العرش سقف العالم وأعظم المخلوقات..

الله تبارك وتعالى خلقَ الخلق على ما يشاء وجعله أنواعاً كثيرة، وأجناساً مختلفة تتفاوت في حجمها، وتختلف في تفاصيل خَلقها، إلا أنها جميعها تدل على عظيم قدرة الله وكمال صفاته ، وكلها بتدبير الله ومقهورة لله، والله تعالى قدمَ إيجاد خلق قبل خلق في الزمان حكمة منه تبارك وتعالى ، فكان الماء أول الخلق على الإطلاق وكان بعد الماء خلقُ أعظم المخلوقات حجماً وعظمةً " العرش" كما في قوله تعالى: (( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ))، و في حديث عمران بن الحصين قال أتى أناس من أهل اليمن الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا :  ( يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ وَنَسْأَلَكَ عَنْ أَوَّلِ هَذَا الْأَمْرِ ، مَا كَانَ ؟ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَانَ اللَّهُ وَلم يكن شيء غَيْرَهُ ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ، ثُمَّ كَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) ، الرسول صلى الله عليه وسلم أجابهم وأفادهم بأهم مما سألوا عنه فقوله : " كان الله " أي في الأزل ، وقوله : " ولم يكن شيء غيره " أي أنه لا أزلي سواه لأنه في الأزل لم يكن ماء ولا هواء ولا نور ولا مكان ولا ظلام ، وقوله : " وكان عرشه على الماء أي وجد عرشه على الماء أي أن الماء خلق قبل العرش ثم خلق العرش وبوجود الماء وجد الزمان والمكان أما قبل ذلك لم يكن زمان ولا مكان . فيعلم من هذا أن الماء والعرش هما أول المخلوقات ، وجاء ذكر العرش في القرأن والسنة مرات عديدة في بيان عظمتة وشرفه وعلوه وسعته قال الله تعالى: (( وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ))، وقوله تعالى: (( قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلً ))، وقوله تعالى: (( ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ))، وجاء على معنى سرير الملك كقول الله تعالى: {إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ}، وأما العرش الذي جاء ذكره أنه ثاني المخلوقات فهو جرمٌ له أربع قوائم وهو أعلى المخلوقات في جهة العلو فوق السموات السبع وفوق الجنة وهو مكان مشرف عند الله تعالى، الملائكة يعبدون الله عنده ويسبحون الله عنده قال الله تعالى:(( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ))، وقال تعالى: (( وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ))، الله تعالى تعبدهم بتعظيم العرش والطواف به كما خلق في الأرض بيتاً وأمر بني آدم بالطواف به واستقباله في الصلاة ، والعرش تحمله الملائكة قال تعالى:(( وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ )) ، والعرش سقف الجنة قال صلى الله عليه وسلم: “ فإذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ، وَأَعْلَى الْجَنَّةِ، أُرَاهُ فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ” ، وقال صلى الله عليه وسلم: " فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ العَرْشِ ، فَلَا أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي ، أَمْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ"، الأنبياء لمّا يصعقون في ذلك الوقت لا يصيبهم ألمٌ وكذلك الأتقياء ، ولمّا يفيق رسول الله صلى الله عليه وسلم من تلك الصّعقة يجد موسى وهو ماسك بقائمةٍ من قوائم العرش ، ولم يتبيَّن له أمره هل أُعفي من الصعقة فلم يُصعق ، أم صُعق فأفاق قبله، وفي إثبات القوائم للعرش دلالة على أنه جسم مركب له أبعاض وأجزاء، والجسم المؤلف المركب مخلوق له حد وصورة خصصه الله بها، وحملة العرش الملائكة محمولون بلطف قدرة الله ، جاء وصفهم بالحديث وعن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(( أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ ، إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِ مِائَةِ عَامٍ ))، فإذا كانت صفحة عنق هذا الملك الكريم بهذا الحجم فما حجمه كاملا !!، وهو خلق واحد من خلق الله ، وما حجم العرش...!!؟ وفوق العرش ليس مكاناً لله كما يظن المشبهة بل فوق العرش يوجد كتابٌ مكتوب فيه " إنَّ رحمتي سَبقَت غضبي " .