شرح حديث كل سلامى من الناس عليه صدقة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم :"كُلُّ سُلَامَى مِنْ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ تَعْدِلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَبِكُلِّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ". رَوَاهُ الْبُخَارِي

)كُلُّ سُلَامَى) بضمِّ السين وتخفيف اللام وجمعه سُلَامَيَات بفتح الميم وهى المَفاصل والأعضاء وهى ثلاثُمِائةٍ وستون كما ثبت في صحيحِ مسلمٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( خَلَقَ اللهُ ابنَ ءادمَ على ستينَ وثلاثِمِائَةِ مفصلٍ فمن ذكر اللهَ وحمِدَاللهَ وهلل اللهَ وسبَّحَ اللهَ وعَزَلَ حجرًا عن طريق المسلمينَ أو عزَلَ شوكةً أو عزَلَ عظمًا أو أمر بمعروفٍ أو نهى عن منكر عدد تلك الستين والثلاثمائة السُّلامَى أمسَى مِنْ يومِهِ وقد زحزحَ نفسَهُ عنِ النار )اهـ وعند البزار وغيره (على كلِّ مِيسَمٍ من الإنسانِ صدقةٌ )اهـ والمِيسَمُ العضْوُ مأخوذٌ من الوسْمِ وهو العلامة إذ ما من عظمٍ ولا عرقٍ ولا عَصَبٍ إلا وعليه أثرُ صُنعِ اللهِ عزَّ وجلَّ (مِنَ النَّاسِ) مِنْ للتَّبْعِيضِ وقولُهُ مِنَ الناسِ صفةٌ للمبتدأ كُلُّ (عَلَيْهِ صَدَقَةٌ) شبهُ الجملةِ خبرُ المبتدأ صدقةٌ والمعنى على كل واحدٍ بعددِ كلِّ مِفْصلٍ أو عضوٍ صدقةٌ فاللائق بالعبد أن يشكر الله تعالى بأن جَعل في عظامه مفاصلَ يقدر بها على القَبْضِ والبَسْطِ ومَنَّ عليه بسلامَتِها وبقائِها ودَفْعِ البلاءِ عنها فهذه النِّعَمُ مِمَّا يُسْألُ الإنسانُ عن شكرها يومَ القيامةِ كما قال تعالى ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عنِ النَّعِيمِ﴾ وروَى الترمذي وابنُ حِبَّانَ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال إنَّ أولَ ما يُسألُ عنه العبدُ يومَ القيامةِ من النَّعِيمِ فيقال له ألم نصِحَّ لك جسمكَ ونُرْوِكَ منَ الماءِ الباردِ اهـ (كلَّ يومٍ) ظرفٌ لقولِهِ صدقةٌ (تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ) ذكره لبيانِ أنَّ المقصودَ كلُّ يومٍ يعيشُ فيه من أيامِ الدُّنيا لا مطلقُ الوقتِ الذِى قد يكونُ ليلًا أو نهارًا أو مجموعَ أيامٍ وليالٍ (يَعْدِلُ) فيه (بين الاثنينِ) المتخاصِمَيْنِ أو المتحاكمين أو المتهاجرين بِصُلْحٍ جائزٍ لا يُحِلُّ حرامًا ولا يُحَرِّمُ حلالاً (صَدَقَةٌ) بل هي من أفضلِ الصدقاتِ لأنَّ فساد ذات البينِ أي فساد ما بين الناس هي الحالقةُ كما في حديثِ الأدبِ المُفْرَدِ وأحمدَ وأبِى داودَ والترمذي وغيرِهِم أي الطى تَحْلِقُ الدِّينَ (ويُعِينُ الرَّجُلَ) أي جنس الرجل فالمرادُ به النكرةُ (في دابَّتِهِ فَيَحْمِلُهُ عليها) أي يُرْكِبُهُ عليها (أو يَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ) للمُعِينِ وفيه فضلُ إعانةِ الأقاربِ والأباعدِ والأصدقاءِ وغيرهم (والكلمةُ الطيبةُ صدقةٌ) كما سبق الكلام في ذلك (وبكلِّ خَطوةٍ) بفتح الخاء للمرة الواحدة وبضمها اسمٌ لِمَا بين القدمين أي للمسافة بينهما ويجوز الوجهانِ (يَمْشِيهَا) أي يمشِى بها (إلى الصلاةِ) ونحوِها مِنْ سائر الطاعات (صدقةٌ) وفِى حديث مسلمٍ والبيهقي وغيرهما أن بَنِى سَلِمَةَ كانوا في ناحيةٍ مِنَ المدينة فأرادوا أنْ ينتقلوا إلى قرب المسجد فأنزل الله تعالى ﴿إنَّا نَحْنُ نُحْيِى