الموت والعزاء

الموت والعزاء

الموت والعزاء أمران في حياتنا نُعَزيّ ويُعزَىَ بنا ويموتُ غيرنا ونحن ميتون فكانَ لابُدَّ منَ الوقوف على مسائل المتعلقة بالعزاء، فعلى كل مسلم الإستعداد بالأعمال الصالحة والتوبة من الذنوب والسيئات إلى الله تعالى، وترك الغفلة التى تُلهى العبد عن ما هو مقبلٌ إليه وهو الموت.

فإنَّ نسيان الموت يُقسّي القلوب ويُبعِدُ عن ذكرِ الله تبارك وتعالى ، وبالإكثار من ذكر الموت جاءت الوصيةُ النبوية كما في قوله صلى الله عليه وسلم: أكثِروا من ذِكرِ هَاذِمِ اللذاتِ: يعني الموت

ذِكرُ الموت يُزهدنا في الدنيا الفانية، ويحفّزُنا على العمل الصالح والتوبة النصوح من الذنوب جمعيها، ويحرك العبد على التخلص من مظالمِ العباد وتبعاتهم، وإعطاءِ الناس حقوقهم ومراجعة النفس وإصلاحها قبل فوات الأوان .

مَن تذكّرَ أنَّ الموتَ مصيرَهُ، وأنَّ القبر مقرّهُ، وأنَّ الجنةَ أو النار مأواه، هَيءَ الزادَ من تقوىَ الله واستعدَ للرحيل بكثير زاد من الحسنات.؟ ومن تذكّرَ قِصَرَ الحياة وسرعة العمر وقِلةَ الزاد، فهل لهُ إلا أن يُكثرَ من عمل الخير قبل الموت؟

ومن ذكرَ الموت كثيراً هانتْ عليه الدنيا وما فيها من لذات فانية، ومن تفكرَ في سَكراتِ الموت وشدائده وكُرَباته وأهواله عظمَت في نفسه طاعة الله تعالى، فعن ابنِ عمر رضي الله عنهما قال: أخذ النبيُّ صلىَ اللهُ عليه وسَلم بمنكِبي ثمَّ قال: (كُنّ في الدُنيا كأنَكَ غَريبْ أو عَابِرُ سَبيل)، وكانَ ابنُ عمر رضي الله عنهما يقول:( إذا أمسيتَ فلا تنتظِرِ الصباح، وإذا أصبحتَ فلا تنتظرِ المساء، وخُذْ من صحتَك لمرضك، ومن حياتك لموتك) رواه البخاري . وعنه رضي الله عنه أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ( الجَنةُ أقربُ إلى أحدِكم من شِرَاكِ نَعلِه، والنّارُ مثلَ ذلك) رواه البخاري. معناهُ أنَّ الإنسان لايدري بأي عمل يعملهُ يكون من أهل الجنان وكذا لايدري بأي الأعمال أو الأقوال يستحقُ دخولَ النّار، أليسَ نبينا صلوات الله وسلامه عليه حذرنّا من التسرع بالكلام الموقع في غضب الله  تعالى فقال صلوات الله عليه وسلم: إنّ العبدَ ليتلكلمُ بالكلمةِ لايرىَ بها بأساً يَهوي بِها في النّارِ أبعَدَ من ما بينَّ المَشرِقِ والمَغرب، وهذه الكلمة قد تكون من كفريات الكلام الذي يُسمع في أيامنا من التسخطِ على قضاءِ الله والإعتراض على الله فيما قَضى لعباده من موتٍ أو مرضٍ وغير ذلك، فالمُعترضُ على ربه ليسَ بمؤمنٍ، والشاكُ في حكمةِ الله تعالى وعلمه وعدله ومشيئته ليس بمؤمنٍ ولا مسلم، المؤمن اُلمسَلِمُ لله في كل حالٍ المفوضُ أمره إلى الله في الشدائد والأحزان والنكبات والمصائب، فليسَ فعل المؤمنين سَبُ ملك الموت عزرائيل عندَ خبرِ الموت ولو كانَ على غضب فإنَّ الملائكة أمَرَنَا الله بتعظيمِهم واحترامِهم، ونصَّ الفقهاء أنّ من سَبَ أوشتم أو أستهزء بمَلكَ من الملائكةِ الكرام سواءٌ كان عَزرَائيل ملكُ الموت أو غيره كفرٌ والعياذ بالله، ويَلزمُ قائِلهُ التوبة إلى الله بالتلفظ بالشهادتين، وليحرص المؤمن على إيمانه وليحذر ما يفعلهُ البعض عندَ الحُزنِ والغضب من التلفظ بكلمات خبيثة مهلكة، وليكثِر مما أمرَ به في القرءان الكريم وهو قولُ: إنا للهِ وإنّا إليه راجعون، قالَ الله تعالى: الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ / أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ.

