تواصل الأحياء ولأموات المسلمين بالخيرات
بـسم الله الرحـمن الرحـيم
محاضرة علمية موثقة بالأدلة الشرعية
وصول الثواب من الأحياء إلى الأموات بين المسلمين
جمع وإعداد
الشيخ الدكتور بلال الحلاق
الأمين العام لدار الفتوى كاليفورنيا- أمريكا
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
1–المقدمة
2– بيان أدلة علماء أهل السنة والجماعة على وصول الثواب من الأحياء للأموات بين المسلمين .
3– أقوال علماء المذاهب الأربعة في المسألة.
4– بيان معنى الآية: ( وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ).
5– شرح حديث: ( إذا ماتَ ابن آدم انقطعَ عملهُ إلا من ثلاث..)
6– بيان مخالفة الوهابية لشيخهم ابن تيمية في هذه المسألة .
7–آثار في القراءة على القبر
8– الحج والصوم عن الميت
9– مشروعية تلقين الميت
10 – عقيدة أهل السنة والجماعة
أموات المسلمين أحوج ما يحتاجونه في قبورهم اليوم دعوة صالحة أو قرأة نافعة أو صدقة مقبولة تصلهم وتزادُ في صحائفهم بعد أن صاروا في عالم البرزخ ولا عمل لهم، ومن عظيم فضل الله تعالى علينا أن جعل لنا خيراً يصل للموتى من إخوانهم كرمًا من الله وتفضلا، ولذالك سن رسول الله صلى الله عليه وسلم زيارة الموتى والدعاء لهم وقراءة القرآن لموتى المسلمين، وجاء في عدة أحاديث بيان وصول النفع للأموات من حج وصيام وصدقة وقراءة تلحق بحسناتهم مثل الهديا تنور قبورهم وتنفعهم من غير عمل منهم، ولما رأيت وسمعت في زماننا من ينكر قراءة القران عند الميت أو في مجالس العزاء ويشنع على المسلمين الذين اعتادوا عن أسلافهم عمل الخير للأموات كأطعام الطعام وعمل الصدقات على نية أن تصل الى آبائهم وأمهاتهم والمسلمين، ولقد تطاول هؤلاء من أدعياء السلف وهم الوهابية بأن حرموا القراءة على الأموات وغير ذلك من غير دليل شرعي موثق رأيت أن أعمل هذه الرسالة الجامعة ناقلا من أقوال أهل العلم جزاهم الله عنا الخير ورحمهم الله الدليل على إنتفاع الموتى المسلمين من عمل الأحياء لهم، واني سائلاً قرأ رسالتى أو أستفاد منها أن يذكرني بدعوة صالحة ويقرأ الفاتحة ويهدي ثوابها الى والديَّ رحمهما الله والمسلمين والله ولي التوفيق .
مشروعية وأدلة قراءة القرآن عند الدفن وعند زيارة القبور
النبيُّ صلى الله عليه وسلم صَلى الجنازة على القبر مرات كما ورد في الصحيحين وغيرهما والصلاة مشتملة على ذكر وتلاوة للقرآن ودعاء، حديث ثابت البناني عن أبي رافع عن أبي هريرة:(أنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ المَسْجِدَ، أَوْ شَابًّا، فَفَقَدَهَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَسَأَلَ عَنْهَا، أَوْ عنْه، فَقالوا: مَاتَ، قالَ: أَفلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي قالَ: فَكَأنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا، أَوْ أَمْرَهُ، فَقالَ: دُلُّونِي علَى قَبْرِهِ فَدَلُّوهُ، فَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ قالَ: إنَّ هذِه القُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً علَى أَهْلِهَا، وإنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنَوِّرُهَا لهمْ بصَلَاتي عليهم). فصلاته صلى الله عليه وسلم تنور القبور وترحم أهلها وكل جزء من هذه الصلاة تلاوة أو دعاء يكون سبباً في ذلك.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(اقرؤا يـــّس على موتاكم). قال السيوطي، قال القرطبي في حديث ” اقرؤا على موتاكم يـــّس” ويحتمل أن تكون القراءة عند الميت في حال موته ويُحتمل أن تكون عند قبره. والحديث بلفظه حقيقة في الميت وحمله على المحتضر مجاز فقط، وإخراج اللفظ عن حقيقته يحتاج الى دليل. والاحتمال الأول “والحقيقة” قال الجمهور وبالثاني “والمحتضر” قال ابن عبد الواحد المقدسي والحالتين قال الطبري.