المَوْتَى ونَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وءَاثَارَهُمْ وءَاثَارَهُمْ﴾ أي نكتب آثارهم فدعاهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وقال لهم إنه يُكْتَبُ ءَاثَارُكُمْ أي عدد خطواتكم ثم قرأ عليهم الآيةَ فَتَرَكُوا اهـ وفِى روايةِ مسلمٍ ديارَكُمْ تُكتبْ ءاثارُكُمْ اهـ يَعْنِى الزمُوا ديارَكُمْ ولا تفارقوها فتكثرَ خُطاكم فتكثرَ أجورُكُم (ويُمِيطُ) أي يُزيلُ (الأَذَى) أي ما يُؤْذِى المارَةَ مِنْ نَحْوِ شَوْكٍ أو نجاسةٍ أو حجارةٍ (عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ) وأُخِّرَتْ هذه الخصلةُ لتأخرها عما قبلَهَا لأنها دون ما قبلها كما يَدُلُّ عليه حديث مسلمٍ وابنِ حبانَ وغيرِهِما الإيمانُ بضعٌ وسبعونَ شعبةً أعلاها شهادةُ أن لا إله إلا الله وأدناها إماطةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ اهـ وبالأَوْلَى إماطةُ الظالِمِ مِنْ طريقِ الحَقِّ عِنْدَ الاستطاعةِ. والحديثُ رواه (البخاري ومسلمٌ) وفِى روايةٍ لِمُسْلِمٍ (يُصْبِحُ على كُلِّ سلامى من أحدكم صدقة وأمرٌ بالمعروفِ صَدَقَةٌ ونَهْىٌ عنِ المُنْكَرِ صدقةٌ ويجزئُ عن ذلك ركعتان يركعهما مِنَ الضُّحَى )اهـ والمَعْنَى يَكْفِى مجموعَ هذه الصدقاتِ كُلِّهَا عَنْ هذهِ الأعضاءِ جميعِها ركعتانِ في وقتِ الضُّحَى لأنها تُعْمَلُ بالأعضاءِ كاملة فإذا صلى العبد في طاعة مولاه فقد قام كلُّ رُكْنٍ منه بوظيفتِهِ وأدَّى شُكْرَ نِعْمَتِهِ وفِى حديثِ أحمدَ وأبِى داودَ في الإنسان ثلاثمِائة وستون مِفْصَلاً فعليه أن يتصدق على كل مفصلٍ منه بصدقة قالوا ومَنْ يُطيق ذلك يا نبي اللهِ قال النُّخَاعَةُ في المسجد تدفنها والشيء تنحِّيهِ عنِ الطريقِ فإنْ لم تَجد فركعتان من الضحى تُجْزِئُكَ اهـ وليس مرادُ الحديثِ حَصْرَ أفعالِ الصدقةِ في ما وردتْ به الرواياتُ بل ما ذُكِرَ أمثلةٌ لأفعالِ العبادةِ ولنفعِ الخَلْقِ وهى تنبيهٌ بِمَا ذُكر من الخيرات على أمثالِهَا مِنَ المبراتِ للناس ولِغَيْرِهِمْ وفِى الحديث في كُلِّ كبدٍ رطبةٍ أجرٌ اهـ وقد غفر لبغي بسقيا كلب ولذا وقف الماضون الاوقاف على الطيور وسائر البهائم ، ولكنِ الشكرُ درجتانِ واجبٌ ومندوبٌ فالواجبُ هو أن يأتي بالواجباتِ ويجتنبَ المحرماتِ فلا يستعملُ نِعَمَ اللهِ فِى معصيتِهِ ويُصَرِّحُ بذلك حديثُ أبِى موسَى المُخَرَّجُ في الصَّحِيحينِ فإن لم يفعلْ فليُمْسِكْ عنِ الشَّرِّ فإنه له صدقةٌ اهـ وإنما يكون متجنبا للشرِّ إذا قامَ بالفرائضِ واجتنبَ المَحارمَ قال أبو حازمٍ الزاهدُ وأما مَنْ شَكَرَ بلسانِهِ ولم يَشْكُرْ بجميعِ أعضائه أي اقتصرَ على الشُّكْرِ باللِّسانِ ولم يجتنِبِ المُحَرَّماتِ فَمَثَلُهُ كمَثَلِ رجلٍ له كساءٌ فأخذ بطرفِهِ فلم يلبسه فلم ينفعه ذلك مِنَ البَرْدِ والحرِّ والثلجِ والمَطَرِ اهـ رواه البيهقي في الشُّعَبِ والدرجةُ الثانيةُ هي الشُّكرُ المندُوبُ فهو أن يعملَ العبدُ بعدَ أداءِ الفرائضِ واجتنابِ المحارمِ بنوافلِ الطاعاتِ وهذه درجةُ السابقين المُقَرَّبِينَ وهِىَ التي أرشدَ إليها النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديثِ التِى سبقَ ذِكرها مع العلمِ بأنَّ بعضَ ما ذُكِرَ منَ الأعمالِ واجبٌ على الكفاية كالأمرِ بالمعروفِ والنَّهْىِ عنِ المنكرِ و كاللسعى للصلاةِ عندَ مَنْ يرَى وجوبَ الجماعة.