قال الشاعر:

تزوّد منَ الدنيـا فإنـّـكَ لا تَــدري           إذا جَنَّ ليلٌ هلْ تعيشُ إلى الفَجْـــرِ

فكمّ من صِغارٍ يُرتجَىَ طـولُ عُمرهم       وقد أُدخِلَتْ أجَسادُهم ظلمَةَ القَبــرِ

وكـــمْ عَـروسٍ زَينـُـوها لزِوجِهِـا         وقدْ نُسِـجَتْ أكفَانُهُا وهيَ لا تَدريِ

 وإذا كانَ المَوتُ هوَ مَصِيرنا والقَبرُ هوَ مَضجعنا فإنّهُ لا بُدَّ من الوقوف على بعض أحكام الجنائز والتّعَرُفِ على صَحِيحها من باطلها، فإنّهُ ما منْ بيتٍ إلا والمَوتُ سيدخله، قَصُرَ الزمان أو بَعُدَ.

والشريعة الإسلامية والسنة المحمدية جاءت بأحكام عظيمة وسنن وواجباتٍ تتعلق بخروج المُسلم من هذه الحياة  الدنيا بحرمةٍ واحترامٍ ، فلا بُدَّ من معرفتها والوقوف عندها، فقد كانَ هَديُ النبيّ صلى الله عليه وسلم وسنته في الجنائز أكمل الهدي وأحسنه، مُشتَملاً على الإحسان للميت وحفظ حرمته ومعاملته بما ينفَعُه في قبره ويومَ القيامة، وكذا الإحسان إلى أهلِه وأقاربه ومواساتهم وتعزيتهم بمصابهم بكلام فيه تسكين النفس والوصية بالصبر، وأولُ هذه الأحكام ما جاءت الوصية النبوية الحكيمة بتلقين المُحتَضر كلمة التوحيد العظيمة " لا إلهَ إلاّ الله" كما روى ذلك مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: لقِنو موتاكم لا إلهَ إلا الله، وذلك لتكون هذه الكلمة الطيبة آخر كلام العبد من هذه الدنيا ويُختمَ له بها ختام خير وبركة، وروىَ الإمام أحمد وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال: من كانَ آخرُ كلامِهِ منَّ الدُنيا لآ إلهَ إلاّ الله دخَلَ اَلجَنة، فإذا مَاتَ المُسلم يسنُّ تغميضُ عينيه وتسوية أطرافِه وجعله على مكان يليق به، ثم الإسراعُ بتجهيزه، من تغسيلٍ وتكفينٍ وصلاةٍ عليه ودفنه، فلا ينبغي تأخيرُ دَفن الميت إلا لعذر، وقد كانَّ من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته الإسراع في دفن الميت، وذلكَ بتطهيره وتغسيله وتطييبه وتكفينهُ في ثيابٍ بيض، ثلاثٌ تغطى كل بَدن الميت ذكرا كان أو أنثى. وكانَ صلى الله عليه وسلم يأمرُ بغسل الميت ثلاثاً أو خمساً أو أكثر حسب ما يراهُ الغاسل، ويأمر بالكافور والأشَنانِ وهمّا من الطيبِ ونحوه في الغسلة الأخيرة، وكانَ يأمرُ من وَلِيَ الميت أن يُحسن كَفنه ويكفّنه في البياض وإن كان يصح بغير البياض ولكن الأبيض سنة فعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عليكم بالبياض من الثياب ليلبسها أحياؤكم، وكفنوا فيها موتاكم، فإنها من خير ثيابكم"،  ونهى عن المُغالاة في الكفن والرجل يتولى تغسيلهُ الرجال، والمرأة تغسلها النساء، ومن تعذّر غسلُه لعدم الماء أو لمرض بجسده كالحروق ونحوها فإنه يُيمَم بالتراب الطهور، وإنّ تعذرَ غسلُ بعضه غُسلَ ما أمكنَ منه وييمم عن الباقي، ويجوز للرجل أن يُغسِّلَ زوجته، وللزوجة أن تُغسّل زوجها. والجنينُ الساقط من بطن أمه إذا تمَّ له أربعة أشهر وأكثر وظهرت فيه علامة الحياة ولو للحظة غُسّلَ وكفن وصُلي عليه أما لو سقط ولم تظهر فيه امارة الحياة كأن لم يصرخ ولم يتحرك فهذا يغسل ويكفن ولا يصلى عليه، فإذا غُسّلَ الميت وكُفّن، فإنه يُصلىَ عليه جماعة، لفعله عليه الصلاة والسلام وفعل أصحابه، وكلما زادَ العددُ من المصلين كانَ أفضل، ومقصود الصلاة عليه الدعاءُ له ونفعهُ وحصول الخير للميت، والصلاة على موتى المسلمين من أفضل الطاعات وأعظم القربات، وقد جعلَ الله تعالى فيها الجزاء العظيم، ومن فاتتهُ الصلاة على الميت صلى الميت صلاةَ الغائب لفعل النبيّ صلى الله عليه وسلم حينَ ماتَ النجاشيُ وهو ملك الحبشة وكانَ أسلمَ وحَسُنَ أسلامه فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم  