إنتبه إنه رمضان

انتبه إنه رمضان

الله تبارك وتعالى جعل للناس رمضان شهرًا للطاعات وموسمًا للتقرب إلى الله بسائر القربات من صيام وقيام وذكر وقراءة للقرآن واستغفار وصدقة ومراجعة للعلم الديني والتحلي بكل خُلقٍ حسن وخصلة خير. وإنَّ من خصائص شهر رمضان أنه فيه من العبادات المتنوعة لا تُتاح في غيره من الشهور وفيه زيادة الخير والأجر وفيه الليلة العظمى ليلة القدر التى هي أفضل ليالي العام والعبادة فيها خيرٌ من ألف شهر. ومن العادات التى لاينبغي فعلها في رمضان وغيره أن كثير من الناس يفهمون أن رمضان شهر للأكل والشرب والتمتع والسهر، فتراهم يستعدُّون له قبل حلوله ودخوله، وذلك بإعداد أنواع الحلويات والمأكولات وادِّخار بعض الأطعمة، وكأنه قد حل موسم جوع وقَحْط، ويزعم البعض أنَّ الصيام يقطع عنهم أكلهم وشهواتهم في النهار، فتراهم إذا جاء الليل ملؤوا الموائد بأنواع المأكولات وألذ المشروبات، فيجعلون ليالي الصيام للمزيد من الإستهلاك والإسراف والنَّهَم والشَّرَه والتنعم والترف، بل يزيد ذلك بشاعة أن البعض يكثر من أنواع المأكولات على مائدة رمضان بما يزيد عن حاجة المدعوين ثم بعد ذلك يتلفونه ويرمونه بحجة أن في اليوم ثاني يأكلون غيره وهذه فيه من الحرمة إتلاف المال بغير حق وفيه تفريط بهدف الصيام وهو الشعور مع الفقراء وأهل الحاجات الذين لايجدون ما يتقوتونه لا أن ترمى الحلويات والمأكولات في الزبالة ولا يسرف في الإنفاق على الطعام ثم يذهب هباء، فليترك الصائمون هذه الخصلة القبيحة وليقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فلم تكن موائدهم تذخر بالأطباق ولم يكن من شرعه صلى الله عليه وسلم رمي الطعام الجيد الذي لايضر أكله في المزابل وليكن على ذكر أن من الناس  في بعض البلاد يشتهون ما ترمونه في المزابل..!، 

فرمضان تذكير بنعم الله عليك لا إسراف وتلف لما أعطاك الله بغير وجوه المنفعة، بل على العكس من ذلك فرمضان شهر الإقتصاد والتقلل والزهد والتقشف وترشيد النفقات والإكتفاء بالضروريات دون الكماليات ليجعل الزيادة في أبواب الخير والبر والصدقة، ورمضان شهر البركات وشهر ملء القلوب  بنور القرءان والتضرع الى الله ، لا شهر تخمة للأبدان والأجساد، يقول الله عز وجل:(( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ))، والتقلل من الزيادة على الضروري وترك الترفه والتنعم سنة نبوية عاش عليها الرسول صلى الله عليه وسلم ومات عليها وأوصى بها أمته وكذلك كان الرسل الكرام من قبله صلوات الله عليهم أجمعين، لم يكونوا  غارقين بالنعم بل اخذو الضروري وزهدوا بما تبقى   والتقلل من التنعم فيه إمساك على زمام النفس لكيلا تجتلبها المغريات والشهوات، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم  سيد هذه المنزلة أوصى بالتقلل حتى يكتفي المؤمن في خاصة نفسه بمثل زاد الراكب، قال الرسول عليه الصلاة والسلام: ما ملأ آدمي وعاء شرًّا من بطن، بحسْب ابن آدم أكلات يقمن صُلْبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفَسه، وأمر آخر يصدر من البعض وهو أشد العادات بشاعة وأكثرها إثماً وهو أنَّ البعض يَغضَبون في رمضان وأحياناً لأتفه الأسباب، فيسبُّون ويشتمون ويقولون فُحْشًا وقُبْحًا ومُنكرًا من القول وزورًا، ويتراشقون بالكلام الساقط، ويتشاجرون ويتخاصمون، ويخرج من أفواه بعضهم كلام منه ما هو بدرجة الحرام والمعصية الكبيرة ومنه ما هو أشد من ذلك فقد يُخرج من الملة إلى الكفر، كسبّ الدين أو الرب سبحانه أو يسب ويشتم الصيام أو رمضان أو الإستهزاء بالصيام ولأنَّ الصيام شعيرة من شعائر الدين وأمر حسنه الله في القرآن الكريم فمن إستخف بالصوم أو شتم الشهر الفضيل يكون إستخف بما عظم الله تعالى وأستهزء بما أمر الله تعالى ولو مازحاً لأنه من المعلوم عند المسلمين أن المِزاح  والهزل لايخلصُ صاحبه من الوقوع في الكفر والعياذ بالله تعالى وقد نص الفقهاء الإسلاميون على أن من وقع في الكفر أثناء الصيام فسد صومه وعليه على الفور العود إلى الإسلام والنطق بالشهادتين وقضاء هذا اليوم بعد رمضان، فليُتنَبه لهذا وهو سلوك يتنافى مع هذا الشهر الكريم ومكانته، ومع ما هو مطلوب منا فيه من إمساك اللسان عن اللغو والفحش وصون له عن البذاءة والصَّخَب فضلا عن إمساكه عن الكفريات وألفاظ الردة.

