الذهب

حصل في زمن النبي عليه وسلم قصة جاء فيها بيان حرمة الذهب على الرجال وهو عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِ رَجُلٍ، فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ، وَقَالَ:( يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ)، فَقِيلَ لِلرَّجُلِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(خُذْ خَاتِمَكَ انْتَفِعْ بِهِ، قَالَ: لَا وَاللهِ، لَا آخُذُهُ أَبَدًا وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَهذا الحديث فيه من الفوائد أن النبيّ صلى الله عليه وسلم نزع الخاتم من يد الرجل ليعلم الناس أن لبس الذهب حرام على الرجال مطلقا، سواء كان خاتماً أو قلادة أو غيره، وخرج بالرجل المرأة فيجوز لها لبس الذهب مطلقًا سواء كان حلي أو ثوباً أو غيره ما لم يكن للفخر والبطر. وأما الرجال فمحرم عليهم لبس الذهب وذلك لحديث أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لِإِنَاثِ أُمَّتِي وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهِا) رواه أحمد والنسائي والترمذي. والحكمة من تحريم لبس الذهب للرجال أنَّ الذهب معروف عند طبقات الناس كلهم فإذا رأى الفقير رجلاً يلبسه ينكسر خاطره، بخلاف غيرها من الأحجار والجواهر الثمينة التي لا يعرف قيمتها كثير من الفقراء، ومن الفوائد التي في هذا الحديث ما ذكره الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم فقال: "فيه إزالة المنكر باليد لمن قدر عليه وأما قوله صلى الله عليه وسلم حين نزعه من يد الرجل يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده ففيه تصريح بأن النهي عن خاتم الذهب للتحريم كما سبق. وأما قول صاحب هذا الخاتم حين قالوا له: خذه لا آخذه، وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففيه المبالغة في امتثال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، واجتناب نهيه، وعدم الترخص فيه بالتأويلات الضعيفة. ثم إن هذا الرجل إنما ترك الخاتم على سبيل الإباحة لمن أراد أخذه من الفقراء وغيرهم، وحينئذ يجوز أخذه لمن شاء، فإذا أخذه جاز تصرفه فيه. ولو كان صاحبه أخذه لم يحرم عليه الأخذ والتصرف فيه بالبيع وغيره، ولكن تورع عن أخذه وأراد الصدقة به على من يحتاج إليه، لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم ينهه عن التصرف فيه بكل وجه، وإنما نهاه عن لبسه، وبقي ما سواه من تصرفه على الإباحة انتهى كلام النووي. وفي فتح الباري شرح صحيح البخاري، قال ابن حجر: وقد أخرج أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن حبان والحاكم، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ حريراً وذهباً فقال: (هَذَانِ حَرَامَانِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لإناثهم) فهذه الأحاديث صريحة وظاهرة في بيان تحريم خاتم الذهب على الذكور لمجرد اللبس، ومثل الخاتم في اللباس الساعة وأزرارُ القمص والقلائد والثوب المذهب فحرام على الرجال بالإجماع، وحلال على النساء باتفاق وإجماع علماء الأمة ولا عبرة بما شذ به المدعو ناصر الألباني وخالف الإجماع من السلف والخلف على جواز لبس النساء الذهب المُحَلق كالخاتم والسوار والقرط ونحوه، فقد قال الألباني زوراً وشذوذاً بتحريم ذلك على النساء وذلك في كتابه آداب الزفاف [ص 132] قال: والنساء يشتركنَّ مع الرجال في تحريم خاتم الذهب عليهنَّ ومثله السوار والطوق من الذهب". وما قاله الألباني مخالف لحديث أبي داوود والترمذي وغيرهم وفيه: أَنَّ امْرَأَتَيْنِ أَتَتَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي أَيْدِيهِمَا سُوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهُمَا:( أَتُؤَدِّيَانِ زَكَاتَهُ؟، قَالَتَا: لاَ، قَالَ: فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتُحِبَّانِ أَنْ يُسَوِّرَكُمَا اللَّهُ بِسُوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ؟