عيد الأضحى وسننه

العاشر من شهر ذي الحجة هو يوم عيد الأضحى ويوم الحجِّ الأكبر ومن أفضلِ الأيام وأكثرها بركة عند الله تعالى، ومما يتقربُ إلى الله في هذا اليوم المبارك، الحرص على أداء صلاة العيد وحضورها مع المسلمين جماعة، ومن لم يتَسنَّ له الصلاة مع الجماعة يصحُ أن يُصليها في بيته جماعة أو فرادى ، ووقتها من بعد إرتفاع الشمس قدر رمح يوم العيد إلا ما قبلَ الزوال، أي قبل وقت الظهر، وهي ركعتان يُسَنُ أن يُكبرِ في الأولى سبع تكبيرات سوى تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع ، وفي الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرة القيام والركوع والتكبرات تكون قبل البدء بقراءة الفاتحة، ويسن للإمام خطبة بعد الصلاة، ويسنُ في العيد الإغتسال والتنظف من تقليم الظفر ونحوه والتطيب ولبس أحسن الثياب وأجمّلها، ويندب حضور النساء إلى المصلى ليشهدن الخير والبركة مع العناية بالستر والحشمة بالحجاب، لما ثبت في صحيح البخاري ومسلم: (عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَتْ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الْفِطْرِ وَالأَضْحَى الْعَوَاتِقَ وَالْحُيَّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلاةَ وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِحْدَانَا لا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ. قَالَ: لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا) .

ومن أعظم شعائر هذا اليوم ذبح الأضاحي تقربا الى الله تعالى وهي عِبادةٌ عظيمة ثوابها عند الله كثير وسنة مؤكدة دلَّت نصوصُ القرآن وسنّةُ النبي محمّد صلى الله عليه وسلم على مشروعِيّتِها وسنّيتِها، قال الله تعالى:( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)، والنّبيّ صلى الله عليه وسلم حثَّ على الأضحيّة وعملَها وأقرَّ عليها، ففي فضلها يقولُ صلوات الله وسلامه عليه: (مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ عمَلاً أحَبَّ إلى اللهِ مِنْ هراقةِ دَمٍ، وإنَّهُ ليَأْتِي يَوْمَ القِيامَةِ بِقُرُونِها وأظْلافِها وأشْعارِها، وإنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِن اللهِ بِمَكانٍ قَبْلَ أنْ يَقَعَ على الأرْضِ، فَطِيبُوا بِها نَفْسًا)، ومعنى "ليقع من الله بمكان" يريد القبول كما في شرح الترمذي قال العراقي: أرادَ أنَّ الدم وإن شاهده الحاضرون يقع على الأرض فيذهب ولا ينتفع به فإنه محفوظ عند الله لا يضيع أه. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:" أقامَ النّبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة عشرًا يُضحِّي كلَّ عامٍ"، وكان صلى الله عليه وسلم يُعلِنُ هذه الأضحيةَ ويرفَع مِن شأنها، يقول أنس بنُ مالك رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا صلّى يومَ النّحر دعا بكَبشين أقرنين أملَحين، قال أنس: "فرأيتُه واضعًا قدَمَه على صِفاحِهما، يُسمِّي ويكبِّر، ثم ذبحَهما بيدِه صلوات الله وسلامه عليه"، والأضحية سُنّةُ النّبي محمّد صلى الله عليه وسلم وفعل نبي الله إبراهيم عليه السلام، فالمسلم لا يَستخِفَّ بشأنها ولا يقلِّلَ من قدرها، وقد بيَّن لنا النبيّ صلى الله عليه وسلم أحكامَ الأضاحي، فالجِنس الذي منه الأضاحي هي بهيمةُ الأنعام: الإبل والبقر والغنَم، والسنُ المجزِئَ في ذلك كما في حديثه عليه الصلاة والسلام: ( لا تَذبَحوا إلاّ مُسِنّةً، إلا أن يَعسُرَ عليكم فتذبَحوا الجذَعَ من الضّأن)، فدلَّ على أنه لا بُدَّ أن يكون مسِنًّا، وهي في الإبلِ ما تمَّ لهُ خمسُ سنين، وفي البقر ما تمَّ له سنتان، وفي الضّأن الأفضل ما تمَّ له سنة، وفي المَعزِ ما تمَّ له سنتين، ولا بُدَّ أن تكونَ هذه الأضحيةُ خاليةً من العيوب المانِعةِ للإجزاء، ففي حديثِ البَراء أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قامَ فيهم فقال:(أربعٌ لا تُجزئ في الأضاحي: العَوراءُ البيِّن عوَرُها، والمريضَةُ البيِّن مرَضُها، والعَرجَاءُ البيِّن ضلعها، والكَسيرة التي لا تَنقِي). فتبينَ من الحديث أنّ العوراءَ التي البينُ عورُها، إنخسفت عينُها أو نَتأت، فإنها لا تُجزِئُ، ومَن كانت عمياءَ كان أولى في عدَم الإجزَاء، وكذالك المريضةَ وظهَر أثرُ المَرضِ عليها في أكلِها أومشيها أو في شيء من جِلدها، فإنها لا تُجزِئ. وبيّنَ أنَّ العَرجاء التي إستَبَانَ ضِلعُها وتَعجِز عن مُواكَبَةِ الصِّحاح فأنها لا تُجزِئ، والكسيرةَ الهزيلة التي لا مُخَّ فيها فإنها لا تجزئ، وكلّما كانت الأضحية كاملةً في صفاتها كان ذلك أكمَل وأحسن، ووَقتٌ محدَّد، وهو من بعدِ صلاة العيدِ يومِ النحر إلى غروبِ شمس اليوم الثالثَ عشرَ من ذي الحجة، هذه سنّةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيذبَح يومَ النّحر وأيّام التشريق الثلاثة، وإن كان يومُ النحر أفضلَ ، لكنّ المدّةَ مستمرَّة إلى غروبِ شمس يومِ الثالثَ عشر، ولا يجزء التأخُّر عن ذلك ولا التَقدُّم، والنبَيّ صلى الله عليه وسلم خطبَ أصحابَه يومَ النحر فقال:( إنّ أوّلَ شيءٍ نبَدأُ بهِ في يومنَا أنّ نُصلّيَ، ثم نَرجِع فنَنحَر، فمن ذبحَ على ذَلكَ فقد أصَابَ سُنّتَنا، ومن ذَبحَ قَبلَ ذلكَ فهوَ لحمٌ لأهلِهِ)، والسّنَّةُ للمسلمين أن يأكُلوا من أضاحِيهِم ويهدوا ويطعِموا، والسنةُ أن يأكل الثُلث مع أهل بيته، وأن يُهدي الثلث للجيران والأصحاب، وأن يَتصدقَ بالثلثِ على الفقراء ، ولا يجوزُ بيعُ شىءٍ منها ولا إعطاءُ الجزار شىء منها على أنه أجرة بل يعطى كهدية من غير الأجرة . ويكفي أن يذبح الرجل شاة واحدة عنه وعن أهل بيته، ويجوز الإشتراك في الأضحية إذا كانت من الإبل أو البقر، وتجزئُ البقرة أو الجمل عن سبعة أضاحي ، لما ورد عن جابر رضي الله عنه أنه قال: " نحرنا بالحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة". ويصح الإستنابة والتوكيل في ذبح الأضاحي وتفويض الوكيل أو جمعية موثوق بهم ، فعن جابر رضي الله عنه قال: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نحر ثلاثاً وستين بدنة منها بيده، ثم أعطى علياً فنحر...