يقول الله تعالى في الحديث القدسي عن الصيام: فإنهُ ليّ وأنا أَجْزي به معناه الصيام فيه شدة إخلاص العبادة لله والطاعة له، وفي الحديث النبوي الشريف أنَّ الصيام جُنّة (أي وقاية ومنع) وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفُث ولا يصْخَب، فإنَّ سَابّه أحدٌ أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم متفق عليه، وفي رواية: فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم.

فينبغي للصائم أن يمسك لسانه عن القول الذي لا يرضي الله، وليكن عفُوًّا صفوحًا حليمًا، ولا يعبأ بعبارات الجاهلين الطائشين الغافلين، ولا يستَخِفُّه أصحاب اللسان الآثم فيهلك مع الهالكين. ومن الخصال السيئة ما هو  مشهور عند  الكثير من الناس في رمضان أنه شهر السمر والسهر الذي لا خير فيه إلى ساعات متأخرة من الليل، فدرج بين الكثير أنهم يحيون ليالي رمضان في الملاهي والمقاهي وفي الشوارع والأرصفة، وفي الغفلة والقيل والقال والغيبة والنميمة والخوض في الباطل من القول، وأمام شاشات التلفاز لمشاهدة القنوات الفضائية والإنتقال من واحدة إلى أخرى بحثًا عن أغنية أو منظر أجمل أو متعة أو مسلسل أو فيلم  أو مواضع تسلية والمراد من ذلك تضيع الوقت والفرفشة والترويح عن النفس بعد صيام النهار ولايدري هؤلاء أنهم قد يقعوا بمعاصي أكثر مما فعلوا من الحسنات في النهار بمثل هذه الأفعال ، والفضائيات تنشط وتستعد لرمضان وكأنه شهر الفن والتمثيل فتزدحم القنوات بمناظر وكلمات تجرح حرمة هذا الشهر والأدهي من ذلك والمحزن والمخزي أنَّ الرقص والموسيقى والمجون وكشف العورات  والحث على الرذيلة وقلة الحياء  يعرض ويستغل تحت اسم شهر القرآن والعبادة رمضان الكريم!!

