الكليات الست
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد نبي الرحمة وعلى آله الطيبين الطاهرين. الدين المقبول عند الله هو الإسلام قال الله تعالى إن الدين عند الله الاسلام فالاسلام دين كل أنبياء الله من لدن ادم الى محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. الأنبياء كلهم دينهم الإسلام قال الله تعالى:( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)، أي الدين المقبول المرضي عند الله الإسلام وهو دين الأنبياء والملائكة. وأما الشرائع وأحكام العبادات مثل الصلاة والصيام والمعاملات التى كانت تختلف بين نبي وآخر اللهُ تعالى جَعَلَها لِحِكْمةٍ تَخْتلِفُ في بعضِ الأمورِ لكنْ اتّفقت الشرائع على أمورٍ منْ آدم عليه السلام إلى خاتَمِ الأنبياء محمد صلى الله عليهم أجمعين. فهذه القواعد التي اتّفقَتْ عليها شرائغُ الأنبياء تسمى الكليات مهمٌّ جدًّا أنْ نفْهَمَها جيد لأن هناك أمور لم تختلف شريعة في تحرميها وهناك أمور اختلفت الشرائع فيها[1] مثل تزويج آدم عليه الصلاة والسلام لأولاده من بعضهم الاخ يزوجه من أخته من البطن الثاني كان جائزاً في شرعه وكذلك أحكام الصوم والطهارة ونحوه...
(١)- حفظ الدين: الانبياء كلهم حذروا مِنْ االوقوع في الكفر وليس فقط نبيُّنا بل كل النبين والمرسلين نبهوا أقوامهم من الكفر وامروهم بالايمان والثبات علي الاسلام، وأول ما دعا اليه الرسل الايمان وترك الكفر وعبادة غير الله والاشرالك بالله تعالى قال الله تعالى:( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)، ففي هذه الآية أوضح دليل على أن الله تعالى بعث في جميع الأمم في كل أمة رسولا يقول لهم: اعبدوا الله، واجتنبوا الطاغوت أي الشرك والكفر، هذه دعوة الرسل كل واحد يقول لقومه وأمته: اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت الشرك والكفر. والناس كانوا في زمن آدم إلى نوح على الإسلام فبعث الله نوحا محذرا من الكفر الذي حصل فكان نوح أول نبي أرسله الله لمحاربة الكفار قال الله تعالى:( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ)
(٢)- حفظُ العقل: المسلم مأمور أن يحافظ على نعمة العقل[1] لا يجوز له أن يفعل شيء يذهب بعقله ولو لوقت قليل أو أن يفعل أي أمر يضر بالعقل، نعم إن احتاج لتخدير لعملية جراحية بقدر لا يضر إن كان للتداوى باشارة من طبيب ثقة يجوز أما للهو للكيف يُغيب عقله بالمسكرات ونحوها حرام في كل الشرائع سواء شرب أو أكل أو استعط أو احتقن ما يذهب به عقله حرام قطعاً، وكذلك تعاطي ما يخدر البدن ويضره كهذه المسمات بالمخدرات ايضا فيها إتلاف للبدن وضرر بين ظاهر فهي حرام وردَ في الحديثِ عنْ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنهُ قال: "اجْتَنِبْ كلَّ مُفْتِر" – يعني كلَّ مخَدِّر – اليوم كثير من الشباب والبنات انتشرَ بينَهم المُخَدِّرات بطُرُقِها وأساليبِها وأنواعِها، بالحبوبِ أو مع الدخان يضعونَ فيه هذا الذي يسمّى الحشيش أو نحوُهُ منَ المُخَدِّرات. أحيانًا بتَعاطي الإبر، أحيانًا بأشياء أخرى يسمّونَها هلْوسَة أو كَيْف أو نحو ذلك. هذا خطر عظيم. شاب يكونُ سببًا في بلاءِ آخر، وبنت تكونُ سببًا في ابتِلاءِ بنتٍ أخرى، يكونُ سببًا بخرابِه بدمارِهِ بسبب هذه المُخَدِّرات. فحفظُ العقلِ واجبٌ علينا في كلِّ الشرائع. حفظُ العقلِ من السكر بالخمر هذا واجب لا يضيع عقله بالخمر. قال عليه الصلاة والسلام: "الخَمرةُ مفتاحُ كلِّ شر"، يعني سببٌ أحيانًا للقتلِ بغيرِ حقّ، سبب للزنا سبب أحيانًا للشتمِ والقذف للسرقة إلى غيرِ ذلك. فإذًا نتجنّب المُسْكِرات قليلها وكثيرها لأنه ورد في الحديث "ما أسكَرَ الفَرَقُ منه فمِلءُ الكفِّ منه حرام". يعني ما أسكرَ كثيرُهُ فقليلُه حرام. العقلُ حفظُهُ واجب هذا منَ الكُلّياتِ التي اتّفقَتْ عليها شرائعُ الإسلام.
