إن الدين يسر
إن الدين يسر
الله تبارك وتعالى قال فِي كتابه العزيز: {وَمَا جَعَلَ عَلَيكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} معنى الآية الله ما ضيق عليكم في الدين جعله سهلا، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنَّ الدينَ يُسْرٌ): «معناه الدين فيه سهولة وتيسير المريض له أن يفطر والمسافر يقصر الصلاة والتيمم لمن لا يمكنه استعمال الماء وغير ذلك…، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن مُحرّم الحلال كَمُسْتَحِل الحرام). التحريم اعتقاد الشيء محرمًا في الشرع وعكسه التحليل والعامة تقول لا يحلل ولا يحرم أي لا يبتعد عن الحرام ولا ويفعل الحلال، وليس لأحدٍ أن يقول في شيء: حلال وحرام، إلا بالعلم، ودليل من نصُّ الكتاب والسنَّة، أو الإجماع، أو القياس على هذه الأصول. والحرام يبقى حراما لا تغيره الأسماء والعادات، والحلال والحرام أمر من الله في الشرع ليس من العقل والنظر في الأصل، كثيرًا من الناس فِي هذا العصر يتكلمون فِي الدين فَيُحَرّمونَ ما أحلَّ الله أو يُحِلُّونَ ما حرّم والله تعالى فأمرهم خطير، الله تعالى يحب فِي عبده أن يكون معتدلًا لا يُحَرّمُ شيئًا إلا على وَفْقِ الدليل الشرعيّ ولا يُحِلُّ شيئًا بأن يقول هذا فرضٌ هذا سنةٌ إلَّا استنادًا إلى دليل شرعيّ. ثم إنَّ مما أحلّ الله تعالى لعباده المؤمنين اللهوَ المباحَ (اللهو ما يلتهي وينشغل الإنسان به) ففي الحديث الشريف: (كلُ ما يلهو به المرء المسلم باطل إلا رميَهُ بقوسه وتأديبهُ فرسه وملاعبته أهله)، واللهوُ المباح منه السباحة ومنه تأديب الرجل فرسه، أي: رياضة فرسه ومنه ملاعبته زوجته؛ لأن الله تعالى يحب حسن المعاشرة، كان عبد الله بن عباس رضي الله عنه يقول:( إني أحبُ أن أتزينَ لنسائي كما أحبُ أن يَتَزَيَّنَّ لِي). اهـ. هو الإنسان مطلوب منه أن يُراعيَ خاطر زوجته أن يحسن إليها في تواضع، لا يقول أنا رَجُلُها أنا زوجها كيف أتواضع هِيَ لتتواضع لي هِيَ لِتَكُن ذليلة تحت قدمِي هذا ليس مما يحبه الله تعالى. وما يكون بين الرجل وأهله من الاستئناس وغيره، ثم من اللهو المباح الضرب بالدف والضرب بالطبل إلا الطبل الذي يسمّى الكوبة (دربكة في بلاد الشام)، وهو طرفاه واسعان ووسطه ضيق هذا من بين الطبول حرام أما ما سواه فليس بحرام. ثم من اللَّهو المباح الرقص الذي ليس فيه تثنّ ولا تكسُّر (أي مع أفعال أهل الفسق مثل هز الخصر)، فإن كان فيه تثنّ وتكسّر حرم على الرجال وعلى النساء، ثم إن الرقص الذي يكون بغير تثنّ وتكسر قد يكون برفع قدم واحدة والقفز بالأخرى. فِي حديث رواه ابن حبّان والإمام أحمد فِي مسنده من حديث أنس بن مالك قال: «كانت الحبشة تزفن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون بكلام لهم محمد عبد صالح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يقولون» فقيل: إنهم يقولون: محمد عبد صالح فلم ينكر عليهم.اهـ. هنا الدليل على أنه يجوز اللهو المباح ولو كان مقرونًا بشيء من العبادة كمدح النبيّ صلى الله عليه وسلم ، مدحُ النبيّ صلى الله عليه وسلم عبادة، هؤلاء الحبشة قرنوا بين اللهو المباح وهو الزفّن معروف فِي بلادهم يرفع قدمًا ويقفز بالأخرى هذا نوع من الرقص يقال له: الزفن الحديث فيه جواز أن يقرن بين لهو مباح وقربة إلى الله؛ لأنَّ هذا الزفن لهو مباح ومدح النبيّ صلى الله عليه وسلم قربة إلى الله أيْ عبادةٌ، اللهُ تعالى يحب أن يُمدح نبيُّه صلى الله عليه وسلم أليس من أعظم المدح أن يقال: أشهد أن لا إلـٰه إلا الله وأن محمدًا رسول الله كلمة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعظم المدح فنحن مأمورون بهذا الكلام بأن نقول هذا المدح فإذًا مدح النبيّ عبادة ولو كان مقرونًا بنوع من اللهو كالضرب بالدف أو الزفن هو عبادة يحبها الله. بعض الممقوتين الذين مُسخت قلوبهم فِي مسجد قُباء قال على المنبر يوم الجمعة: لا يجوز تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم كفرَ هذا الرجل الخبيث الكافر لم يستحِ من الله ولا من المؤمنين فتجرأ على هذه الكلمة فقالَ له رجل: كيف تقول هذا والله تعالى يقول:{وَعَزَّرُوهُ} فِي القرآن الكريم {وَعَزَّرُوهُ}، أي: محمدًا، أي: عظموه فقال هذا الخبيث: {وَعَزَّرُوهُ} نصروه