، قَالَتَا: لاَ، قَالَ: فَأَدِّيَا زَكَاتَهُ). فلم يقل لهما النبيّ حرامٌ عليكنَّ لبسهُ وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يسكت عن منكر، بل أمرهما بزكاته فقط، وممن ذكر الإجماع على جواز التحلي بالذهب للمرأة النووي في شرح صحيح مسلم وفي المهذب، وابن دقيق والحافظ ابن حجر وغيرهم. والألباني ليس مجتهداً ولا محدثاً ولا من أهل العلم فلا عبرة بكلامه عند أهل العلم. وكما يحرمُ لبس الذهب للرجال يحرم استعمال أواني الذهب والفضة للرجال والنساء عامة، وكذا اتخاذ هذه الأواني، فأما الاستعمال فهو بالأكل في أواني الذهب والفضة كالصحون والملاعق والسكاكين وما يوضع به الطعام أو يطبخ به ونحوها، وكذا يحرم الشرب بكوب وفنجان وما شابهه من ذهب أو فضة وكذا ما يستعمل لغير الأكل من الذهب والفضة كقلم وسُبحة وحمالة مفاتيح وهاتف وكرسي وحتى المكحلة وقارورة العطر ووعاء الماء من ذهب ونحوه فحرام استعماله. ويحرم أيضاً اتخاذ الأواني الذهبية ولو بلا استعمال كأن اتخذها زينة في البيت أو للقنيَة للمستقبل حتى تباع وينتفع بها فانه حرام وإذا كان اتخاذها فخراً وبطرا فهو أشد إثما كالذين يضعونها في خزائن زجاجية للفخر والبطر فحرام اتخاذها ول من غير استعمال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الذي يأكلُ ويشربُ في ءانيةِ الذهب والفضة إنما يُجَرْجِر في بطنهِ نارَ جهنم رواه مسلم، ويستثنى إذا كان الاستعمال للضرورة فإنه يجوز كالتداوي بالذهب، وكذا يجوز تركيب سنٍ من ذهب لمن قُلِعَ سِنهُ أو أسنان مع ما يشد بها من الذهب، وكذا لو استعمل الذهب في عضو من الجسم كأنف أو جزء منه فجائز. وأما ما يطلق عليه في أيامنا أنه مُذهب كقلم عليه من الذهب شيٌ قليل أو ساعة أو هاتف أو نحوه طلى بالذهب طلاءً رقيقاً، فالحكم فيه أنه إن كان طلاء الذهب خفيفاً بحيث لو عُرضَ على الصائغ الذي يصنع الذهب لا يمكنه نزعُ الطلاء عنه فيجوز، كقشر رقيق ممزوج مع الطلاء بشيء خفيف من الذهب لا يتقطر منه ولا ينفصل عنه بالنار ولا بغيرها فيجوز، فما كتب عليه أنه مطلي بالذهب وكان خفيفاً كبعض الصحون والملاعق والساعات فجائز استعماله، أما لو كان فيه كمية من الذهب كقطعة من الذهب في الساعة فحرام، أو نظارة مصنوعة جوانبها من الذهب فحرام، ولا يحرم ما كان من جواهر نفيسة كاللؤلؤ والياقوت إلا إن كان للكبر والفخر. ويحرم بيع الذهب بالذهب إلا إن كان مساوياً بالوزن وبالتقابض وذلك لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ رواه مسلم، فما يفعله البعض في أيامنا من أنهم يريدون استبدال ذهب باخر جديد فيقولون للصائغ نشترى منك هذا الذهب بهذا الذهب مع عدم تساوٍ في الوزن فهو من الربا المحرم وسواء كان مكسوراً مقابل صحيح أو قديماً مع جديد لا بُد فيه من تساوى في الوزن والتقابض، والطريقة الصحيحة أن يقال للصائغ نبيعك هذا الذهب أولاً بعقد وصفقة منفردة ثم نشترى منك الجديد بعدها بصفقة منفردة وذلك للخلاص من الوقوع في الربا المحرم وهو بيع الذهب بالذهب متفاضلاً، ولما كان الذهب يستخدم من قديم الزمان ويرغب به للزينة والمال ونحوه ذكر الله تعالى الذهب في القران وأنه زينة يرغب الناس بها ومن شهوات الدنيا فقال تعالى:( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) والذهب يبقى على مر الزمان المعدن الغالي الثمن حتى ضرب الله به المثل عن حال الكافر يوم القيامة فقال:( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ )، وفي القران أيضاً ذكر الذين يكنزون الذهب ولا يخرجون الزكاة الواجبة بالوعيد الشديد في نار جهنم قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يحمى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ. وأخبر الله في القران العظيم أن عباده في الجنة يحلونَّ بالذهب تكريماً لهم ونعمة من الله تعالى عليهم قال تعالى: ( أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا )، وفي الجنة يطاف على أهلها بصحائف الذهب تنعماً وتلذذاً قال تعالى:( يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ). الله تعالى أعلم وأحكم.