وزن الأعمال يوم القيامة

إنَّ من جملة ما يجب الإيمان به مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم  الميزان الذي يُنصب يوم القيامة لوزن أعمال العباد و هو حقّ ، يقول الله في كتابه العظيم: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ. ويقول الله تعالى: وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، فالميزان هو عبارة عما يعرف به مقادير الأعمال والعقل قاصر عن إدراك كيفية الوزن وهل توزن الأشخاص ؟ أو الكتب ؟ أو الأعمال ؟ وردَ بكل ذلك نصٌ فلا مانع من القول بكل ذلك أي يمكن أن يكون وزن الأشخاص أو وزن الصحف التى فيها الأعمال أو يخلق الله أحجاماً بقدر الأعمال فتوزن قال بذلك جمع من أهل العلم فإن قيل كيف توزن الأعمال وهي حركات ونوايا فعلها العبد..؟  قال أهل العلم لا مانع عقلا من ذلك كله، الله تعالى قد يصور الحسنات بصورة حسنة والسيئات بصورة قبيحة وتوزن هذه وتوزن هذه، وتوضع هذه في كفه وتلك توضع في كفه. والميزان هو يشبه ميزان الدُّنيا له قصبة وعمود وكفّتان كفّة للحسنات وكفّة للسَّيئات تُوزن به الأعمال يوم القيامة ، والذي يتولَّى وزنها جبريل وميكائيل عليهما السلام كما ذكر الحافظ الزبيدي عن حذيفة رضي الله عنه أن صاحب الميزان هو جبريل عليه السلام، قال الله تعالى: فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ، فمن رجحت حسناته على سيّئاته فهو من أهل النَّجاة، والذين تساوت حسناتهم مع سيئاتهم هم من أهل النّجاة، لكنَّ هؤلاء يؤخّرون بُرهة عن دخول الجنة ثم يدخلون، يكونون على الأعراف على أعلى سور الجنّة، الجنَّة لها سور يُحيط بها وسورها عريض واسع وهم أقلُّ رُتبة من الطَّبقة الأولى وأرفع من الثَّالثة ، ومن رجحت سيّئاته على حسناته فهو تحت مشيئة الله إن شاء عذَّبه وإن شاء غفر له.  وأمّا الكافر فترجح كفة سيّئاته لا غير لأنّه لا حسنات له في الآخرة لأنّه أُطعِمَ بحسناتهِ في الدُّنيا وأما في الآخرة فلا ثوابَ له قال الله تعالى:وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا، ففي قوله تعالى: وهو مؤمنٌ، شرط لقبول الأعمال عند الله والثواب عليها الإيمان قال الله تعالى:مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ، أي أنّ أعمال الكفار في الدنيا كالبِر وصلة الأرحام كرمادٍ أشتدت به الريح في يوم ذي ريح شديدة، فلم تترك له أثراً فكذلك أعمالهم لا يجدون منها ما ينفعهم عند الله في الآخرة فقد أذهبها الكفر كما أذهبت الريح الرماد، ذلك السعي والعمل على غير أساس الإيمان بالله والموت على ذلك، هو الضلال البعيد عن الطريق المستقيم قال تعالى:وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا. ومما يدل على ذلك أيضاً حديث عائشة رضي الله عنها أنه كان لها قريب إسمه عبد الله ابن جدعان هذا من أهل الجاهلية لكن كان رجلا ًكريماً مضياف عائشة رضي الله عنها  سألت عن مصيره في الآخرة قالت يا رسول الله إبن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذاك نافعه ؟ قال لا ينفعه إنه لم يقل يوماً ربَّ اغفرلي خطيئتي يوم الدين . يعني ما كان مصدقا بالبعث ولا يعتقد بيوم الدين ويوم الاخر ولذلك ما ينفعه عمله. وفي مثل هذا جاء الحديث في أمر حاتم الطائي مضرب المثل في الجود والكرم عند العرب أن ابنته وقعت في الأسر فجىء بها الى رسول الله فتكلمت كلاماً بليغاً معجباً تذكر فيه جودَ أباها فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم لو كان أبوك مسلمًا لترحمنا عليه وفيه بيان أنَّ الكرم بلا إيمان بالله تعالى لا ثواب عليه في الآخرة وأنَّ شرط ثواب الأعمال الإيمان بالله تعالى ، فهؤلاء المشركين ما جاؤ به من الأعمال الخيرية في ظاهرها التي لا يحصل لهم شيء من حسنات وذلك لأنها فقدت الشرط الشرعي الإيمان بالله تعالى قال القاضي عياض المالكي: انعقد الإجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون بها بنعيم ولا تخفيف عذاب لكن عذابهم أشد عذاب من بعض بحسب جرائمهم إذا لا ينتفعون بها لا بنعيم ولا تخفيف عذاب. وهنا يقف الكثيرون من الذين لا علم لهم فيقولون الناس اليوم يعملون أعمال تساعد الإنسان وتنفعه ومع ذلك الله لا يثيبهُم ولا يجزيهم يوم القيامة لأنهم كفار ماتوا على الشرك ؟! فالجواب هذا الكافر الذي أخلاقه ومعاملته مع الناس لطيفه ويطعم الفقراء ويعين أهل الحاجات ويساعد المرضى ونحوه. قد يُطعم بها في الدنيا فيعطيه الله عليها في الدنيا صحة وأموال ورزق ونحوه. كل أعمالهم الخيرية في الدنيا أعمال البر هذه يعطون عليها في الدنيا حتى إذا أفضى للآخرة فلا يجد شيء، كيف يقيس هؤلاء واحد اكتشف دواء يساعد المرضى لكنه يسب الله يشرك بالله أو ينكر وجود خالقه أوينسب لله الولد والشريك والمثيل ومع ذلك  يزعمون أن يعطيه الله الثواب والجنة لإكتشافه الدواء !! كيف يقال هذا وكيف يجعل أمرًا ينفع الناس أفضل وأحسن من الإيمان بالله !!. أليسَ أخذ شهرة ومال وسيطا في الدنيا؟  