لمن معه في المدينة من الصحابة: صلوا علىَ أخِيِكم النَجَاشَيُ فانّهُ رجلٌ صالح، وصلىَ عليه النبيّ صلاة الغائب. والصلاة على الميت تكونُ بأربع تكبيرات وليس فيها ركوع ولا سجود ولابد فيها من شروط الصلاة وتجنب مبطلاتها، و يقرأ بعد التكبيرة الأولى الفاتحة، ويُصلي على النبيّ صلى الله عليه وسلم في الثانية والسنةُ أنّ يأتي بلفظ الصلاة الإبراهيمية التى تُقرأ في الصلاة، ويدعو بعد التكبيرة الثالثة للميت بالدعاء المأثور عن النبيّ صلى الله عليه وسلم إن كانَ يحفظه، فإن لم يكن يحفظه فبأي دُعاءٍ دعا جازَ و يُخلِصُ ويتضرعُ  إلى الله في الدعاء للميت بالمغفرة والجنة، ثمَّ يُكَبِر التكبيرة الرابعة ويُسلِّم ويرفعُ يديه مع كل تكبيرة. وكم في الصلاة على الأموات من ثواب وحسنات لو أخلصنا فيها النيات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شَهِدَ الجِنازة حتى يُصلىَ عليها فلهُ قِيراطٌ، ومن شهدِها حتىَ تُدْفَن فَلهُ قِيرَاطان، والقيراطان: مِثلُ الجَبلين العَظيمين. وبعد الصلاة يُبَادر بحمله إلى قبره، والسنة تشييع جنازة الميت حتى توضع في قبرها بسكينةٍ وأدبٍ ووقارٍ وإتعاظٍ بالموت ، ولا بأسَ بالإشتغالِ بذكرِ الله تعالى سِراً أو جَهراً ولا سِيما إنْ كانَ رفعُ الصوتِ بالتهليل والتكبير والذكرِ من المُشيعين يَقطعُ على الناس أشتغالهم بالكلام الذي لا خيرَ فيه من أمور الدنيا كما يُشاهد في أيامنا فأنَّ من المُشيعينَ من يتكلمون في كلام الدنيا والسياسة والبيع والمال بل قد يقعونَ بمحرم من الكلام فقطعُ مادةِ الغَفْلةِ بذكرِ الله لاشَكَ أولى ولا عبرةَ بكلام من حَرَمَ الذكر خلفَ الجنائز ومتى كان ذكرُ الله يحرمُ ورسول الله صلى الله عليه وسلم كانَ يذكرُ الله على كلِ حال ؟! فالأولى حالُ الجنازة وما فيها من تذكر الآخرة، ويُسّنُ توسيعُ القبر وتعميقهُ ولحدِه، ويوضعُ الميت فيه موجهاً إلى القبلة على جنبه الأيمن، ويَسدّ عليه اللحد سَدّاً مُحكماً، ثمَّ يُهالُ عليه التراب، ويُرفعُ القبر عن الأرض قدرَ شبر، ويكون مُسَنّماً أي مُحدَباً مرتفعاً قليلا فلا يُمتَهن أو يُداس عليه بسهولة، ولا بأسَ أن يجعل عليه علامةٌ ليعرفُه قريبه الذي يريدُ زيارته للسلام عليه والدعاء له، ولا بأسَ بالوقوف على القبر وقراءةِ شىءٍ من القرءان أو قراءة الفاتحة والدعاء للميت، فقد جاءَ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال عند دفن بعض أصحابه: سَلوُا لأخيِكُمْ التثَبيِتَ فأنَّهُ الآنَ يُسألُ، وقد كانَ الصحابة يقفونَ على القبرِ ويقرأونَ شيئاً من القرءان قَدرِ ذبح الشاة، وفي قراءة سورة "يس" شأنٌ عظيم وثوابٌ كبير، فلقد وردَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: يَس قَلبُ القُرءان لا يَقرأُها رجلٌ يُريدُ اللهَ والدارَ الآخرة إلا غُفرَ لهُ واقرأوهَا على مَوتاَكُم  ومما استَدلّ به العلماء على جوازِ قرأة القرءان على قبر الميت المسلم وانتفاعه بالقرأة حديثُ البخاري ومسلم عن ابنِ عباس رضيَ الله عنهما قال: مَرّ النبيّ صلى الله عليه وسلم بحائِطٍ (أي بُستان)،  فسَمِعَ صوتَ إنسانينِ يُعذّبان في قبريهما، فقالَ النبيُ صلى الله عليه وسلم: " يُعذّبانِ وما يُعذّبانِ في كبير إثمٍ " قال: "بلىَ، كانَ أحدُهُمَا لا يَستَتِرُ من بولِهِ، وكانَ الآخرُ يَمشي بالنميمة " ثم دعا بجريدةٍ ( وهوَ عرق نَخل أخضر) فكسَرها كِسرَتين، فوضَعَ على كُلِ قبرٍ منهما كسرة فقيلَ لهُ: يا رسولَ الله لِمَ فعلتَ هذا ؟ فقال: لعلّهُ أن يُخفَّفُ عنهُما ما لم يَيْبَسا، فإنَّ كانَ المسلم الميت ينتفعُ بتسبيحِ العَسيب الرطب فكيفَ بقرءاة القرءان عند قبره من المسلم الحي والدعاء له ؟!

ويُستحَبُ تلقين الميت عقبَ دفنه، والتلقين هو أن يقف عند رأسه إنسانٌ ويقول: يا فلانُ ابنُ فلان، أويا عبدَ الله يا ابنَ أمةِ الله، اُذكِرِ العَهدَ الذي خَرجْتَ عليه من الدُنيا، شهادةَ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ له، وأنّ محمدًا عبدهُ ورسوله، وأنَّ الجنةَ حق، وأنَّ النارَ حق، وأنَّ البعثَ حق، وأنَّ الساعة آتية لا ريبَ فيها، وأنَّ اللهَ يبعثُ من في القبور، وأنكَّ رضيتَ بالله ربا، وبالإسلامِ ديناً، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبيًا، وبالقرءانِ إماما، وبالكعبةِ قبلة، وبالمؤمنين إخوانا، ذكرهُ النووي في كتابِه المجموع على شرحِ كتاب المُهَذب، ومن الأدلة على جواز التلقين ما رواه الطبراني عن أبي أمَامَة البَاهلي رضيَّ اللهُ عنه قال: إذا أنا مِتُ فاصنعوا بيّ كما أمرنَا صلى الله عليه وسلم أنّ نَصنَعَ بموتَانَا فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ماتَ أحدٌ منْ إخوانِكم فسويتُم التُراب على قبرِه فَليقُمْ أحدُكم على رأسِ قبرِه ثمّ ليقُلْ يا فلان ابنُ فلانة فإنهُ يسمعُه ولا يجُيب ثمّ يقول: يا فلان ابنُ فلانة فإنهُ يستوي قاعدًا ثم يقولُ: يا فلانُ ابنُ فلانة فإنه يقول: أرشِدنَا رحمَكَ اللهُ ولكن لا تشعرون، فليقُل: أذكر ما خَرجتَ عليه من الدُنيا شهادةَ أن لا إله إلا الله وأنّ محمدًا عبدُه ورسوله، وأنكَ رضيتَ بالله ربًّا، وبالإسلام دينا، وبمحمدٍ نبيًا وبالقرءانِ إماماً فإنّ مُنكرا ونكيرا يأخذُ كل واحد منهما بيدِ صاحبهِ فيقول: انطلقْ بنّا ما يُقعِدنا عندَ منْ لقنَ حجَتَهُ، فقالَ رجلٌ: يا رسولَ الله فإنّ لم يعرف أمه، قال عليه الصلاة والسلام: "ينسِبُه إلى أمهِ حواء يا فلان ابن حواء. ففي الحديث أنَّ من لقِنَ الحُجَةَ يُعفىَ من سؤالِ القبر وفتنَتِه، وبعدَ هذا يُسنُ تعزيةُ أهلِ المَيت بمصابهم ومشاركتِهم في الحزن وذلك لقرابة أو صداقة أو جيرة أو أخوة في الدين والإسلام ، ويُستحبُ إنّ يُقال لأهل الميت: أحسَنَ اللهُ عَزاءَكُم، وجَبرَ مصيبَتَكُم، وأخلفَ عليكمُ ونحو ذلك، أما إذا كانَ المُعزَىَ مُسلم والمَيتُ غيرُ مُسلم يقالُ له أحسَنَ اللهُ عزَاءَكَ، وإنَّ كانَ الميتُ مُسلم والمُعَزَىَ غيرُ مسلم يُقالُ لهُ غَفَرَ اللهُ لميِتكُم وألهمَكُم اللهُ الصبرَ، ولا