قال له: {وَنَصَرُوهُ}، وردت بعد هذه الكلمة، فانقطع فأوهم الناس أنه يريد صلاة النفل السُّنَّة فاستقبل القبلة قال: الله أكبر من شدة خجله؛ لأنه أقام عليه الدليل القرآني. الله أكبر فِي هذا العصر تَسمع كلماتٍ كفريةً غريبةً. هذا تجرأ على الكفر فِي أفضل مسجد بعد مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فِي الحجاز وهو مسجد قباء. الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر. كذلك النساءُ إذا تغنَّيْنَ بكلام ليس بمحرم ولو بحضور الرجال فهو جائز فِي الدين الله ليس حرامًا ومن يقول: إنه حرام فليس معه دليل إنما يتكلم عن هواه فقد روينا فِي سنن ابن ماجه من حديث أنس بن مالك صلى الله عليه وسلم قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض المدينة فإذا جوارٍ يضربنَّ بالدف ويغنين ويقلنَّ:
نحنُ جَوارٍ من بنِي النَجارِ
يا حَبَّذا محمدٌ من جارِ
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهُ يَعْلَمُ إني لأحبكنَّ».اهـ. هذا الحديث حجة فِي جواز تغني النساء مع الضرب بالدف بما هو مدح للرسول صلى الله عليه وسلم والجواري فِي اللغة الفتيات إذا قال لكم قال الجواري البنات الصغار مثل بنات السبع سنوات قولوا له دعواك هذه مردودة فِي كتب اللغة تفسير الجواري بالفتيات الشابات وهذا فِي الطريق كان الرسول صلى الله عليه وسلم يمر ببعض شوارع المدينة فإذا بهؤلاء الفتيات يتغنين ويضربن بالدف ويمدحونه يقلنَّ نحن جوارٍ من بني النجار بنو النجار قبيلة مشهورة من قبائل الأنصار أهل المدينة، أهلُ المدينة الذين آووا رسول الله صلى الله عليه وسلم وءازروه قسم منهم يقال لهم: بنو النجار هؤلاء الفتيات كنَّ يقُلْنَ فِي تلك الساعة نحن جوارٍ، أي: فتيات من بني النجار، أي: نحن منسوبات إلى هذه القبيلة المشهورة التي ءازرتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يا حبذا محمدٌ من جار، معناه: محمد أفضل من يُجَاوَرُ. الرسول صلى الله عليه وسلم ما أنكر عليهنَّ ما قال لهنَّ أنتم فتيات شابات كيف تتغنين وتضربن بالدف وتمدحنني؛ بل قال: «الله يعلم إني لأحبكنَّ»، يعني: هذا تأكيد لجواز هذا الفعل الذي فعلنّه هؤلاء الشابات تأكيد قال: «الله يعلم إني لأحبكنَّ» فبعد هذا إذا قال قائل صوت المرأة عورة لا تلتفتوا لكلامه، لا تلتفتوا لكلامه؛ لأنه قول مخالف لتقرير الرسول صلى الله عليه وسلم هذا إسناده صحيح والحديث الآخر أيضًا باعتبار شواهده الذي فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم رخص للنساء عند إهداء العروس إلى بيت زوجها أن يقلن:
أتَيناَكُم أتيناكم
فحيّونا نُحييكم
وفي لفظٍ فحيّانا وحيّاكم، هذا مرويٌّ وهذا مرويٌّ ذاك أيضًا إسناده بدرجة الحسن. هذا بالنسبة للنساء أما بالنسبة للرجال فقد ثبت فِي ذلك الحديث الذي رويناه أوَّلًا فِي هذا الدرس الذي هو من فعل الحبشة الذي فيه إقرارُ فعل الحبشة الذين مدحوا النبيّ صلى الله عليه وسلم وهم يزفنون فأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اعترض عليهم ما أنكر عليهم. وكذلك كثير من الناس من قلة معرفتهم بعلم الدين يحرمون إذا وُجِدَتْ نساءٌ ورجالٌ فِي مجلس واحد من دون أن يكون ستار ممدود بين الرجال والنساء يحرمون هذا لا سيما بعض من أين لهم هذا، الرسولُ صلى الله عليه وسلم كان يصلي صلاة الجماعة فِي مسجده فِي المقدَّم ثم يليه الرجال ثم النساء من دون أن يكون ساتر ممدود ما كان فِي القديم أيام الرسول صلى الله عليه وسلم يُمَدُّ ساتِرٌ بين صفوف الرجال وصفوف النساء فِي صلاة الجماعة ولا فِي غير صلاة الجماعة. بعض مشايخ سورية عندهم كأنه حرام يعتبرونه حرامًا وليس معهم دليلٌ كيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصلّي فِي المقدَّم ثم يليه الرجال ثم النساء من غير ستار ممدود بين صف الرجال وصف النساء، لا حول ولا قوة إلا بالله لا حول ولا قوة إلا بالله، صار نَظَرُ أكثرِ الناس إلى العادات هذا ينظر إلى عادة بلده وهذا ينظر إلى عادة بلده وهذا ينظر إلى عادة بلده ولا يفكرُ بالدليل إنما يتبعون عادات بلادهم فيحلون ما حرم الله ويحرمون ما أحل الله وكِلا الأمرين هلاك الذي يحرم ما أحل الله هلك والذي يحل ما حرم الله كذلك هلك. والله أعلم وأحكم.