ويستحب في العيد الجهر بالتكبير بقول الله أكبر الله أكبر.. يبدأ من فجر يوم عرفة إلى غروب شمس اليوم الرابع عشر من ذي الحجة، والتكبير شعيرة عظيمة يرددها المسلمون فراداً وجماعات عقب الصلوات المفروضة ، ومتى تيسر لهم في كلّ أوقاتهم تكبيرات العيد المشهورة بينهم وهي: اللهُ اكبر الله اكبر الله اكبر ، لا إله إلا الله … ألله أكبر الله اكبر الله اكبر ، ولله الحمد .الله اكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان وبحمده بكرة واصيلا ، لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعزَّ جنده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إيّاه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وعلى اصحاب سيدنا محمد وعلى أنصار سيدنا محمد وعلى أزواج سيدنا محمد وعلى ذرية سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيرا. وكلمات التكبير فيها تعظيم لله تعالى ومن معانيها: الله أكبر اي الله أكبر من كل كبير قدراً لا كمية ولا حجماً ، وأنَّ الله له الفضل ومنه النعمة ومنه الخير، فما أروعها من كلمات مباركات. وكما يتأكد في العيد صلة الأرحام وإدخال الفرح على الأهل، ولا بأس بزيارة القبور والدعاء لأموات المسلمين ، ولا وقت لزيارة القبور محدد . نسأل الله تعالى أن يفرج عن الأمة ما نزل بها وأن يُعيدَ علينا العيد بالنصر والعزة والأمان وكل عام وأنتم بخير.