كفوا عَنا تطرفكم

كُفوا عَنا تطرفكم

التطرف والإرهاب كلمتان هما من أكثر الكلام تتداول في هذا الزمن ، ولن أدخل في المعاني اللغوية والإصطلاحات ولكن لابد من وقفة، وقد أخذت على عاتقي كشف شبهات المتطرفين منذ زمن بعيد بالعلم والبيان والحجة، وصحيح أنَّ بعض الأحزاب المتطرفة حَمّلت المسلمين عبئاً وحملاً ثقيلاً من جراء الفتاوى الفاسدة والتوجهات المنحرفة والأفكار الشاذة، إلا أن الإشارة اليوم إلى أنَّ التطرف شديدّ في الكلام على الأنبياء بحقدٍ وافتراء، وكما هو بينَ مجتمع المسلمين كذا عند غير المسلمين يوجدُ تطرف وتعصب بغيض لايرضى به أصحاب العقول السليمة والأفكار المنورة من تشويش وتشويه لصور وسير الأنبياء ودسِ الإفتراءت على الشرائع التى جاء بها الأنبياء صلوات الله عليهم اجمعين، ولاسيما سيرة نبيّ الله محمد عليه الصلاة والسلام والتى هي من السير التي حُفِظة على مَرِ العصور والدهور، ففي القرون الماضيةِ عاش كثيرٌ من العظماء ورجالات التأريخ والفكر والمشاهير والزعماء والملوك، تناقلت الأجيال أخبارَهم، ودوّنت الكتب أوصافهم وسيرهم، غيرَ أنه لا يوجد أحدٌ من هؤلاء العظماء والرجال من نُقلت أخباره ودُوّنت صفاته وحُفظت سيرته وكُتِب تفاصيل حياتِه كما كتب وحفظ عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، لقد وصَلَ إلينا ذلك بالنّقل الصحيح المتواتر عن جمع غفير الثقات الصادقين. وإنَّ سيرةَ رسول الله محمدٍ صلى الله عليه وسلم سيرة واضحةٌ ناصعة ليس فيها شكٌ مدقّقة في جميع أطوارها ومراحلها وتفاصيلها، ضبط أهل العلم صحّتها أسانيدها. نذكر ذلك ليس لإيثار فتنة، ولكن لرد حمّلة متطرفة الفكر تطلع بين الحين والآخر تعمل مشوشة وتكتب بمداد الحقد الأسود تريد النيلَ من سيرة النبيّ محمد فضلاً على النيل من سير إخوانه الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، إنيّ أدعوا العقلاءَ لنبذ هذا التعصّب المُقيت وممارسة هذا الإرهاب الفكري الذي يقود إلى تأجيج الفتن والأحقاد واستفزازِ الناس وحلولِ الأحداث التي يكتوي بنارِها المجتمع برمته، وإنَّ الهجومَ على دين الإسلام أو على أي نبيٍ من أنبياء الله لا يزيدُ المسلمين إلا صلابةً وثباتاً وانتشاراً وظهوراً وتعمقاً في سير الأنبياء وتعلم الصفات التى جعلها الله فيهم المذكورة في القرءان، فمن أصول عقيدة المسلمين الإعتقاد أنَّ كلَ نبي من أنبياء الله تعالى يجبُ أن يتصف بالصدق والأمانة والفطانة وتجبُ لهم العصمةُ أي المَنعُ من أن يوصفَ واحدٌ منهم بالكفر أوالشرك لا قبلَ النبوة ولابعدها، كذا يجبُ للأنبياء العصمة من كبائر الذنوب والفواحش كالزنا وشربِ الخمّر وقتل النفس بغير الحق، ومستحيلٌ في حقهم عليهم الصلاة والسلام الأفعال الخسية الدنيئة الرذيلة، لأنَّ الله تعالى إصطفى الأنبياء وجمّلهم بهذه الصفات ليقتَديَّ بهمُ النّاس، فعلى هذا معتقدنا أنّ كل الأنبياء مسلمون يدعونَ الناس لتوحيد الله تعالى وحده، وأنّ لا يُشرك به شىء، وأنَّ الله مُنزهٌ عن صفاتِ الخلقِ ولوازم البشرية كالحجم والشكل والصورة والحدِّ والمكان وغير ذلك مما يوصف به الخلق، كما أنَّ عقيدتنا أنَّ من سَبَ نبياً من الأنبياء أو صَغرَهُ أو حَقرهُ أو نَسَبَ إليه  شيئاً من الفواحش أو الكفر فهوا كافرٌ بالله وليس بمؤمن بالرسل ، فالإيمان بالرسل يلزم التعظيمَ لهم جمعياً والإحترامَ لهم وعدمُ المَس بمقامهم السامي العالي الرفيع الذي شرفهم الله به.

