إن الحسنات يذهبن السيئات
محاضرة للشيخ عبد الله الهرري رحمه الله
في بيان أن بعض الحسنات تكفر الكبائر من الذنوب
قال العلامة الشيخ عبد الله رحمه الله: الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ وصلى اللهُ على سيدنا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ الطيبينَ الطاهرينَ وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ أما بعدُ.
فقد قالَ اللهُ تعالى: ( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ)،[1] ، ورَوَينْا في جامِعِ الترمذي بالإسنادِ المتصلِ بإسنادِهِ الى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ ( اتق اللهَ حيثُما كُنْتَ واتْبِع السيئةَ الحسنةَ تَمْحُهَا وخَالِقِ الناسَ بخلقٍ حسن)[2]، حديثُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شرحٌ لكتابِ اللهِ أي بيانٌ للقرآنِ فاللهُ تعالى أنزلَ في كتابِهِ الآيةَ "إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ" سببُ نزُولِها أمرٌ خاصٌ لكن حكمَها يعمُّ سببَ النزولِ وغيرَ ذلك، إنَّ الحسنةَ[3] من الحسناتِ كائنةً ما كانت تمحُو من السيئاتِ عشرةً على الأقَلِّ، الحسنةُ الواحدَةُ تقاوِمُ عشرَ سيئاتٍ وقد تمحو الحسنةُ أكثرَ من ذلكَ[4]. سببُ نزولِ الآيةِ أنَّ رجلاً أتى من امرأة ما يأتي الرجلُ من زوجتِهِ غيرَ أنَّهُ لم يجامِعْها ثم أتى هذا الرجلُ إلى رسولِ اللهِ صلى اللهُ وسلم فأخبَرَهُ بما حصلَ منه ثم صلى هذا الرجُلُ مع الرسولِ صلى الله عليه وسلم صلاةً فقال له الرسولُ صلى الله عليه وسلم» أصليتَ معنا» قال نعم، فاخبرَهُ أنَّ اللهَ غفرَ له وقرأ عليهِ الآيَةَ فقال الرجلُ يا رسولَ اللهِ أَليِ خاصةً قال بل لجميع أُمتي. ثم هناكَ حديثٌ آخرُ رواهُ الترمذيُّ في جامعِهِ بإسناد صحيحٍ من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمروِ بنِ العاصِ قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( خَصْلَتَانِ لَا يُحَافِظُ عَلَيْهِمَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ فِي يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجنة، وَهُمَا يَسِيرَانِ، وَقَلِيلٌ مَنْ يُحَافِظُ عَلَيْهِمَا، قَالُوا: وَمَا هُمَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: تَسْبِيحُ الْعَبْدِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا، وَيَحْمَدُ عَشْرًا، وَيُهَلِّلُ عَشْرًا، وَهِيَ خَمْسُونَ وَمِائَةٌ فِي يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ، وَهِيَ عِنْدَ اللَّهِ أَلْفٌ وَخَمْسُ مِائَةِ حَسَنَةٍ، وَيُسَبِّحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ تَسْبِيحَةً، وَيَحْمَدُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ تحميده ، وَيُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ تَكْبِيرَةً ، فَذَلِكَ مِائَةٌ ، وَهِيَ عِنْدَ اللَّهِ أَلْفُ حَسَنَةٍ ، فَذَلِكَ أَلْفَانِ وَخَمْسُ مِائَةِ حَسَنَةٍ . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا لَنَا لَا نُحَافِظُ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَضَى صَلَاتَهُ أَتَاهُ الشَّيْطَانُ، فَذَكَّرَهُ حَوَائِجَهُ، فَيَقُومُ قَبْلَ أَنْ يَقُولَهَا، فَإِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ أَتَاهُ، فَأَلْهَاهُ عَنْهَا حَتَّى يَنَامَ)، معنى الحديثِ أنَّ الذي يحافظُ على هاتينِ الخصلتينِ أي يسبِحُ عقبَ كُلِ صلاةٍ عشراً ويحمَدُ عشراً ويكبِرُ عَشراً فإن ذلك مائةٌ وخمسونَ باللسانِ وأما في الميزان ألفٌ وخمسمائةٍ ثم أخذَ مَضْجَعَهُ أي أرادَ أن ينامَ ووضعَ جَنبَهُ على الفِراشِ سَبَحَ ثلاثاً وثلاثينَ وحمدَ ثلاثاً وثلاثينَ وكَبَرَ أربعاً وثلاثينَ وذلك مائةٌ باللسانِ وألفٌ في الميزانِ فإذا ضُمَّت هذه الألفُ إلى الألفِ والخمسمائة صارَ المجموعُ ألفين وخمسمائة فقالَ عليه الصلاة والسلام وأيُكُم يعمَلُ في اليوم والليلة ألفينِ وخمسمائةِ سيئةٍ. معنى الحديثِ أنَّ هذا العددَ الذي هو من حيثُ عملُ اللسان مئتانِ وخمسونَ أما في الميزانِ مضاعفةُ الحسناتِ فألفانِ وخمسمائة هذا جاءَ في حديث رسولِ اللهِ الصحيحِ الإسناِد رواهُ الترمذيُّ ورواهُ ابنُ حبانَ وغيرُهما هذا فيه بيانُ سَعَةِ فضلِ اللهِ تعالى ورحمتِهِ على عبادِهِ المؤمنينَ حيثُ إنَّهُ يمحُو عنهم بكُلِّ حسنةٍ مقدارًا من السيئاتِ فالذي يُؤخَذُ من الحديثِ أن الصلواتِ الخمسَ كفاراتٌ لما بينهنَّ إذا اجتنبت الكبائِرُ، المفهومُ بالنظرِ إلى ذلك الحديثِ مع هذا الحديثِ أن هذه السيئاتِ التي تمحوها ليست من الكبائِرِ[5] ثم ليسَ هناكَ قاعدةٌ مُطَّرِدَةٌ (اي عامة) يَسلُكُها العلماءُ يأخذونَ بها في كُلِّ موضعٍ جاءَ في أحاديثِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في الأعمالِ التي يمحُو اللهُ بها السيئاتِ بل قد ورَدَ أنَّ بعضَ الكلماتِ في الاستغفارِ يمحُو اللهُ بها من الكبائِرِ وذلك ما رَواهُ الترمذيُ بالإسنادِ الصحيحِ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: منْ قَالَ :( أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ[6] الْقَيُّومَ ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ، غُفِرَ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ )،[7] هذا الحديث صحيح الإسنادِ عندَ المحدثين أنَّهُ يمحو به لوكانَ قائلُهُ فرَّ من الزحفِ والفِرارُ من الزحفِ من الكبائِرِ وهو إحدى الموبقاتِ السبعِ[8]، الفرارُ من الزحفِ أي من الجهادِ عند لقاءِ الكفارِ أي الذي يَفِّرُ من الزحفِ في ساحة المعركةِ ذنبُهُ عظيمٌ، الرسولُ عدَّهُ من الموبقاتِ من الذنوبِ السَبعِ التي كلُ واحدةٍ موبقةٌ أي مُهلِكَةٌ لصاحبها أي لمن فعلَها ومع ذلِكَ الرسولُ عليه الصلاةُ والسلامُ قال إن من قال هذا الاستغفار يُغفَرُ لَهُ وإنْ كانَ قد فَرَّ من الزحفِ، معنى الحديثِ وإن ارتكبَ الكبائرَ فإنَّ اللهَ يغفِرُ له، لكنَّهُ[9] ليسَ مرادُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم القولَ باللسانِ بل هذا الفضلُ لا يحصلُ إلا لمن استشعَرَ قلبَهُ بالخشُوعِ للهِ تعالى لأنَّ الذِّكرَ الذي يذكرُهُ الإنسانُ من تهليلٍ أو استغفار أو غيرِ ذلكَ إنَّما يكونُ ثوابُهُ مضموناً لقائلِهِ إذا كانَ القائِلُ يستشْعِرُ قلبُهُ الخوفَ من اللهِ الى حَدٍّ مَّا، أما مجرَدُ النطقِ باللسانِ بدونِ استشعار القَلبِ أي من غيرِ أن يستشعِرَ قلبُ قائلِهِ فإن ذلكَ ليسَ لهُ هذا الفضلُ فلا بُدَّ لحصولِ الثوابِ لحصولِ الفائدَةِ المذكورةِ في الحديثِ من حصولِ استشعار القلبِ فمن قالَ هذا الاستغفارَ واستشعرَ قلبُهُ فإنَّ اللهَ يغفِرُ له من الكبائر، وقال بعضُ المحدثينَ إن هذا الحديثَ يفسَّرُ بما كان من الذنوبِ الكبيرةِ التي لا تعلُقَ لها بحقوقِ الآدميين أي بحقوقِ بني آدَمَ واستَدَّلَ لذلك بأنَّ الرسولَ ذكرَ معصيةً لا تعلُقَ لها بحقوقِ بني آدَمِ وهي الفِرارُ من الزحفِ[10] لأنَّ الفرارَ من الزحفِ ذنبٌ لا تعلُقَ له بحقوقِ بني آدَمَ فكلُ ما كان من هذا القبيلِ فإن قائِلَ هذا الاستغفارِ فإنَّهُ يغفَرُ له، الذي شاعَ على ألسنةِ الناسِ «أستغفرُ اللهَ العظيمَ الذي لا إلهَ إلا هوَ الحيُّ القيوم وأتوب إليه» لكن الذي جاءَ في رواياتِ الأحاديث النبويةِ بدونِ العظيم، فما أعظَمَ هذا الفضلَ ولله الحمدُ والفضلُ والنعمةُ، قولوا مِثْلَما وَرَدَ في كُتبُ الحديثِ المعتمدَةِ في النُسَخِ الخطيَّةِ وغيرِها، أما اللفظُ الذي ورد في بعضِ الكتبِ التي لا يعتمَدُ عليها أو في بعضِ النسخ المطبوعةِ غيرُ مصححة فهذا لا تأخُذُوا به فإذا قلنا هذا الاستغفار بدون "العظيم" يكون أحسنُ لكن من أرادَ مُطلقَ الذكر فأضافَ العظيمَ حصلَ له الثوابُ لكن هذه الفائدةُ ليست مضمونَةً له وهي تكفيرُ ذنوبِهِ لو كان فرَّ من الزحفِ أي لو وقع في كبيرةٍ إلا إذا قالَ اللفظَ الذي وردَ في كتب الحديثِ المعتمدَةِ بدونِ العظيم، عند أهلِ الحديثِ ليسَ كلُّ نسخةٍ يؤخذُ بها إنَّما الحجةُ الكاملةُ بالنسخَةِ التي تكونُ مقابلةً على أصلِ المؤلف لو بوسائطَ متعددةٍ، هو الفرارُ من الزحفِ أن يفرَّ الرجلُ في حالة المعركةِ من بينِ المجاهدينَ[11] هذا أشدُّ ذنباً من الذي يجبُنُ عن القتالِ يستطيعُ أن يقاتلَ فلا يقاتلُ هذا الذي لم يحضرْ المعركةَ جُبناً ذَنْبُهُ أخفُ من الذي حضرَ ثم هربَ ثم فرَّ، الذي حضرَ ثم فرَّ ذنبهُ أقبحُ من الذي قعَدَ في بيتِهِ، ثم هناكَ في صحيح مسلمٍ وسننِ البيهقي وأبي داودَ رحمهم اللهُ تعالى من حديثِ أبي هريرةَ أن رسولَ الله صلى اللهُ عليه وسلم قال:( مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ ، وَقَالَ : تَمَامَ الْمِائَةِ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ)،[12]، هذا الحديثُ صحيحٌ مصرحٌ فيه بغُفرانِ الذنوبِ أكثرَ مما ذكر في حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ لأن هناكَ لم يذكُرْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بصيغةِ التعميم إنما ذكَرَ وإيكم يعمَلُ في اليومِ والليلة ألفينِ وخمسمائةِ سيئةٍ وأما هذا فيفيدُ ويُفهِمُ أن قائلَ هذه التسبيحاتِ والتحميداتِ والتكبيراتِ مع التهليلِ الذي هو تمامُ المئةِ يُغفَرُ له ما لا يُحصَى عندَ الخلقِ من الذنوبِ لأنه عليه الصلاةُ والسلامُ قال وإن كانت مثلَ زبدِ البحرِ ومن منا يُحصِي زبدَ البحرِ، فضلُ اللهِ تعالى واسعٌ، الله تبارك وتعالى قال:( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ )،[13] إلا أنَّ هناكَ ينبغي أن يلاحِظَ الإنسانُ أن يُصحِحَ العمل الذي يعمَلُهُ وإنْ كانَ قليلاً، ينبغي أن يصحح لفظه وإن كانَ فعلاً كذلك ينبغي أن يُتقِنَ هذا الفعلَ، كثيرٌ من الناسِ يُحرمونَ الثوابَ بالاستعجال مثلاً، كثيرٌ من الناسِ يريدونَ أن يسبحُوا اللهَ فيقولونَ سبحان اللهِ بدونِ لفظِ الهاء. هَمُّهُمْ أن يَعدُّوا العددَ الذي يريدونَهُ ليسَ همُّهُم أن يُصلِحوا النطقَ كما جاءَ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم عملُ القلبِ لا يكفي بل لا بُدَّ من عملِ القلبِ أي الإخلاصُ في النيةِ وإحسانِ العملِ أي إحسانِ النطقِ واللفظ، كان رجلٌ يقرأُ القرآنَ فسمعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قراءَتَهُ وعَلِمَ أن فيها غلطاً فقال لرجلٍ من أصحابهِ أرشِدْ أخاكَ معناه صحح له غلطَهُ، فلو كانت النيةُ وحدَها تكفي ما كان قالَ الرسولُ لصاحِبِهِ أرشدْ أخاكَ [14] فالمطلوبُ منا إصلاحُ النيَّةِ واصلاحُ العملِ وهكذا كلُ موضعٍ يذكرُ فيه اسم اللهِ من لم يلفظِ اسمَ اللهِ بحروفهِ كاملةً فليسَ له ذلك الثوابُ الذي وعدَ اللهُ بهِ المؤمنونَ فمن أراد أنْ يذكُرَ الله بتسبيحٍ أو تحميدٍ أو تكبيرٍ أو تهليلٍ فليأتِ بلفظِ الجلالةِ مع إتمامِ الحروفِ وأما تحريفُ ذكرِ اللهِ فذلِكَ من شِدَّةِ غفلةِ القلوبِ وإلا من كان قلبُهُ مُمتَلأً بالخوفِ والخشوعِ للهِ تعالى يُراعي الحروفَ لأن هَمَّهُ أن يُرضِي رَبَّهُ. كذلك بعضُ الذينَ يجتمعونَ في حضراتِ الذِكْرِ لا يراعونَ حروفَ اسمِ اللهِ بل هُناكَ تحريفٌ أشدُ وأكثر. رُفِعَ سؤالٌ واستفتاءٌ إلى شيخِ الأزهرِ الشيخِ سليمٍ البِشريّ[15] كان شيخَ جامِعِ الأزهرِ قبلَ خمسينَ سنةً وكانَ من أكابِرِ العلماءِ رُفِعَ إليه سؤالٌ عن هذه الحضراتِ وعن هؤلاءِ الذينَ يجتمعِونَ ثم يرقصُونَ ويتلفظُونَ بألفاظ ومنهم من يقولُ آه بنيَّةِ أن يذكُرَ اللهِ ومنهم من يقولُ أَح أَح فأجاب الشيخُ سليمٌ البِشريُ رحمهُ اللهُ تعالى بأنَّهُ حرامٌ حضورُ هذه المجالِسِ، وهذه المجالسُ اليومَ كثيرةٌ في سوريا ومصرَ ولما كانت كثيرةً في زمانِهِ في مصرَ رُفِعَ اليهِ السُؤالُ. وبعضُ هؤلاءِ المحرفينَ مرةً في دمشقَ كانوا مجتمعينَ بمكانٍ فقامُوا وهم يذكرونَ اسمَ اللهِ ثم صارُوا يقولونَ اللفظَ المُحَرَّفَ وكان فيهم رجلٌ يذكُرُ باللفظِ الصحيحِ فقالوا له وحْدِ اللهَ ثم هوَ لم يغيّر فانزعجوا منه كادوا يأخذونَهُ ويرمُوا بِهِ. إلى هذا الحدِّ وصلَ بعضُ الناسِ الذينَ يدَّعونَ الذِّكرَ فإنهم يكرهونَ الذي يحسِنُ عملاً فإنا للهِ وإنا إليهِ راجعون، هذا