الوضوء ونواقضهُ والتَيمّم

الوضوء ونواقضهُ والتَيمّم

قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 

هذه الآية الكريمة بينت طريقة الوضوء الصحيحة التي أمر الله بها في  القرءان الكريم لصحة الصلاة فيجب إتباعها، ويُزاد على هذه الأركان النية عند غسل الوجه لقوله صلى الله عليه وسلم: إنمّا الأعمالُ بالنيات، والترتيب في الأركان بحيث لا يُقدِم عضواً على غيره بل على الترتيب المذكور في الآية  لقوله صلى الله عليه وسلم: ابدأو بما بَدءَ الله به فتلك ستة أركان لا بُد منها لصحة الوضوء ومن أراد الإيتيان بالأركان مع السنن فعليه أن يفعل الآتي:

غَسلُ الكفّين ثلاث مرات مع قول بسم الله واستعمال السواك في الأسنان و مضمضة الفم وتكون بإدخال الماء بواسطة اليد اليمنى إلى الفم ثمّ إخراجه أو بلعه ثلاث مرات، وإدخال الماء إلى الأنف بواسطة اليد اليمنى واستنشاقه ثم إخراجه ثلاث مرات.

وغَسلُ الوجه مع النية من بداية منبت الشعر إلى أسفل الذقن وبالعرض من الأذن إلى الأذن ثلاث مرات وتكون النية بالقلب مع غسل الوجه، وغسل اليدين مع المرفقين (المرفق في اليد هو المفصل الجامع لعظمي العَضُد والذراع) ثلاث مرات، والبَدء باليمين ثم اليسرى في سائر الأعضاء، والمسح على الرأس مرة واحدة لجميع الرأس، ومسح الأذنين مرّةً واحدة ظاهرهما وباطنها، وغسل الرجلين حتى الكعبين ثلاث مرات (والكعبين هما العظمان الناتئتان على جوانب القدم)، وتخليلُ أصابع اليدين أي إمرارُ الماء بين الأصابع للتّأكد من وصوله بإدخل أصابع اليدين بين بعضها البعض بالتشبيك، وفي الرجلين يدخل خنصر يده اليسرى بين أصابع القدمين يبتدء بخنصر رجله اليمنى من أسفل حتى يصل إلى إبهامها، ثم يبدأ بإبهام الرجِلِ اليُسرى خاتمًا بخنصرها، وذلك لزيادة التأكد من وصول الماء بين الأصابع.

كما يُسنُ التقليل من الماء ولو كان على ماءٍ كثير إتباع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ويسن الدعاء عقب لاوضوء ومن الأدعية التي تقال بعد إتمام الوضوء أشهدُ أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأنّ محمداًعبده ورسوله، اللهمَّ اجعلني من التوابينَ واجعلني من المتطهرين فمن ترك سُنن الوضوء صح وضوءهُ لكن فاتَهُ الأجر الكبير، ففي عمل السنن كلها مع الأركان الثواب العظيم.

وُيْشَترط لذلك كله أن يكون المتوضئ مسلماً عاقلاً مميِّزاً أي بلغَ من العمر سناً يفهم فيه بعض الأمور كابن سبع أو ثمان سنوات ونحوه، فلا يصحُ وضوء لمن لا يميز كابنِ سنتين ، وأن يكون الماء طاهر غير نجس، والماء الطهور هو الطاهر المطهر وهو الماء الباقي على خِلقَتهِ التي خَلقهُ الله عليها كماء البحار والأنهار والينابيع والأبار والمطر وماء الثلج والبَرَد، ولم يتغير لونه أو طعمه أو ريحه بشيء خالطه تغيراً فاحشاً كالشاي ومثله، وأن يكونَ الماء يسيل ويجري على العضو المغسول بطبعه بخلاف المَسح فلا يجزءُ المسح على غير الرأس والأذنين والخفين، وأن يُزيلَ المتوضئ قبل الوضوء ما يمنع وصول الماء إلى بشرته وما عليها من شعر وظفر، كالطين والعجين والشمع والطلاء ونحوه، فيجب على المرأة أن تزيل طلاء الأظْفار قبل الوضوء، لأنَّ لها حجماً يَمنع وصولَ الماء الى العضو المغسول، أمَّا الحِنَّاءُ فلا يؤثِّر على الغُسْل ولا على الوضوء لأنَّه لا يَمنعُ من وصول الماء إلى البشرة ومثله الحِبْرُ وما شابَهه من الصِباغ والألوان.