يُقالُ غَفَرَ اللهُ لميتِكُم لغيرِ الميتِ المسلم. ولا ينبغي إستعمالُ الكلماتِ التى تُخالف ما جَاءَ في السُنَة كقولِ البعضِ "خاتِمَةُ الأحزانِ" أو "البَقِيةُ في حياتِكم" ونحوه، ثمَّ عِندَ الاجتماع للعزاء بالفقيد المُسلم ينبغي الإكثار من ذكرِ الله ومن الإستغفار للميت ومن قرءاةِ القرءان قراءةً صحيحة وإهدائه الثواب فإنَّ من سَبقنَا من أهلنا من المسلمين ينتظرُ منّا الثوابَ والحسنات كما تُنتظَرُ الهدايا، ولا مانعَ بل مُهم جدًا من حين إلى ءاخر عندَ تقبّل العزاء من سماعِ كلمةٍ طيبة و موعظة مهمّة تذكِّرنا بأن الموتَ حقّ وتحثّنا على الصبر عندَ نزول المصائب والبلايا وتذكِّرنا بما أوجبَ الله علينا وتنهانَا عمّا حرّم الله تعالى، فإنّ الذكرى تنفعُ المؤمنين. وقد ثبت أنَّ في حسنات و صدقاتِ الأحياء ثوابٌ في صحائف الأموات، فما يُقراءُ وما يتُصدق به من وجوه الخير ندعوا الله أن يكونَ في صحيفة فلان من المسلمين فأنه يصلهُ بإذن الله ولا عبرةَ بقول البعض أنّ قراءة القراءن لاتنفعُ الميت المسلم، كيفَ يكونُ ذلكَ والميتُ أولُ ما يُعمَلُ لهُ الدُعاء له والصلاة عليه فلو كانَ لا يَنتفعُ ما نَفَعُ الصلاة عليه إذاً !؟ قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: حَقُ المُسلِمْ علىَ المُسلِمِ خَمْسٌ: رَدُ السَلام، وعيادةُ المَريض، وإتباعُ الجَنَائز...، رواه البخاري ومسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: عُودُوا المَرضَى واتَبعِوا الجنَائِز تُذكِرُكمُ الآخرة، وعندَ تعزيتكَ ومواساتك أخاكَ أو قريبك أو أحداً  من معارفِكَ بمصابه يُستحَبُ أن تدعو لأخيكَ الميت بمثلِ ما دَعا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم  لأبي سَلمةَ رضي الله عنه حينَ توفيَ وعَزَّى به أهله فقال: اللهمَّ إغفِر لأبيِ سَلَمَةَ، وارفع دَرجَتَهُ في اَلمَهدِيينْ، واخلِفُهُ في عَقِبَهُ في الغابرين أي: كُنْ لهُ خَليفة في ذريتَهُ الباقين من أسرته من اللطف والحفظ والعون، واغفر لنَّا ولهُ يا ربَ العالمين، وأفسَحْ لهُ في قبرِهِ، ونوّر لهُ فيه )رواه مسلم. ويحسنُ أنّ يكون حديثك مع المعزَّى فيما يتّصلُ بتخفيف وقعِ المصيبة عليه، بذكر أجرِها وأجر الصبرِ عليها، وأنّ الحياة الدنيا فانية منقضية، وأنّ الآخرة هي دارُ القرار.