مصداقُ ما جاءَ في الحديثِ أنه يأتي زمانٌ يُرى فيه المنكَرُ معروفاً والمعروفُ منكراً واليومَ هكذا في أكثرِ المجتمعاتِ المعروفُ يرونَهُ مُنْكَراً والمنكرُ يرونهُ معروفاً فطوبى لمن يتمسَكُ بما جاءَ عن رسولِ الله من غيرِ تحريفٍ ولا تبديلٍ وهؤلاءِ الذينَ يتمسَكونَ في هذا الزمن الذي صارَ فيه المعروفُ منكراً والمنكرُ معروفاً بما جاءَ عن رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم ولم يَحِدْ عن موافقَةِ سنتِهِ له بين أهل هذا العصر أجرٌ كبيرٌ عند اللهِ وجاءِ في فضلِهم حديثٌ رواهُ الترمذيُّ وغيرُهُ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: ( إِنَّ الدِّينَ بَدَأَ غَرِيبًا وَيَرْجِعُ غَرِيبًا ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ مِنْ بَعْدِي مِنْ سُنَّتِي )،،[16] المعنى أن الذي لا يتابِعُ الناسَ في تحريفاتهم من أمورِ دينِ الله بل يستمسَكُ بما جاء عن رسولِ الله فان له طُوبى أي فضلٌ كبير. انتهى من كلام الشيخ عبد الله الهرري بنصه
[1] هود: ١١٤]،
[2] اخرجه الترمذي، باب ما جاء في معاشرة الناس عن عبد الله، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني عالجت امرأة في أقصى المدينة وإني أصبت منها ما دون أن أمسها وأنا هذا فاقض في ما شئت، فقال له عمر: لقد سترك الله لو سترت على نفسك، فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، فانطلق الرجل فأتبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا، فدعاه فتلا عليه {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين} إلى آخر الآية، فقال رجل من القوم: هذا له خاصة؟ قال: لا، بل للناس كافة.
[3] الحسنة يعبر بها عن كل ما يَسُرُّ من نعمة تنال الإنسان في نفسه و بدنه و أحواله " فلا يقتصر المعنى على الثواب فقط! قال تعالى: "وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذه مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذه مِنْ عِنْدِكَ ۚ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ “ (النساء :78) ، كما في المفردات "للراغب " (323) في الآية المراد الرزق والنصر والنعمة.
[4] لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا، كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا، كُتِبَتْ لَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا، لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَمِلَهَا، كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةً وَاحِدَةً)،
[5] قال أبو حيان في البحر: والظاهر عموم الحسنات من الصلوات المفروضة، وصيام رمضان، وما أشبههما من فرائض الإسلام. وخصوص السيئات وهي الصغائر، ويدل عليه الحديث الصحيح: «ما اجتنبت الكبائر».
[6] المروي أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحيُّ القيوم بالرفع ويجوز النصب الحيَّ لكن لم يرد. والشاهد لذلك قول الشاعر: وما الدهرُ إلا مَنْجنونٌ بأهله... وما صاحبُ الحاجات إلا معذبا.