قال ابن مفلح “واحتج بعضهم في القراءة على القبور بقوله صلى الله عليه وسلم” اقرؤا يــّس على موتاكم”، وبأنَّ الميت أولى من المحتضرـ أي حمله على الميت فهو حقيقة اللفظ فيكون أولى من حمله على المحتضر.
قال الصنعاني وهو شامل للميت بل الحقيقة فيه. وقال ابن الرفعة وابن حجر الهيثمي والزركشي وغيرهم لا يبعد على القول باستعمال اللفظ في حقيقته ومجازه أنه يندب قراءتها في الموضعين. وإذا انتفع المحتضر بقراءة “يـــّس” وليس من سعيه فالميت كذلك والميت كالحي الحاضر يسمع كما ثبت في الحديث. وقد نفع القرآن بعض من حصل له ضرر في حال حياته، فالميت كذلك. قال ابن الرفعة: “الذي دل عليه الخبر بالاستنباط أن القرآن إذا قصد به نفع الميت وتخفيف ما هو فيه نفعه إذ ثبت أن الفاتحة لما قصد بها القارئ نفع الملدوغ نفعه، وأقرالنبيّ صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله:”وما يدريك أنها رقية” وإذا انتفع الحي بالقصد كان نفع الميت بها أولى لأن الميت يقع عنه من العبادات بغير أذنه ما لا يقع من الحي.
أخرج الزنجاني في فوائده عن أبي هريرة مرفوعاً: من دخل المقابر ثم قرأ بفاتحة الكتاب و” قل هو الله أحد ” و ” ألهاكم التكاثر” ثم قال: إني جعلت ثواب ما قرأت من كلامي لأهل المقابر المؤمنين والمؤمنات كانوا شفعاء له إلى الله تعالى. وأخرج عبد العزيز صاحب الحلال من حديث انيس: من دخل المقابر فقرأ سورة يــــّس خفف الله عنهم وكان له بعدد من دفن فيها حسنات. عن ابن عباس رضي الله عنهما مر النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال : إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، ثم قال :” بلى أما أحدهما فكان يسعى في النميمة ، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله، قال : ثم أخذ عوداً رطباً فكسره باثنتين ثم غرز كل واحد منها عليهما ثم قال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا”. قال الإمام الخطابي ” فيه دليل استحباب تلاوة القرآن على القبور، لأنه إذا كان يرجى عن الميت التخفيف بتسبيح الشجرة فتلاوة القرآن أكبر رجاء وبركه.
قال ابن الملقن:استحب العلماء كما نقله النووي وغيره عنهم قراءة القرآن عند القبر لهذا الحديث لأنه إذا كان يرجى التخفيف بتسبيح الجَريد فقراءة القرآن أولى“
قال القرطبي في التذكرة باب ما جاء في قراءة القرآن عند القبر حالة الدفن وبعده: وقد استدل بعض علمائنا على قراءة القرآن على القبر بحديث العسيب الرطب الذي شقه النبي صلى الله عليه وسلم: ثم قال : “ولعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا”. قال تعالى”من شغله القرآن عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين” وقال صلى الله عليه وسلم:” إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث ، صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد يدعو له”. والقراءة في معنى الدعاء ، وذلك صدقة من الولد ومن الصاحب والصديق والمؤمنين.