لقد غير هؤلاء ليالي رمضان من ليالي الصلاة والقراءة والذكر والمساجد وحِلق العلم إلى ليالي المسلسلات الهابطة والمسابقات المضيعة لأوقات هذا الشهر الذي ساعاته أغلى من الذهب، فالممثلة التى كانت تعرض مفتانها وتكشف ما أمرت بستره وتمثل أدوار السكيرين والماجنين تأتي لتعرض في رمضان دور المرأة الصالحة العابدة تمثيلا وإرشاداً وبكائاً تمثيلا..!!  زد على ما في الفضائيات من شيوخ صاروا كنجوم هوليود أمطروا الناس بفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان فحرموا ما أحل الله وتكلموا في الدين ما ليس من الدين بشيء وشأن الكثير وسِيمَتهم التمثيل كغيرهم فلا أفادوا العباد ولا نزلت موعظتهم القلوب وركزوا على كلمات ومواضيع الأمة بحاجة إلى ما هو أهم منها فغشوا الناس ولم يتحملوا الأمانة الشرعية ولذلك ترى بعض هؤلاء سنين طويلة يلتزم الفضائيات ولم ينتفع منه أحد بل ملء أسماعهم تطرفاً وتشدداً في غير محله أو ميوعة وانحلالاً وجراءة على الحرام والله المستعان، فليحذر من تلقف العلوم الشرعية من أي كان فإنَّ الأمر دين وحلال وحرام..!! قال الإمام العالم إبن سيرين إن َّهذا العلمَ دينٌ فانظروا عن من تأخذونَ دينكم.

وآخرون من الناس الذين صاموا نهارهم يلجؤون إلى لعب الورق وربما القمار المحرم، الشيء الذي يجعلهم يقعون في الآثام ويعوِّضون سهرهم بالليل بنوم النهار فتراهم متكاسلين مرهقين. وليحذر أيضا من ضيعان الوقت على أجهزة التواصل بما لا خير فيه من نقل الصور والكتابات التى لا خير فيها وإنَّ من الناس من يملىء الصفحات وعظاً وإرشاداً ونصحاً وهو متكاسل عن الصلاة ومن أبعد الناس عما يكتب ويرسل، فاللهمَّ رحمتك بنا من هذه الفتن التى تتوالى علينا .

أيها الصائمون رمضان يشهد في هذا الزمن قلبًا لحقيقته وتشويهًا لصورته وطمساً لبهائه من طرف الذين يعملون على تضليل الناس وإخفاء حقيقته واستبدالها بصورة أخرى بشعة مزيفة، فتراهم يملؤون برنامج هذا الشهر بالسهرات والحفلات والمسرحيات والأفلام ومختلف الفكاهات، وكأن رمضان شرع من أجل ذلك. وتفتح المقاهي والملاهي أبوابها مباشرة بعد الإفطار وعلى مدار الليل لجلب الناس وإتحافهم وإمتاعهم بسهرات رمضان الغنائية المسلية الملهية طلبًا للربح الوفير، ضاربين بعرض الحائط حرمة هذا الشهر الفضيل وأنسه، حيث تختلط أصوات المصلين والمقرئين بأصوات المطربين والفنانين، وهذا تشويه وفهم سقيم للمعاني هذا الشهر العظيم. والأولى للساهرين أن يُشغلوا أنفسهم بذكر الله والإستغفار وقراءة القرآن والإستماع لدروس الوعظ والعلم، ومجالس العلم التي تكثر في رمضان، مما يزيد من فهمهم لأحكام الدين عامة وأحكام وآداب الصيام خاصة.

ألا فليعلم الصائمون أن رمضان إنما جاء ليكون وقاية وصيانة لنا من أخلاق منحطة وعادات قبيحة، ولنترك عادات سيئة ترسخت بالكثيرين طوال السنة، ولنتعود على الصبر والتحمل والبذل والعطاء والإحسان إلى عباد الله مع الإخلاص والإتقان في الأعمال لرضى الله، ولنتزود بالتقوى والزهد والورع، ولينزكي النفوس ونطهرها من لوث الدنيا وشهواتها والإنغماس بملذاتها. هكذا فهم أهل المؤمنون الاتقياء رمضان فصاموه وصانوه وقدروه حق قدره وقيمته، فكانت لهم السعادة والسكينة والراحة والعزة والمجد والسؤدد. وإنَّ ما ذكر من خصال ذميمة يجب تجنبها في رمضان وغيره غير أنَّ الشهر فضيل والأيام مباركة والرغبة للخير أقوى والنصيحة فيه أجدى والله الموفق لكل خير.

اللهم وفقنا للصيام الذي ترضاه، اللهم اجعلنا ممن صام رمضان وحفظ حدوده، وأعتق رقبنا من النار آمين.