هذه حظه لأنه لا يؤمن بالله. وهل يقبل أن أصحاب جائزة نوبل يكونون من أهل الجنّة مهما كانت عقائدهم!! سبحانك هذا بهتان عظيم!!. لسنا ضدَّ العلم والإكتشافات المفيدة لكن المسئلة متعلقة في الدين و بما جاء القرءان والحديث به. فالحذر من الإنجرار وراء آراء البعض التى تعارض القرءان والحديث من قولهم الله يُعطي الثواب لمن نفع الناس ولو كان لا يؤمن بالله قال تعالى:وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ، أعمال الكفرة التى عملوها في الدنيا من الإحسان ونحوه، الله أخبر انها كالهباء المنثور وهو الغبار الصغير الذي يرى في ضوء الشمس من النافذة أي لا قيمة لها ولا ثواب عليها.  قال الله تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا. ولقد جاءت السنة بأحاديث كثيرة في إثبات الميزان وبيان الأعمال التي تثقل في الميزان يوم القيامة ومنها الإيمان بالله تعالى إيماناً لا شك فيه أنه تعالى موجود بلا بداية ولا مكان ولا يشبه شي ولا يوصف بصفة من صفات الخلق والإيمان برسول الله وكل أمور الإيمان وجماعها كلمة التوحيد فإنها ثقيلة في الميزان يوم القيامة  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله سيخلِّص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً كل سجل مثل مدِ البصر، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئاً ؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة فإنه لا ظلم عليك اليوم، فتخرج بطاقة فيها:" أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله"، فيقول: إحضر وزنك، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات! فقال:إنك لا تُظلم، قال: فتوضع السجلات في كفة، والبطاقة في كفة؛ فطاشت السجلات، وثقلت البطاقة، فلا يثقل مع إسم الله شيء. فانظر رحمك الله إلى فضل الله وعظيم أجر فضل من مات على عقيدة الإسلام و التّوحيد، والأمر كما أخبر تعالى:إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ، ومن الأعمال التي تثقل الميزان يوم القيامة للمؤمن حُسنُ الخُلق، والعِشرة الحسنة مع الناس، وهذا ما دلّت عليه كثير من النصوص الشرعية، كقوله صلى الله عليه وسلم:إنَّ أثقل شيء يوضع في ميزان العبد يوم القيامة خلقٌ حسن، وإنَّ الله يبغض الفاحش البذيء. وفي الحديث أيضًا:إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم، وإنمّا أعطي صاحب الخلق الحسن هذا الفضل العظيم لأنَّ الصائم والمصلي في الليل يجاهدان أنفسهما في مخالفة حظهما وأما من يحسن خلقه مع الناس مع تباين طبائعهم وأخلاقهم فكأنه يجاهد نفوسا كثيرة فأدرك ما يشبه ما أدركه الصائم القائم من الأجر والثواب. وكذلك من الأعمال العظيمة التي تكون ثقيلة في الميزان قول: "سبحانَ اللهِ وبحمدِه، سبحانَ اللهِ العظيم"، يقول نبينا صلى الله عليه وسلم، في الحديث الصحيح المشهور:كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم. فهاتان كلمتان سهلتان، وخفيفتان، وهما عند الله عظيمتان، وفي الميزان ثقيلتان، فما الذي يمنعنا من قولهما دائمًا، وذكر الله سبحانه وتعالى بهما في كل وقت وحين، ومن وقف على قوله عليه السلام:ثقيلتان في الميزان ، إستشعر عظيم الأجر ووافر الثواب وأعد للميزان عدته، ورطبَّ بذكر هاتين الجملتين الطيبتين: "سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم" لسانه على الدوام تقرباً الى الله تعالى بذكره بما يليق به تبارك وتعالى.وكذلك الإكثار من قول "الحمد لله"، والإعتراف له بالنعمة والفضل، فإنه من أعظم ما يثقل الميزان، ففي صحيح مسلم عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض.  فيا أيها المسلم قف وتأمل وتفكر واذكر أنَّ هذا الميزان دقيق جدًّا جداً ، يَزِنُ الصغيرة والكبيرة، ولو كانت مثقال ذرة!!، وكيف لا يكون دقيقاً وفي القرءان العظيم إنه يزنُ الذرة من خير أو شر يقول الله سبحانه وتعالى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ، وحبة الخردل دقيقة صغيرة الحجم ومع ذلك تكون في ميزان الآخرة، ويقول الله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ *وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ، إذا كان الناس اليوم يعرفون أن أدقَ ميزان في الدنيا هو ميزان الذهب الدقيق، فإنَّ ميزان القيامة هو أدق الموازين، فهل وقفنا مع أنفسنا وقفة نراجع فيها أعمالنا التي ستوزن في موازيننا ؟! وهل تذكرنا أنَّ الأعمال تكون في الميزان الدقيق الذي يزن الذرة من الأعمال يوم القيامة حيث لا تظلم نفس شيئًا؟! اللهمَّ تقبلَ منّا صالح أعمالنا، اللهمَّ ثقِّل موازيننا بالأعمال الصالحة والحسنات الراجحة وزحزحّنا عن النّار بفضلك، وأدخلنا الجنة برحمتك يا أرحم الراحمين.