وكونُ ذلك الكتاب فوق العرش ثابتٌ أخرج حديثه البخاري والنسائي في السنن الكبرى وغيرهما ، ولفظ رواية ابن حبان : " لما خَلقَ اللهُ الخَلقَ كتبَ في كتابٍ يكتبهُ على نفسِهِ وهوَ مرفوعٌ فوقَ العرشِ إنَّ رحمَتيِ تَغلِبُ غَضَبيِ " وهذا يدل على أن فوق العرش مكان مخلوق يستقر فيه الكتاب وأما الله تعالى مستحيل عليهه المكان لا فوق العرش ولا غيره وفي قوله تعالى: (( سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ))، دلالة على أن الله رب العرشِ وخالقه ، ليس لأن العرشَ له ملابسة لله بالجلوس عليه أو بمحاذاته من غير جلوسٍ ، ليس المعنى أن الله جالسٌ على عرشه باتصالٍ وليس المعنى أن الله محاذٍ للعرشِ بوجود فراغٍ بين الله وبين العرش إن قُدِّرَ ذلك الفراغُ واسعاً أو قصيراً كُل ذلك مستحيلٌ على الله ، وإنما مزية العرشِ أنه كعبة الملائكةِ الحافين من حوله كما أن الكعبةَ شٌرِّفـَت بطواف المؤمنين بها . ومن خواص العرش أنه لم يُعصَ الله تعالى فيه لأن من حوله كُلُهُم عبادً مكرّمون لا يعصون الله طرفة عين ، ومن اعتقد أن الله خلق العرش ليجلس عليه فقد شبه الله بالملوك الذين يعملون الأسرة الكبار ليجلسوا عليها ومن اعتقد هذا لم يعرف الله . واستواء الله على العرش كما جاء في القرأن في قوله تعالى: ( الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ )، فالإستواء هنا لا يحمل على الظاهرِ بل يحملُ على محملٍ مستقيمٍ في العقولِ ، فتحملُ لفظةُ الاستواءِ على القهرِ ففي لغةِ العربِ يُقالُ استوى فلانٌ على الممالكِ إذا احتوى على مقاليد المُلك واستعلى على الرقابِ ءاية الاستواء تحمل على القهر , أو يقال استوى استواء يليق به , أو يقال ( الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ ) بلا كيف , أما من أراد التأويل التفصيلي فيقول قهر ويجوز أن يقول استولى .و معنى قَهْرُ الله للعرش الذي هو أعظم المخلوقات أن العرش تحت تصرف الله هو خـَلـَقـَه وهو يحفظه , يحفظ عليه وجوده ولولا حفظ الله تعالى له لهوى إلى الأسفل فتحطم , فالله تعالى هو أوجده ثم هو حفظه وأبقاه , هذا معنى قهر العرش ، هو سبحانه قاهر العالم كله , هذه الشمس والقمر والنجوم لولا أن الله يحفظها على هذا النظام الذي هي قائمة عليه لكانت تهاوت وحَطَّمَ بعضها بعضاً واختل نظام العالم . والإنسان قهره الله بالموت ، أيُ ملكٍ وأيُ إنسانٍ رُزِق عمراً طويلاً لا يملك لنفسه أن يحمي نفسه من الموت فلا بد أن يموت ، وليعلم أن الإستواء في لغة العرب له خمسة عشر معنى كما قال الحافظ أبو بكر ابن العربي ، ومن معانيه: الإستقرار والتمام والإعتدال والإستعلاء والعلو والإستيلاء وغير ذلك , ثم هذه المعاني بعضها تليقُ بالله وبعضها لا تليق بالله، وفائدة تخصيص العرش بالذكر أنه أعظم مخلوقات الله تعالى حجمـًا فيُعلم شمول ما دونه من باب الأولى . قال الإمام علي رضي الله عنه:" إنَّ اللهَ تعالى خلقَ العرشَ إظهاراً لقدرتهِ ، ولم يتخذهُ مكاناً لذاتهِ ) ، رواه الإمام أبو منصور البغدادي " .فإن قيل: كيف تقولون خلقه إظهارًا لقدرته ونحن لا نراه ؟ نقول : الملائكة الحافون حوله يرونه والملائكة لما ينظرون إلى عِظَمِ العرش يزدادون خوفاً ويزدادون علماً بكمال قدرة الله ، لهذا خلق الله العرش . و الله تعالى وصف العرش بأنه مجيد، كما في قول الله تعالى: (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ). وَوصْفُ العرش بأنه مجيد، يعني أنه متسع عظيم القدر ولم يعص الله عنده قط. ووصف الله العرش أيضا بأنه عظيم، فقال تعالى: ( فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ )، ووصفه بأنه كريم في قوله: ( فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ) ، والكريم هو حسن المنظر بهي الشكل. ومما يدل على عظمة العرش المقارنة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم بين السموات والكرسي والعرش، قال صلى الله عليه وسلم: “ما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي، كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة“. والكرسي مخلوق دون العرش فإذا كان الكرسي سعته السموات والأرض فماذا يكون العرش بجنبه؟! تبارك الله الخالق العظيم ، ومن خصائص العرش العظيم : أنه ومع مخلوقات أخرى لا يصيبها الفناء الذي يصيب الخلق، ومما هو مدّخر عند العرش من كنوز الخيرات والثواب خواتيم سورة البقرة: ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ )، إلى نهاية السورة، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: " أعطيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنزٍ تحت العرش لم يعطها نبي قبلي“. وكذلك جاء عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( يا عبدالله بن قيس! ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ فقلت: بلى يا رسول الله قال: قل: ( لا حول ولا قوة إلا بالله)، ومن الكنوز والشهود للعبد يوم القيامة التسبيح والتحميد والتهليل: أخرج ابن ماجة عن النعمان بن بشير قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ مِمَّا تَذْكُرُونَ مِنْ جَلَالِ اللَّهِ التَّسْبِيحَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّحْمِيدَ يَنْعَطِفْنَ حَوْلَ الْعَرْشِ لَهُنَّ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ تُذَكِّرُ بِصَاحِبِهَا، أَمَا يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَوْ لا يَزَالَ لَهُ مَنْ يُذَكِّرُ بِهِ؟ ) فانظر ايها القارىء في عظيم خلق الله وملوكته وكيف أن العرش العظيم الضخم محمول بقدرة الله وهو آية من آيات الله الدالة على عظيم قدرته، وأنه لا يسكن الأماكن ولا يحتاج للشىء تبارك الله الخالق العظيم الأول قبل كل شىء .