ويُحسِنُ ذكر بعض الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة المذكرةِ بذلك كقول الله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ، وكقول النبي صلى الله عليه وسلم : اللهمَّ أجرنيِ في مُصيِبَتيِ، واخلِفْ ليّ خيرًا مِنّها، وقوله صلى الله عليه وسلم :إنَّ للهِ ما أخذْ، ولهُ ما أعطىَ، وكل شيءٌ عندَهُ بأجلٍ مُسمَى وقوله صلى الله عليه وسلم في توديعه لإبنه إبراهيم حين مات:إنَّ العينَ تدمع، والقلبُ يحزن، ولا نقولُ إلا ما يُرضي ربَنا، وإنَّا بفراقِكَ يا إبراهيمُ لمحزُونُون. ومن لطيفِ الشعر الذي قيل في حالِ التعزية قول القائل:

إنّــا نُعزِيكَ لا أنَّا على ثِقَـةٍ           منَّ الحياةِ ولكنَّ سُـنةُ الديـنِ

فمّا اُلمُعـزَّىَ بباقٍ بعدَ ميتِـهِ          ولا المُعزِّيِ وإنّ عَاشَا إلى حِينِ

اللهمَّ إنا نسألكَ رحمة لأمواتنا المسلمين ومغفرة لنا ولهم، وأني راجياً من استفادَ من مقالتى دعوة صالحة وقراءة الفاتحة إلى روح آبائنا وأمهاتنا والمؤمنين والمؤمنات، اللهمَّ أحسن ختامنا وأحسن عاقبتنا يا أرحمَ الراحمين.