(٣)- حفظُ النسب: وكذلك أيضًا يجبُ علينا حفظُ النسَب. ما معنى حفظُ النسب؟ يعني نتجنّبُ الزنا من الذكور والاناث، لأنَّ الزنا قد ينتج عنه حمل فلا يُنسَبُ الولدُ إليك كرجل إنْ جاءَهُ ولدٌ منَ الزنا هذا لا يُنسَبُ إليه، إنّما يُنسَبُ للأم لهذه التي زنَتْ. فنحنُ مأمورونَ بحفظِ النسبِ، الأنسابُ أمرُها عظيم، نعم نعتني بأنْ يكونَ عقدُ النكاح صحيحًا بشروطه لذلك ليس أي بنت يتزوجها الشاب ولا أي رجل يقبل للزواج، اليوم يوجد إلحاد من عُرفَ عنه أنه يسب الله أو يتلفظ بألفاظ الكفر لا يزوج ونحو ذلك . ومن الأسباب المُفضِية إلى الزنا: النظر إلى عَوْرات النساء، وكذلك بالنسبة للنساء النظر إلى عَوْرات الرجال، ولذلك أوصى الله تعالى كلا الجنسينِ بالاجتناب من ذلك؛ كما قال تعالى:﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾، الزنا إثمٌ وجرمٌ عظيم جداً لا يكبرهُ إلا القتل والشرك برب العالمين، قال الله تعالى:( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا )، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( لا يزني الزاني حينَ يَزني وهوَ مؤمن، ولا يَسرِق السارق حين يسرق وهو مؤمن). ومعناه لا يفعل الزنا وهو كامل الإيمان بل هو واقع في الفسق والمعصية الكبيرة إذا لم يستحل هذا الفعل أما إن استحل الزنا فقد وقع فيما هو أشد ُمن الزنا وهو الكفر لأنَّ اعتقاد حِل الزنا ضدُ القرآن ومن عاند القرآن فحكمه الكفر، فما أبشعَ التسرع في الكلام في مثل هذا بألفاظ فيها استحلال الزنا واستحسانه، فمن أبتلىَّ بهذه الجريمة فليتُبْ إلى الله، وإيّاه أن يقول عن فعل الزنا أو مقدماته أنه حلال !! فأنَّ من المعلوم بينَ الناس جميعهم حرمةُ ذلك، فويلٌ للمُستَحل لذلك وويلٌ لمن يفعل الزنا، غيرَّ أنَّ الفعل مع اعتقاد التحريم ذنبٌ كبير وفسقٌ واعتقادُ الحِل كفرٌ وتكذيبٌ لكلام الله تعالى، وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: أن تجعلَ لله نِداً وهوَ خَلقكَ، قلت: إنَّ ذلكَ لعظيم. قلت: ثم أيّ؟ قال: أن تقتُلَ ولدكَ مَخافَةَ أن يطعم معك. قلتُ: ثمّ أيّ؟ قال: أن تُزَانيَّ حليلةَ جَارك. فليس بعد الكفر بالله و بعد قتل النفس أعظم من الزنا في الذنب عند الله.
