الصفا والمروة من شعائر الله

أعمال الحج التي أدَّاها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ،وأمرنا باتباعه بها بقوله صلى الله عليه وسلم:( خذوا عني مناسكاكم ) لم تتغير بتطاول الزمان، ولم تختلف بتعاقب الحكام والملوك والدول، والمسلمون يؤدونها جيلاً بعد جيل مجتهدين أن تكون كما أدائها النبيّ صلى الله عليه وسلم ومن بعده أصحابه والتابعين ومن أخذ عنهم إلى يومنا هذا، مُعَظِمين لحرمات الله مُتتابعين على المناسك كما أمر الله من طوافٍ ووقوف وسعي وغير ذلك قال الله تعالى:﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ الله فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ومن أركان الحج عبادة السعي بين الصفا والمروة وله شروطه ومبطلاته كسائر العبادات، والصفا والمروة  هما جبلين على جانب المسجد الحرام لهما مكانتهما وشأنهما وشرفهما فقد ذكرهما الله في القرءان بقوله :﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ وفي حديث جابر رضي الله عنه يصف حجَّة النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فَبَدَأَ بِالصَّفَا، فَرَقِيَ عليه، حتى رَأَى الْبَيْتَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَوَحَّدَ الله وَكَبَّرَهُ وقال: ((لا إِلَهَ إلا الله، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وهو على كل شَيْءٍ قَدِيرٌ، لا إِلَهَ إلا الله وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ)). ثُمَّ دَعَا بين ذلك، قال مِثْلَ هذا ثَلاثَ مَرَّاتٍ"، رواه مسلم، وفعل النبيّ في السعي بين الصفا والمروة كما فعلت قبله هاجر أم اسماعيل عليه السلام حين تركها الخليل ووليدها بمكة، وهي وادٍ غير ذي زَرْعٍ قال ابن عباس رضي الله عنهما يحكي قصتها وهي تبحث عن الماء لرضيعها العطشان: (( فَوَجَدَتْ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ في الأرض يَلِيهَا، فَقَامَتْ عليه، ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْ الْوَادِيَ، تَنْظُرُ: هل تَرَى أَحَدًا؟! فلم تَرَ أَحَدًا، فَهَبَطَتْ من الصَّفَا، حتى إذا بَلَغَتْ الْوَادِيَ رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا، ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الْإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ حتى جَاوَزَتْ الْوَادِيَ، ثُمَّ أَتَتْ الْمَرْوَةَ، فَقَامَتْ عليها وَنَظَرَتْ: هل تَرَى أَحَدًا؟! فلم تَرَ أَحَدًا. فَفَعَلَتْ ذلك سَبْعَ مَرَّاتٍ))، قال ابن عَباس رضي الله عنهما: قال النبي صلى الله عليه وسلم:(( فَذَلِكَ سَعْيُ الناس بَيْنَهُمَا ))" رواه البخاري فكان السعي شعيرةً من شعائر الله تعالى، قام بها أهلُ التوحيد وسنَّةً سنَّها رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم تعظيمًا لله تعالى، وإقامةً لشعائره، واقتداءً بالنبي عليهم السلام حتى كان السعي ركنًا من أركان الحجِّ والعمرة، فحَرِيٌّ بالسَّاعي أن يستشعر هذه المعاني العظيمة ويتذكَّر ما جرى في المَسْعى وعلى الصفا والمروة من أحداثٍ عظيمة قام بها الموحِّدون تعظيمًا لله، والسعي بين الصفا والمروة لا يلزمه طهارة ولكن لا بد أن يكون بعد طواف ويشترط فيه ستر العورة وأن