي والمِرة هي القوةُ أي القُدرةُ على الاكتسابِ، والسَّويُّ تامُّ الخلقِ. وروى البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يزالُ الرجلُ يسألُ الناسَ حتى يأتيَ يومَ القيامةِ وليس في وجههِ مُزعةُ

لحم» والمُزعةُ القطعةُ الصغيرةُ من اللحم . يعني رسول الله من شحذَ بغيرِ حاجةٍ لأنه هو المذموم وأما الشاحذُ عن حاجةٍ فلا يُذَّمُ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «للسائلِ حقّ ولو جاءَ على فرس« أي لأنه قد قد يكونُ الرجلُ يملكُ فرسًا وهو فقير ليس عنده كفايتهُ. وروى مسلم من حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مَنْ يسألُ الناسَ أموالهم تكثُّرًا فإنما يسألُ جمرًا فلْيَستَقِلَّ أو ليَستكثِر«هذا حديثٌ وارِدٌ فِيمَنْ سأَل الناسَ وهو غَنِيٌّ، وفيه تربِيَةٌ نبويَّةٌ بالتخويفِ والترهيبِ مِن سؤالِ الناسِ أموالَهم دونَ حاجةٍ مُلِحَّةٍ. يقولُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "مَن سأَل الناسَ أموالَهم تكثُّرًا"، أي: مَن طلَب مِنَ الناسِ إعطاءَه مِن أموالِهم دونَ حاجةٍ أو فَقْرٍ منه، وإنَّما يَطلُب المالَ لِزِيادَةِ مالِه وتكثيرِه، فيكونُ القصدُ من سؤالِه وطلبِه هو جَلْبَ المالِ والإكثارَ منه؛ "فإنَّما يَسأَلُ جَمْرًا"، أي: يكونُ له هذا المالُ في الآخِرَةِ جَمْرًا يُصلَى به، كما دلَّتْ روايةٌ أُخرَى: "فإنَّما يَسأَلُ جَمْرَ جَهَنَّمَ"، وسُمِّىَ التَّكَثُّرُ جَمْرًا؛ لأنَّ الجَمْرَ مُسبَّبٌ عنه. وبعدَ هذا الترهيبِ والتوضيحِ قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "فَلْيَسْتَقِلَّ"، أي: فَلْيَأْخُذِ السائِلُ قليلًا من ذلك الجَمْرِ، "أو لِيَسْتَكْثِرْ"، أي: لِيَأْخُذِ كثيرًا، وقد فوَّض النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أمْرَ التقليل أو الاستِزادَةِ إلى السائلِ؛ وَعِيدًا له وزَجْرًا عن ذلك؛ فإنَّ السؤالَ إذلالٌ للنَّفْسِ، والله تعالى لا يُحِبُّه للمؤمن، والمُسلِمُ يَنبغِي أنْ يكونَ عَزِيزَ النَّفْسِ.

وفي الحديثِ: تَرهِيبُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم من السؤالِ مع الغِنَى.

وفيه: الترهيبُ مِن أكلِ أموالِ الناسِ بالباطِلِ .قال النووي في شرح مسلم: قال القاضي قيل معناه يأتي يوم القيامة ذليلا ساقطا لا وجه له عند الله وقيل هو على ظاهره فيحشر ووجهه عظم لا لحم عليه عقوبة له وعلامة له بذنبه حين طلب وسأل بوجهه كما جاءت الأحاديث الأخر بالعقوبات في الأعضاء التي كانت بها المعاصي وهذا فيمن سأل لغير ضرورة سؤالا منهيا عنه وأكثر منه كما في الرواية الأخرى من سأل تكثرا.

ويُفهمُ من ذلكَ أيضًا أنهُ لا يجوزُ للمرأةِ المكتفيةِ بنفقةِ زوجها أن تطلُبَ من زوجها أن يشتريَ لها الأشياءَ الثمينةَ كأساور الذهبِ ونحو ذلكَ إلا أن كانَ قالَ لها اطلبي مني ما شئتِ فلها أن تطلبَ منه، أما الأشياءَ الخفيفة المُتعارف عليها أي بين النساءِ التقياتِ فهذه يجوزُ لها أن تطلبها كأن طلبت منهُ أن يشتريَ لها شيئًا من الحلوى، والأحسنُ إذا أرادت الطلبَ أن تقولَ له لو جلبتَ لنا كذا بدلَ أن تقولَ لهُ اجلبْ لنا كذا. وكذلكَ يجوزُ لها أن تطلب منه أخذها لبعضِ المطاعمِ لأكل الطعامِ. وكذلكَ يجوزُ لها أن تطلبَ المالَ منهُ لتذهبَ إلى الحجّ لأنّ هذا المال طلبتهُ لعملٍ فيهِ طاعةٌ ليسَ للتنعم. وأما ما جرى بين الأصدقاءِ العادة بطلبه بعضهم من بعض فهذا لا يُعدُّ شحاذةً محرّمة كأن يقول لهُ لما تعودُ منَ الحجِّ تُهدينا مساويكَ أو زمزم أو نحو ذلك مما جرت به العادة .

تنبيه : المكتفي هو من ليس في حالة الفقر أو المسكنة قال الشيخ عبد الله رحمه الله: الفقير فهو من لا نفقة على غيره واجبة له ولا مال ولا كسبٌ حلالٌ يقع موقعًا من كفايته مطعمًا وملبسًا ومسكنًا وغيرها ممَّا لا بد منه على ما يليق به وبمَمْونِه ، أي لا يجد إلا أقل من نصف كفايته لحاجته التي يحتاجها لنفسه ولمن تلزمه نفقته إن كان له مَن تجب عليه نفقته كأولاد صغار أطفال وزوجة وأبوين فقيرين من حيثُ المطعم أي الطعام والملبس والمسكن وسائر ما لا بد منه اعتبار ما يليق به وليس باعتبار فوق ما يليق به كالذي يحتاج عشرة ولا يجد إلا أربعة فأقل. وأما المسكين فهو الذي له ما يسد مسدًا من حاجته إما بملك أو بعمل يُغل له لكنه لا يكفيه كفايةً لائقةً بحاله كمن يحتاج لعشرة فلا يحد إلا ثمانية.