إن الدليل الخاص بالقراءة عند القبر قد جاء بما يؤيد العام فروي عن الإمام أحمد بن حنبل أنه كان يقول: القراءة عند القبر بدعة، ثم رجع رجوعاً أبان به عن نفسه، فروى جماعة من أصحابه أن أحمد نهى ضريراً أن يقرأ عند القبر، وقال له:” إنَّ القراءة عند القبر بدعة، فقال له محمد بن قدامة الجوهري يا أبا عبدالله ما تقول في مبشر الحلبي؟ قال: ثقه، قال: فأخبرني مبشر عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه: أنه أوصى إذا دفن أن يقرأ عنده بفاتحة البقرة وخاتمتها، وقال: سمعت ابن عمر يوصى بذلك، فقال له أحمد:”فارجع وقل للرجل يقرأ” وهذه الرواية رواها عدد من أصحاب الإمام أحمد وأصحاب الإمام أحمد أعرف بالروايات عنه ممن ينفون هذه الرواية . ومن يقدح في صحة الرواية يقول أن الرواية عن الخلال عن الحسين بن الوراق، ثنا عن على بن موسى الجواد قال: كنت مع أحمد بن حنبل ومعه بن قدامة الجوهري في جنازة. ويزعم ان شيخ الخلال الحسن ابن الوراق لم يمد له ترجمة في كتب الرجال وكذلك على بن موسى الحداد غير معروف.
فالجواب: الخلال رواه في جزء” الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” ومن وجه آخر قال أخبرنا أبو بكر بن صدقة قال: سمعت عثمان بن أحمد بن إبراهيم الموصلي قال: كان أحمد بن حنبل في جنازة ومعه محمد بن قدامة في جنازة فذكر الرواية. وأبو بكر بن صدقة هو أحمد بن عبدالله بن صدقة الحافظ وله ترجمة في تاريخ بغداد وقال الدارقطني عن “ثقة ثقة” وعثمان بن أحمد الموصلي من أصحاب أحمد ومن رَووا عنه. وأن أصحاب أحمد المصنفون وجميعهم نقلوا عنه جواز القراءة على القبور بل ورجوعه عن النهي اعتماد أعلى ما ذكره الخلال. وأما اسناد الرواية فقال الهيثمي رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات وحسنه النووي في الأذكار وقال الحافظ في أمالي الأذكار هذا موقوف حسن” وهؤلاء الأئمة مبشر عندهم ثقة وكذلك عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج ذكره ابن حبان في الثقات. وهذا أمام الجرح والتعديل يحيى بن معين وهو على مذهب الإمام أحمد يذهب الى جواز القراءة على القبر.قال عباس الدُوريُّ “سألت يحيى بن معين عن القراءة عند القبر فقال: حدثنا مبشر ابن إسماعيل الحلبي، عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه أنه قال لبنيه : إذا ادخلتموني القبر ووضعتموني في اللحد، فقولوا بسم الله وعلى سنة رسول الله وسنوا علىَّ التراب سنا، واقرؤا عند رأسي أول البقرة وخاتمتها فإني رأيت ابن عمر يستحب ذلك”، أخرج ابن أبي شيبه في المصنف والخلال في “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” فقال الأول : حدثنا حفص بن غياث عن المجالد عن الشعبي قال:”كانت الأنصار يقرأون عند الميت بسورة البقرة”. ولفظ الخلال:”كانت الأنصار إذا مات لهم الميت اختلفوا الى قبره يقرءون عنده القرآن”. مجاهد هو مجاهد بن سعيد أخرج له مسلم في صحيحه، أما عامر بن شراحيل الشعبي فهو تابعي ثقة جليل أدرك الكثيرين من أكابر الصحابة رضي الله عنهم قال العجلي أنه سمع ثمانية وأربعون من الصحابة. وعليه فقول الشعبي “وكانت الأنصار” يحتمل أن يكون جمهرة من الصحابة والتابعين وفي الفروع لابن مفلح الحنبلي (ج/2) يستحب الدفن عند الصالح لتناله بركته وإذا تأذى بالمنكر انتفع بالخير، وصرح به جماعة“.