إنّنا ندعو كل مُنصِفٍ وكلَّ طالبٍ للحقيقة أن يقرأ تعاليم دينَنا من مصادره، وأن يسمعهُ من أهل العلم وأن يطّلع على سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وعلى كل الأنبياء من أهل الإعتدال من المسلمين فالرسول هو المثلُ الأكبر للمسلمين وليست الأسماء والرموز التى تدعى التكلم وصاية عن المسلمين ونيابة عنهم، فالسيرة النبوية مدوّنة محفوظة تدوينا وتوثيقا لا يدانيهِ توثيقٌ ولا يقاربه تحقيق مشهورة على مر الدهور.

وليعلم طالبُ الحقيقة ومبتغي الإنصاف أنّ المسلمين يكفيهم فخراً وشرفاً أن دينَهم يُحرّم كلّ إنتقاص أو تكذيبٍ لأيّ نبيٍّ من أنبياء الله، ويأمر بإحترام ما جاؤوا به من الحق والهدى وأنهم جمعيا أخوة في المعتقد وإن أختلفت لغاتهم وأزمنتهم قال الله تعالى شَرَعَ لَكُم مّنَ ٱلِدِينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ [الشورى:13]، إنَّ المسلمين يحترمون جميعَ رسل الله، ويوقّرون كلَّ أنبياء الله عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام، قال الله تعالى: ءامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ءامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَـئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ [البقرة:285]. وقد اقتَضَت إرادةُ الله سبحانه وحكمته أن يختم الأنبياءَ والرسل بمحمد صلى الله عليه وعلى جميع الأنبياء، وأن يختمَ الرسالات بالشريعة التى جاء بها، ليكونَ للناس بشيراً ونذيراً، وليكون للعالمين رحمة، بعثَه على فترة من الرسل، ضلّ فيها الناس رشادَهم، وجحدوا عقولَهم وقلوبَهم، فصاروا كالأصنام تعبُد الأصنام، ملَؤوا الأرضَ خرافاتٍ وأوهاماً ووثنيات وظلم واعتداء على الحرمات، فلطف الله بعباده، فاصطفى محمداً صلى الله عليه وسلم، ليبلِّغ خاتمةَ رسالاته، ويهديَ بآخر كتبه، فكان بإذن الله كالغيثَ نزل على الأرض الموات فأحياها، فنور بما أعطاه الله طريقَ النجاة، وبين أسباب السعادة وحثَّ الناس على مكارم الأخلاق. ثم على طالبِ الحقيقة والإنصاف أن ينظرَ فيما نالته سيرةُ محمد صلى الله عليه وسلم من العناية الفائقة والدقّة البالغة في التدوين والتحقيق، فلقد كانت سيرةً ومسيرة جليّةَ المعالم واضحة المواقف، ولقد ضمّت السيرةُ النبوية جميعَ شؤون رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفاصيل حياته وأطوار عمره، من الولادة والرضاعة والطفولة والشباب والكهولة، في حياته قبلَ النبوة، من صدقه وأمانتِه واشتغالِه بالرعي والتجارة وزواجِه، ثمّ بعثته ومواقف قومه المعادية له، ومقاومتهم وما واجهوه به من اتهاماتٍ من سحرٍ وجنون وكذب، ثم تزايُدِ أتباعه وعلوِّ شأنه، وما حصلَ مع قومه من مواجهاتٍ وما أظهرَ الله على يديه من معجزات، أمّا حياتُهُ الشخصية فقد نَقلَ لنا النَقلة الثقات تفاصيلَ أوصافه الجسدية من الطول واللّون والهيئة والمشية وحياته اليوميّة من قيامه وجلوسه ونومه ويقظته وضحكه وغضبه وأكله وشربه ولباسه وما يحبّ وما يكره وعبادته في ليله ونهاره، وحياته مع أهل