الدنيا دار بلاء
الدنيا دار بلاء
الأحوال لا تثبت على حال، والسعيدُ من لازمَ التقوىإن أبتليَّ جملتهُ، فلازم التقوى وذكرَ الله تعالى في كل حال فإنكَ لا ترى بمشيئة الله في الضيق إلا السعة والراحة، ولا في المرض إلا العافية والشفاء، ولا في الفقر إلى الغنى والقناعة، والمقدور لا حيلةَ في دفعه وردِه فهو كائن آت، وما لم يُقدّر الله لا حيلة في تحصيله جَرىَ القلم بما هو كائنٌ ليوم القيامة، والرضا والتوكل يهونانِ المصائب والبلايا ويورثان الراحة والطمئنية، والله تبارك وتعالى هو له الأمرُ والخلق والتدبير والكلُ تحت مشيئته، وهو أرحمُ الراحمين، ولقد قدرَ الله مقاديرَ الخلائق وآجالهم، وقسمَّ بينهم معايشهم وأموالهم وأحوالهم وآجالهم ، وخلقَ الموت والحياة ليبلوهم أيهُم أحسنُ عملاً.
والإيمانُ بقضاءِ الله وقدره ركنٌ من أركان الإيمان التى أخبر بها النبي عليه الصلاة والسلام ، أنّ تؤمنَ بالقدر خيرهِ وشره، وما في الأرض ولا في السموات ولا في الكون من حركة أو سكون إلا بمشيئة الله تعالى وإرادته تكون، وما في الكون كائنٌ إلابتقدير الله وإيجاده فما شاءَ الله كان وما لم يشأ لم يكن.
والدنيا طافحة مليئة بالأكدار والهموم مطبوعة ٌعلى المشاق والأهوال والمصائب والمحنُ فيها هي كالحر والبرد والهم والغم والمرض لا بُدَّ للعبد منها حيناً بعد حين، قال الله تعالى وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْء مّنَ ٱلْخَوفْ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مّنَ ٱلأمَوَالِ وَٱلأنفُسِ وَٱلثَّمَرٰتِ وَبَشّرِ ٱلصَّـٰبِرِينَ والمصائب محنٌ يُتَـبَينُ بها الصادقُ من الكاذب والصابـرُ من غيره فهي فتـنٌ وبلايا في طياتها نعمٌ وأجور لمنّ صَبر واحتسب، ولا بُدَ من حصول الألم لكل فرد منا، سواءٌ آمنت أم كفرت، والمشاق وركوب الأخطار في الحياة كثير والدنيا لا تصفو ولو صفت لكان الأنبياء أولى بذلك، والمرء يتقلب في زمانه في تحول من النعم واستقبال للمحن فيومٌ هكذا ويومٌ هكذا، نعمٌ تتوالى عليها المصائب والعكر.
هذا نبيُ الله آدم عليه السلام يُخرجُ من الجنة الدارُ البَـهية التى لانكدَ ولا حرَّ ولا بردَ فيها ويبُتلى في الأرض التى فيها التعبُ والنصب ويقتلُ أحدُ ولديه الآخرَ وأيُّ بلاءٍ أشدُ من هذا! فإذا كانَ الأنبياء يبُتلونَ فما دونهم أولىَ بالبلاء . فوطّنْ نفسك على المصائب قبل وقوعها، ليُهنّ عليك وقعها، ولا تجزع بالمصائب واصبر، فللبلايا أمدٌ محدود وإياكَ إياكَ أن تسخط بالمقال، فرُبَ كلمةٍ جرىَ بها اللسان هلكَ بها الإنسان وأودت بصاحبها إلى سخط الله والوقوع بالكفر والعياذ بالله.
والمؤمنُ الحازم يثبت للعظائم، يخفف المصاب على نفسه بوعدِ الأجر وتسهيل الأمر، والصابرونَ مجزيون بخير الثواب عند الله في الآخرة قال الله تعالى وَلَنَجْزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ فلا تضيّع زمانك بهمّك في التفكير بما ضُمنَ لكَ من الرزق وقدر، فما دَامَ الأجلُ باقياً كان الرزق آتيا لا محال، قال الله تعالى وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي ٱلأرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا.
واعلم أن بالابتلاء والمحن والصبر يعظمُ أجر الأبرار في الآخرة، يقول سعدُ بن أبيّ وقاص قلت: يا رسول الله، أيُّ الناس أشدُ بلاء؟ قال الأنبياءُ، ثمَّ الصالحونَ، ثم الأمثلُ فالأمثل، يبُتلىَ الرجلُ على حسب دينه، فإن كانَ في دينه صلابة زيدَ في بلائه، وإنّ كانَ في دينه رقةٌ خففَ عنه، وما يزالُ البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة رواه البخاري.