(4)- حفظُ النفس: هذا الإنسانُ حرُمَ عليه أنْ يعملَ بجسدِهِ ما لا يجوز. هو جسدُكَ لكنْ هناكَ أمورٌ ممْنوعة عليك ليس لك أن تضره او تفعل ما لا يرضي الله به اليوم يعلمون الأولاد أن الجسد ملك لك افعل به ما تشاء تظهره أمام من تريد…!! ليس الأمر هكذا المسلم عبد مأمور منهي ملتزم بحكم شرع الله ، النبيُّ عليه الصلاة والسلام حرّمَ علينا أنْ نقْتُلَ أنفُسَنا يعني الانتحار. وكذلك إيذاء النفس بأي وسيلة حرام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كلُّ المسلمِ على المسلمِ حرام مالُهُ ودمُهُ وعِرضُهُ". يعني حرامٌ عليك أنْ تقتلَ مسلمًا أنْ تؤذيَ مسلمًا أنْ تضربَ مسلمًا بغيرِ حق. "إنَّ اللهَ يعذِّبُ الذينَ يُعَذِّبونَ الناسَ في الدنيا". هذا حديث عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. ترويعُ المسلم، تخويفُه بغيرِ حقّ حرام. إخافة المسلم وترويعه وإلحاق الأذى به بفعل أو قول حرام من كبائر الذنوب، سواءٌ كان المروِّعُ جادًّا أم هازِلًا، ولو كان أخاه أو صديقَه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الملاَئِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ". قال النوويُّ معلِّقًا على هذا الحديثِ: "فيه تأكيدُ حرمةِ المسلم، والنهيُ الشديدُ عن ترويعِه وتخويفِه والتعرضِ له بما قد يؤذيه، وقوله صلى الله عليه وسلم: "وإن كان أخاه لأبيه وأمه" مبالغةً في إيضاحِ عُموم النهيِ في كلِّ أحدٍ، سواءٌ من يُتَّهم فيه ومن لا يُتَّهم، وسواءٌ كان هذا هزلًا ولعِبًا أم لا؛ لأنَّ ترويع المسلِمِ حرامٌ بكلِّ حالٍ". فإذا كانت الإشارةُ بالحديدةِ لأخيك المسلمِ، وإن كان لأبيك وأمك، وإن كان مازحًا؛ فإنك تتعرَّضُ لِلَعَائِنِ الملائكةِ حتَّى تنتَهِيَ، فكيف بالذي يرعب المسلمين بالتهديد بالأذى أو إخافتهم بكلب أو حية مثلاً أو بصوت مرعب كأطلاق الرصاص والمفرقعات المخيفة للصغار والكبار أو رمى نار ونحوه تجاه مسلم ليخفه أو توجيه البندقية أو مسدس ليخوفه أو بمحاولة دفعه من مكان مرتفع ليخيفه وكالذي يرعب زوجته بتهديدها بانواع من التعذيب أو أطفاله هذا وأمثاله من المحرمات الكبائر وقد يُخلف الرعب أذى ولو كان مازحاً فقد أخبرني شخص أن رفقة إتفقوا على رمي صاحبهم من مكان مرتفع الى الماء فجأة ففعلوا فأصابه خوفٌ شديد بسببه شاب شعر رأسه وهو ابن عشرين سنة على الفور من الفزع، وعلمت من آخر أن شخصاً أخيف بالمزاح خوفاً شديدا فتساقط شعر رأسه وكل بدنه وبقى كل عمره بلا شعر... نسأل الله العافية، روى الطبراني عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلًا أَخَذَ نَعْلَ رَجُلٍ فَغَيَّبَهَا وَهُوَ يَمْزَحُ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا تُرَوِّعُوا المسْلِمَ؛ فَإِنَّ رَوْعَةَ المسْلِمِ ظُلْمٌ عَظِيمٌ".