بيته وفي مسجده وأصحابه مع الأصدقاء ومع الغرباء وفي السفر وفي الحضر، ناهيكم بأخلاقه الكريمة من التواضع والحلم والحياء والصبر وحسن العشرة، بحيث لم يبقَ شيء من حياته مخفياً أو مكتوماً،  وكلّ ذلك منقولٌ محفوظ ,ولم تلحق حياتَه الأكاذيب، ولم تُضْفَ عليه صفات الألوهية لا قليلا ولا كثيراً ، فهو النبيّ الرسول، والعارف بربه المعلم للناس الخير والرشاد، محمد صلى الله عليه وسلم نموذجُاً للأخلاق الفاضلة، أعطاه ربُّه وأكرمه، وأعلى قدره ورفع ذكرَه، صفوةُ خلقِ الله ، وأكرم الأكرمين على الله، ومع حبِّ المسلمين لنبيّهم عليه الصلاة والسلام وتعظيمِهم له وتوقيرهم لجنابه فإنّ عقيدتهم فيه أنه بشرٌ رسول، عبدٌ لا يعبَد بل هو خير العباد وأفضلهم، ورسول لا يكذَّب، بل يُطاع ويُحبّ ويوقَّر ويُتّبع، ولن يذوقَ المسلم حلاوةَ الإيمان في قلبه وشعوره ووجدانه إذا لم يكن حبُّ رسول الله فوقَ كلّ حبيب، ففي الحديث الصحيح: ((ثلاثٌ من كنَّ فيه وجد حلاوةَ الإيمان؛ أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما)) فيا عقلاءَ العالم، هذا هو نبيُّنا، وهذه هي سيرتُه، وهذا هو حبّنا له وإيماننا به ومتابعتنا له، ولن نقبلَ أن يُنالَ منه أحدٌ ولكن بالحجة والعلم والبيسان لابالفوضى نظهر للناس جلالة قدر الأنبياء جميعًا. وهؤلاء الذين يسعَون إلى تشويه صورةِ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم سواء من كان من جلدتنا او غيرهم، كما فعلوا ويفعلون من نشر الأغاليط واختلاق الأكاذيب حولَ قرآنِنا وتفسيره والدسّ عليه، إنّها إساءةٌ متتابعة ومتكرّرة تثير مشاعرَ المسلمين، وممّا يؤسَف له أنّ هذه الإساءات تصدر من رجالٍ ينتسبون إلى مؤسسات وكتاب وأعلاميون وجمعيات تتدعى الحوار والمحبة والفكر، اتّهموا نبينا بالكذب وبالجنون وبالسرقة وقطعِ الطريق وسيئ الأفعال، ووصفوا دينَنا بأنه خدعة كبرى. إنّ هذه المحاولاتِ من التشويه والدسّ والأكاذيب والإفك إنما تسيء إلى العلاقاتِ بين الشعوب، وتبثّ بذورَ الكراهية، وتذكي أجواءَ التعصب البغيض، وتثير أبشعَ صوَر البغضاء بين الناس ، إن أمّة الإسلام وقد فاقت أعدادها المليارَ وربع المليار وتقترِب نسبتُها إلى رُبع سكان الأرض ، إنَّ هذه الأمة كل من ينتسب إليها يحمل في قلبه الحب للأنبياء ومن تبعهم بحق، ويردد ويكرر في كل صلاة  في كل يوم الدعاء والطلب من الله تعالى أن يهديه وأن يوفقه لطريق الرسل والأنبياء وأتباعهم وذلك في قول الله تعالى: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم فُسر ذالك بصراط أي طريق هدي الأنبياء ومن تبعهم. وبعدَّ ذلك كلّه مع عِظَم خطره وأليم وقعِه فإنّ المسلمين ليسوا في شكّ من دينهم ولا من نبيّهم، فهذه الاتهامات والأوصاف عينُها سبقَ إليها أهل الجاهليّة الأولى، ولم يكن لها أيّ تأثير في السيرة النبوية ولا  في مسيرة  الدعوة المحمدية، فالإسلام دينُ الله الذي رضيه لعباده ، ومحمّد رسول الله، وكلّ ذلك محفوظ بحفظ الله، فلله الحمدُ والمنة. وصلى الله على نبيه وعلى كل الأنبياء والمرسلين.