[7] قوله: " وإن كان فر من الزحف " أي: من الجهاد ولقاء العدو في الحرْب، والزحف: الجيش يزحُفون إلى العدو. أي: يمشون، يُقال: زحف إليه زحفا إذا مشى نحوه. وقد عُد الفرار من الزحف من الكبائر، فإذا غفر لصاحب الكبيرة بقوْلِ هذا الدعاء فلصاحب الصغيرة أولى وأجدر. شرح ابي داود للعيني.
[8]عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اجتنبوا السبع الموبقات» قيل: يا رسول الله، وما هن؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات».
[9]تراجع نسخة الأصل
[10]قال أبو نعيم الأصبهاني هذا يدل على أن بعض الكبائر تغفر ببعض العمل الصالح وضابطه الذنوب التي لا توجب على مرتكبها حكما في نفس ولا مال ووجه الدلالة منه أنه مثل بالفرار من الزحف وهو من الكبائر فدل على أن ما كان مثله أو دونه يغفر إذا كان مثل الفرار من الزحف فإنه لا يوجب على مرتكبه حكما في نفس ولا مال. فتح الباري شرح صحيح البخاري.
[11] قال في تحفة المحتاج: (ويحرم الانصراف) على من هو من أهل فرض الجهاد الآن لا غيره ممن مر. (عن الصف) بعد التلاقي وإن غلب على ظنه أنه إذا ثبت قتل لقوله تعالى {فلا تولوهم الأدبار} [الأنفال: 15] وصح «أنه - صلى الله عليه وسلم - عد الفرار من الزحف من السبع الموبقات» ...إذا لم يزد عدد الكفار على مثلينا) للآية وهو أمر بلفظ الخبر، وإلا وقع الخلف في خبره تعالى وحكمة وجوب مصابرة الضعف أن المسلم يقاتل على إحدى الحسنيين الشهادة أو الفوز بالغنيمة مع الأجر والكافر يقاتل على الفوز بالدنيا فقط أما إذا زادوا على المثلين فيجوز الانصراف مطلقا.
[12]قال الحافظ وإن كانت مثل زبد البحر الكناية عن المبالغة في الكثرة، فتح الباري لابن حجر (11/ 206(/ قال في المصباح: الزبد بفتحتين من البحر وغيره كالرغوة المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (1/ 250)
[13][النجم: ٣٢]
[14] نْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا قَرَأَ فَلَحَنَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرْشِدُوا أَخَاكُمْ
[15] البِشْري سليم بن أبي فراج بن سليم بن أبي فراج البِشْري: شيخ الجامع الأزهر. من فقهاء المالكية (1284 - 1335 هـ \ 1867 - 1917 م) ولد في محلة بشر (من أعمال شبرخيت - بمصر) وتعلم وعلّم في الأزهر. وتولى نقابة المالكية، ثم مشيخة الأزهر مرتين، وتوفي بالقاهرة له (المقامات السنية في الرد على القادح في البعثة النبويّة -) ترجمه الزركلي في الإعلام.
[16] روى ابن أبى أويس عن مالك أن معناه: في المدينة، وأن الإسلام بدأ بها غريباً ويعود إليها. وظاهر الحديث العمومُ، وأن الإسلام بدأ في آحاد من الناس وقلَّةٍ ثم انتشرَ وظهر، ثم سيلحقه النقص والاختلاف حتى لا يبقى - أيضاً - إلا في آحادٍ وقلةٍ غريباً كما بدأ. وأصل الغربة البُعْدُ، وبه سُمى الغريبُ لبُعْد داره، وسُمى النفي تغريباً لذلك. وورد تفسير الغريب في الحديث: " قال: همُ النُزَّاع من القبائل ". قال الهروى: أراد بذلك المهاجرين الذين هجروا أوطانهم إلى الله، وسمى الغريب نازعاً ونزيعاً لأنه نزع عن أهله وعشيرته وبَعُدَ عن ذلك. اكمال المعلم بشرح فوائد مسلم.