(5)-حفظُ العِرض: ما هو حِفظُ العرض؟ هو موضِعُ المدحِ والذمِّ منَ الإنسان. لا يجوزُ لنا أنْ نقعَ في غيبةِ المسلم بغيرِ حقّ، حرام، ولا النميمة ولا نستهزئ بالمسلم أو نُحَقِّرُه، حرام، ولا نتنابَذ بالألقاب. (تَقليده) يصير يمشي مثلَه أو يعمل صوتَهُ مثلَه كي يضحكَ الناس على ذاك المسلم، حرام، لا تنابَذوا بالألقاب. وكذلك لا يجوزُ لنا تسفيهَ المسلم، تحقيرُهُ حرامٌ لا يجوز. فإذًا ينبغي لك أنْ تعرفَ كيف تتكلم عن المسلم. المسلم حِفظُ عِرضِهِ واجب، هذا معنى حِفظُ العِرض. العِرضُ هنا موْضِعُ المَدْحِ والذمِّ منَ الإنسانِ فلا نغتاب المؤمن بغيرِ حقّ. قال اللهُ تعالى:{أيُحبُّ أحدُكُمْ أن يأكلَ لحمَ أخيه مَيْتًا فَكَرْهْتُمُوه}. تخَيَّلْ نفسَكَ وأنتَ تأكلُ لحمَ أخيكَ ميْتًا، انظرْ هذا المنظر البشِع. شبَّهَ المُغتاب الذي يغتاب أخيه المسلم بغيرِ حقٍّ كالذي يأكلُ له لحمَهُ وهو ميّت!!. فإذًا نتجنّب الغيبة ونحفظ أعراضَ المسلمين. وكذلك الذب عن عرض المسلم إذا انُتهك عرضُ المسلمِ، وأسيء إليه حال غيبته، فيجب على من سمع ذلك أن يرد عنه بالغيب، وأن يذكر محاسن هذا الذي وقع الطعن عليه ذباً عنه ورداً لهذا المغتاب، فإذا فعل ذلك فإنَّ الله تعالى يردُ عنه النار يوم القيامة والجزاء من جنس العمل.عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء رضي الله عنه عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْض أَخِيهِ رَدَّ اللَّه عَنْ وَجْههِ النَّارَ يَوْم الْقِيَامَة".
(6)- حفظُ المال: هذا المالُ ولوْ حصّلْتَهُ بالحلال لا تستطيع أنْ تفعل به كلّ شيء، عليك حقوق وعليك واجبات بهذا المال. هناك أشياء لا يجوزُ لك عملُها بهذا المال، اللهُ هو الآمرُ والناهي. فإذًا حفظُ المالِ منْ أنْ أصرِفَهُ بالحرام واجب، حفظُ المالِ أي أنْ أُؤَدِّيَ حقَّه، حقَّ اللهِ في المال وحقَّ العَبيدِ في المالِ. الأم والزوجة لهم حقوق، إذا أمي فقيرة عليّ أنْ أنفِقَ عليها. "كفى بالمرءِ إثمًا أنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُول". إذا كان فرضًا عليك أنْ تُعيلَ ناسًا يعني تُنْفِق عليهم حرامٌ عليك تضيعهم. كثيرٌ منَ الناس تركوا أرحامَهم، الذي وصلَ رحِمَهُ هذا لهُ ثوابٌ عظيمٌ. وكذلك تبذير المال محرم التبذير من المعاصي الكبائر وهو بَذل المالِ في مَعصِية من معاصي الله تعالى كبيرةً كانت أو صغيرة، ومِن ذلك ما يُبذل للمُغنِيات والمغَنِين أجرةً على الغناء، فإن أخَذُوا ذلكَ على وَجْه المُشَارطَة والاتفاقِ السّابِق فلا يحِلُ لهم ولا يَملِكُونه فيكونُ أكل مالٍ حَرام، وكذلك صرف المال على أي معصية من الكبائر كالذين يدفعون مالاً ليشاهدوا الراقصات والعاريات والدخول للأماكن التى فيها المحرمات والتعري ونحوه. وكذا الذي يدفع المال للتكبر والاستعلاء على الناس أو يشترى لباساً أو مركوباً أو يفرش بيته بنية التكبر والاستعلاء على الناس وكذا من التبذير صرف المال على ما يسمى بعمليات التجميل من نفخ الشفتين والوجه وغير ذلك.. فإن هذا ليس من الزينة المعهودة المباحة عند أهل الإسلام فهذا كله من المحرمات الكبائر. وأما قوله تعالى:( إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا)، فمعناه كما جاء في جامع القرطبي ما نصه: قال أشهب عن مالك التبذير هو أخذ المال من حقه ووضعه في غير حقه (أي صرفه في الإثم والمعصية) وهو الإسراف وهو حرام لقوله تعالى:(إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين)، وقوله إخوان يعني أنهم في حكمهم إذ المبذر ساع في إفساد كالشياطين. انتهى.. وفي جامع الطبري