يكون سبعاً بدأ من الصفا وإنتهاء بالمروة ضمن حدود المسعى الذي هو بين الجبلين فقط لا خارج عن ما بين الجبيلين، فالمسلمون الحجاج والمعتمرون منذ قرون من عصر النبي الى يومنا يتوافدون ويسعون تقربا الى الله بين الجبلين حتى جاء في عصرنا من يضلل الناس عن مكان المسعى الحقيقي بحجة التوسعة على الناس وتخفيف الزحام ، فخرجوا بالتوسعة عن حدود ما بين الجبلين إلى أرض ليست بين الصفا والمروة، غير آبهين بحكم الشرع ولا بأقوال أهل العلم القدماء ولا المعاصرين، ولا بفعل الملاين من المسلمين، وهمهم في ذلك الشهرة والثناء من الناس وبحجة التيسير وهل اليسر في الدين هو الخروج عن الحكم المنصوص عليه في القرءان والحديث!! ولا ندري لعلنا نرى من يأتي ويعبث بالمناسك فيقول للناس قفوا في غير أرض عرفة للتيسير والتوسعة والراحة ! سبحانك هذا بهتان عظيم . ولقد كتب الكثيرون من أهل الفضل والعلم الردود التى فيها البراهين على فساد السعي في المكان الذي استحدث في عصرنا وسموه المسعى، ثم الزحمة ليست عذرا لتغير المناسك ولا لتبديله فانًّ الناس قد يزدحمون في الصلاة فهل يُباح لهم تعمد الإنحراف عن القبلة ليسجدوا إلى غيرها...؟! بحجة الزحمة والتيسير!! وكم حَجَ ملاين من المسلمين قبل التوسعة الخاطئة ولم يجدوا مانعاً لهم من إتمام السعي، ولو قلنا بضيق المسعى فما المانع من بناء طابقِ فوقَ طابق كما هو الحال في المطاف بناء على القاعدة المعروفة بأنَّ هواءَ المكان تابعٌ له، فالحدود الشرعية لجبل الصفا ولجبل المروة هي ما كانت في حدود المسعى القديم الذي تعاقبت عليه أجيال وأجيال هذا هو المسعى مكان اداء عبادة السعي في الحج والعمرة فلا يُزاد عليه ما ليس منه لأنه مَشعرٌ محددٌ من قبل الشرع لنوع من العبادات لا يزاد فيه إلا بدليل من الكتاب والسنة ، فالسعى مثل الطواف والوقوف بعرفة ورمى الجمار، أمور خُصِصت بأماكن محددة بحكم الشرع لا دخل للناس في تحديدها، توقيفية لا مجال لتبديلها لا بقياس ولا باجتهاد. والعبادات فرائضها ونوافلها لا تكون إلا تبعاً لما جاءَ به النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فمن أرادَ السعى المَقبول فليسعى بالمَسعى القديم أو يَلزم الناحية المجاروة للمسجد ليسعى بينَ الصفا والمروة لا لليسعى في خارج حدود الجبلين فلا تصح عبادته ، والحاجُّ حين يَسعى بين الصفا والمروة، ويَمشي هذه المَسافة مع ما هو فيه من تعب البدن، وزحام المكان، وحرِ البلاد لا يفعل ذلك رياضةً أو تسليةً ، وإنما يفعله قُربَةً لله تعالى ، وأداءً لشعيرةٍ من شعائرهِ ، وإتمامًا للنُسك حجاً كانَ أو عمرة ، والساعي يشتدُ سَعيهُ بين العَلَمين الأخضرين المُضائين بنورِ أخضر في عصرنا بالهرولة اقتداءً بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وتطبيقًا واتباعاً لسنة النبيّ صلى الله عليه وسلم .

وفقَ الله الحجاج والمعتمرين لسعى مقبولٍ مشكور موافقٍ لما جاء به النبيُّ صلى الله عليه وسلم. وليُعلم أنَّ ما استُحدِث من التوسعة الى خارج حدود المسعى لا تصلحه الايام ولا يثبته الظلام فسيبقى في نفوس المسلمين أنه باطلٌ فاسد خارج عن الحدِّ الشريعي لم يُراعَ فيه حكم الشرع ولا حرمَة النسك..

الله نرجوا أن يُصلحَ الحال ويعود المسعى لما كان عليه من الصواب.