ويصحُ المَسح على الخفين بَدل غسل القدمين، والخُفُ هو ما يُلبسُ في الرجل ويكون ساتراً لمحل غسلها في الوضوء، ويشترط للمسح على الخفين أن يكونا لَبِسَهما على طهارة كاملة وأن يكون الخفين طاهرين يمكن المشي عليهما بلا نعل ، وأن يكون مانعاً لنفوذ الماء وأن يكون مسحهما في الحدث الأصغر لا في الجنابة أو ما يوجب الغسل، ويَمسحُ المُقيم يوم وليلة، وثلاثة أيامٍ بلياليها للمُسافر، وتعتبرُ المدة من وقت الحدث ، وينقض الوضوء ويبطله ما يَخرج من السّبيلين أي من الذكر والفرج ومن مخرج الغائط أي الدُبر، سَواءً أكانَ قليلاً أم كثيراً معتادأ كالبول والغائط والريح أو غير معتاد كالدودِ والحصى وذلك لقوله تعالى: أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ وزوال العقل سواءً أكانَ بجنون أو بسكر أو إغماءٍ أو نومٍ وذلك لقوله صلّى الله عليه وسلّم العينُ وكاءُ السّه، فمن نام فليتوضأ معناه العينين مثل رباط القُربَة لو انفك تفلت ما في القُربة، هذا إنّ لم يكن النّوم من جالس ممكن مقعده بحيث يأمنُ خروجَ الريح كالذي ينامُ على الكرسي في السيارة أو في الطائرة وهو مثبت مقعدته على الكرسي ويستيقظ على هذه الحال فلا ينتقض وضوءه، وإلا لو نام جالساً واستيقظ مستلقياً بَطَلَ وضوئه، وذلك لقول أنسٍ رضى الله عنه: كانَ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامونَ ثمّ يصلون ولا يتوضؤون والمقصود هنا أنّهم ينامون وهم جالسون في انتظار الصّلاة.

ويبطل الوضوء أيضاَ مسّ القُبل أو حلقة الدبرلآدمي لا لبهيمة باليد من باطن الكف بلمس الجلد بالجلد، وهذا لقوله صلّى الله عليه وسلّم: من مسّ فرجه فليتوضّأ ولمس الرّجل لبشرة المرأة التى في سن تشتهى به وليست هي من محارمه  بلا حائل ، وذلك لقول الله تعالى: أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ، ومن إنتقض وضوءه يحرم عليه الصلاة سواء كانت فرضاً أو سنة أو جنازة فلا يصح له صلاة إلا بعد أن يتوضأ، والطواف بالكعبة، سواء بحج أو عمرة أو غيره، وكذا حمل المصحف ومسه فلا يجوز له أن يحمل المصحف ولو بحائل، ولا يجوز له أن يمسَهُ، أى لا يجوز له مَسُ الكلام ولا الحاشية ولا الجلد المتصل به، إلا لضرورة كرفعه من مكان مستقذر أو نحوه، ويمّكنُ من حمل المصحف بلا وضوء الصبىّ والصبية اللذين ميزا إذا كانا يدرسان فى المصحف، فإذا كان الصبى يريد أن يأخذه إلى عند الأستاذ الذى يدرسه أو إذا كان يحمله ليدرس فيه وهو على غير وضوء يمكن من ذلك، لأن الصبى إذا شرطت عليه كلما انتقض وضوءه أن يتوضأ لأجل الدراسة فى المصحف قد يشق عليه ويترك الدراسة فبسبب ذلك خفـف فى أمره.

ولا يجوز الطلب لمن هو دون سن التميـز إن كان على غير وضوء أن يحمل المصحف ليأتى به إلى والده أو جدته أو نحوهما. وفي الآية المذكورة أعلاه ذكر التيمّم وهو عبادة تبيح الصلاة في حال عدم وجود الماء أو كان الماء يَضرُ المصلىّ، ويكون التيمّم بأن يَضرب من أراد التيمّم التّرابَ ضربتين بكفيه مع نية بالقلب لأسباحة الصلاة، ثمّ يَمسح المُتيمّم وجههُ بكفّيهِ، ثم يَضرب التّراب بكفيّه ضربةً أُخرى، ثم يمسحُ يده اليمنى باطناً وظاهراً بيده اليُسرى، ويَمسح يده اليُسرى باطناً وظاهراً بيده اليُمنى، ويكون حدّ المسح لليدين إلى المِرفقين، والتيمّم يكون بعد دخول وقت الصلاة فلا يتيمّم للمغرب قبل مغيب الشمس مثلا، وبعد إزالة النجاسة، ويكون التيمّم بترابٍ خالصٍ طهور له غبار فلا يصح التيمّم بالوسائد والأغطية والحديد والخشب كما يحصل من البعض، فترى من يتيمّم وهو في الطائرة مع وجود الماء ومن الكرسي مثلاً فهذا لا أصلَ له ولا يصح.

والله تعالى أعلم وأحكم.