ما نصه: "إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين " فإنه يعني أن المفرّقين أموالهم في معاصي الله المنفقيها في غير طاعته أولياء الشياطين وفيه عن ابن زيد إن المبذرين إن المنفقين في معاصي الله ، قال الرازي في التفسير الكبير: والتبذير في اللغة إفساد المال وإنفاقه في السرف قال عثمان بن أبي الأسود كنت أطوف في المسجد مع مجاهد حول الكعبة فرفع رأسه إلى أبي قبيس وهو جبل في مكة وقال لو أن رجلا أنفق مثل هذا في طاعة الله لم يكن من المسرفين ولو أنفق درهما واحداً في معصية الله كان من المسرفين وفيه "إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين" والمراد من هذه الأخوة التشبه بهم في هذا الفعل القبيح وذلك لأن العرب يسمّون الملازم للشيء أخاً له فيقولون فلان أخو الكرم والجود وأخو السفر إذا كان مواظباً على هذه الأعمال انتهى. وقال ابن الجوزي في زاد المسير ومعنى قوله تعالى: “إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين " لأنهم يوافقونهم فيما يدعون إليه ويشاكلونهم في معصية الله، فليعلم هذا وليحذر من اعتقاد أن كثرة إنفاق المال في المباحات تبذير محرّم والعياذ بالله عزوجل بل التوسع في الإنفاق في غير معصية لا يدخل في الآية بل هو من التنعم المكروه في بعض الأحيان وليس حرام، والتوسع في الإنفاق على المأكل والمشارب واللباس ونحوه مكروه إذا لم يكن بنية كإكرام ضيف ونحوه أما في الحرام فهو التبذير الذي نهى الله عنه عباده والله نهانا عن إضاعة المال في غير محله كالذين يهدرون الأموال والنعم من طعام ولباس ومال ينتفع به فيلقونه للتلف عمداً فهذا من إضاعة المال الذي سأل عنه المرء يوم القيامة، في الصحيحين أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله كره لكم ثلاثًا: القيل والقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال". فمن إضاعة المال تلف الطعام الجيد والقائه في المزابل وكذا إهدار الماء والكهرباء لغير منفعة معتبرة وكذا كل مال ينفق على ما لا يرضى الله تعالى معدود من التبذير المحرم، فعلينا حفظُ هذه الكلّيات الستّ فأحفظوها وعلِّموها أولادَكمْ وتمَكّنوا منها وافْهَموها جيّدًا وانشروا هذا الكلام لينتفع التاس به. والحمد لله رب العالمين.
[1] فالإسلام هو دين الأنبياء جميعاً: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ و يقول الله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾، وإبراهيم و إسماعيل عليهما الصلاة و السلام قالا: ﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ﴾ ويعقوب يوصى أبناءه قائلا ً:﴿ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾، ويوسف يدعو ربه قائلاً: ﴿ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾، وقال موسى لقومه: ﴿ يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ ﴾، وسحرة فرعون لما آمنوا برسالة موسى قالوا: ﴿ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ ﴾، وقال سليمان في رسالته لملكة سبأ:﴿ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾، وقال الحواريون لعيسى: ﴿ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾، تلك إذا هي الايات في كتاب الله الدالة على أن الاسلام دين كل الانبياء جمعياً.
[1] العقل صفة راسخة في الإنسان يميز به بين الخبيث والحسن ولا يجوز أن يوصف الله به لأن هذا من صفات البشر فقول سيد قطب في كتابه في ظلال القرآن عن الله تعالى " العقلُ المدبر " امر ما قال به أحد من علماء أهل السنة فلا يجوز إطلاقه على الله تعالى .