وطريقُ الابتلاء معبرٌ شاقٌ مرَّ فيه آدم عليه السلام، ورميّ في النار الخليل إبراهيم عليه السلام،وابتلى فيه أيوب عليه السلام بالمرض، وأوذي النبيون وكذا من كان على طريقهم والدنيا ليست دار الجزاء والصفاء بل دار العمل والآخرة دار الجزاء، يقول النبي صلى الله عليه وسلم من يُرد الله بهِ خيراً يُصِب منهُ رواه البخاري.
فتشاغل بما هو أنفعُ لك من حصول ما فاتكَ من رفعِ خللٍ وإصلاح نفس وزيادة في الخيرات، وتلمّح سرعة زوال بليتك تهن عليك، ولا تقنط فتُخذل وتنغم ، وتذكر كثرة نعم الله تعالى عليك في ايامك وماضيك، وادفع عنك الحزن بالرضا والحمد والشكر لله، فالليل وإن طال ينتهي بصبح منفلج، وآخر الهمِّ قد يكون أولُ الفرج واليسر، والدهرُ لا يبقى على حال أبداً، بل كل أمر بعده أمر وهكذا، وما من شدة إلا ستنفرج وستهون، فلن يغلبَ عُسرٌ يُسرين إنَّ مع العسر يسرا إنَّ مع العسر يسرا، وتضرع إلى الله تعالى بالدعاء يأتيكَ الفرج.
هذا يعقوبُ عليه السلام لما فقدَ ولداً وطالَ عليه الأمدُ، لم ييأس من الفرج، ولما أُخد ولده الآخر لم ينقطع أمله من الواحد الأحد، بل قال كما أخبرنا الله في القرءان عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَنِى بِهِمْ جَمِيعًا وكان يردد دعائه الذي فيه ياذا المعروف الذي لاينقطع ولا يُحصيه أحدٌ غيرك فرجّ عني ما أنا فيه ففرج الله كربته ورد له ولده، فداوم على هذا الدعاء تجد فرجاً بعد ضيق ويسراً بعد عسر بأذن الله تعالى.
وربنّا تعالى وحده له الحمد وإليه المشتكى وله الخلق والأمر، فإذا تكالبت عليك الأيام، وأغلقت في وجهك المسالك والدروب وضاقت واستحكمت حلقاتها، فلا ترجُ إلا الله تعالى في رفع مصيبتك ودفع بليتكَ، وإذا ليلةٌ اسود ظلامها ، قلبْ وجهكَ في ظلمات الليل في السمآء محل البركات ومهبط الرحمات ومسكن الملائكة الكرام، وارفع أكفَ الضراعة إلى الله الذي يعلم بك ويسمعك وأنت في أي مكان وهو سبحانه موجودٌ بلا مكان لأنه كانَ قبلَ المكانِ والزمان، وأبسط يديكَ إلى السماء قبلةِ الدعوات، ونادِ الكريم العظيم الملك الرحيم تبارك وتعالى أن يفرجَ كربكَ ويُسهل أمركَ ويعطيك سؤلك، وإذا قويَّ الرجاء وجمع القلب في الدعاء قوي رجاء القبول فأكثر وزد وجمل في الطلب واذرف دموع الخشية ساجدًا طالبًا من الكريم المعطي الوهاب.
يقول الله تعالى أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوء الله هو يكشف السوء الله هو الذي يغير الحال الله الهادي الرزاق القادر الجليل، توكل على الله القدير تنل بركات، وسلِّم الأمر لله تعالى واسأله الفرج والسعة في الرزق، ولا تستطيل زمن البلاء وتضجّر من كثرة الدعاء، فإنكَّ مُبتلى بالبلاء، متعبَّد بالصبر والدعاء، ولا تيأس من الفرج وإنّ طال البلاء وطال، فالفرجُ قريب والرب تعالى سميع بصير كريم يسمع دعائك ويعلم بك، ولكن يبتلى لحكمٍ ويفعل ما يشاء، قال الله تعالى وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرّ فَلاَ كَـٰشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وهو الفعالُ لما يريد إصبر على بلائهِ وحكمته ومشيئته ، واستسلم لأمره تسلم وتفز وتغنم. قال الله تعالى قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَـٰنَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ.
اللهمَّ صبّرنا على البلاء ولاتجعلِ اللهمَّ مصيبتَنا في ديننا وفرجّ الهمَّ وأذهبِ الضيقَ يا رحمَن يارحيم .