قال الشيخ محمد بن عبد الرحمن الدمشقي العثماني الشافعي في كتابه، “رحمة الأمة في اختلاف الأمة”،وأجمعوا على أن الاستغفاروالدعاء والصدقة والحج والعتق تنفع الميت ويصل إليه ثوابه وقراءة القرآن عند القبور مستحبة.
جواز واستحباب القراءة على القبر عند المذاهب الأربعة
مذهب الشافعية
قال المحدث مرتضى الزبيدي ما نصه “قال السيوطي في شرح الصدور: وأما قراءة القرآن على القبر فجزم بمشروعيتها أصحابنا وغيرهم. قال الزعفراني سألت الشافعي عن القراءة عند القبر فقال لا بأس به” ونقل عن الشافعي انتفاع الميت بالقراءة على قبره، واختاره شهاب الدين بن عقيل وتواتر عن الشافعي أن زار قبر الليث بن سعد واثنى عليه خيراً وقرأ عنده ختمة وقال أرجوا أن تدوم فكان الأمر كذلك.
قال الإمام النووي”قال أصحابنا ويستحب للزائر أن يسلم على المقابر، ويدعو لمن يزوره، ولجميع أهل المقبره، ويستحب أن يكون السلام والدعاء بما يثبت في الحديث، ويستحب أن يقرأ من القرآن ما تيسر ويدعو لهم عقبها. نص عليه الشافعي، واتفق عليه الأصحاب”. وقال الإمام النووي في ” شرح صحيح مسلم” ما نصه : ” واستحب العلماء قراءة القرآن عند القبر للحديث “حديث الجريد الذي وَضَعه النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين”. وقال نحوه الإمام البغوي في “شرح السنة”.قال أبو سليمان الخطابي عند الكلام على الحديث الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع الجريد على قبرين لمسلمين يعذبان ما نص”فيه دليل على استحباب تلاوة القرآن على القبور لأنه إذا كان يرجى عن الميت التخفيف بتسبيح الشجر فتلاوة القرآن أعظم رجاء وبركه. قال ابن الرفعة الذي دل عليه الخبر بالاستنباط أن بعض القرآن إذا قصد به نفع الميت وتخفيف ما هو فيه نفعه إذ ثبت أن الفاتحة لما قصد بها القارئ نفع الملدوغ نفعته وأقر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فإذا نفعت القراءة الحي بالقصد كان نفع الميت أولى لأن الميت يقع عنه من العبادات بغير إذنه ما لا يقع من الحي.قال الإمام النووي في كتابه”الأذكار” بأن ما يقوله بعد الدفن ما نصه “ويستحبُ أن يقرأ عنده شيئاً من القرآن، وإن ختموا القرآن عنده كان حسناً” وقال في كتابه رياض الصالحين” ما نصه:” ويستحب أن يقرأ عنده شيء من القرآن وإن ختموا عنده كان حسنا”. وقال في شرح المهذب ويستحب أن يقرأ من القرآن ما تيسر ويدعو لهم عقبها نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب“.
قال الشيخ زكريا الأنصاري في “شرح روضة الطالب” أما نصه :”فرع الإجارة للقراءة على القبر مدة معلومة أو قدراً معلوماً جائزة للإنتقاع بنزول الرحمة حيث يقرأ القرآن ، وقال ابن الصلاح:وينبغي الجزم بنفع اللهم أوصل ثواب ما قرأناه، وسئل الحافظ السبكي عن قراءة القرآن وإهداء الثواب للميت فأجاب بالجواز وقال الرافعي في” شرح الوجيز” ما نصه وسئل القاضي أبو الطيب عن ختم القرآن في المقابر فقال الثواب للقارئ ويكون للميت بالحاضرين يرجى له الرحمة والبركة فيستحب قراءة القرآن في المقابر لهذا المعنى، وأيضاً الدعاء عقيب القراءة أقرب الى الإجابة، والدعاء ينفع الميت” أ.هـ.
مذهب الحنـابلة
قال المروذي قوله:”ولا تكره القراءة على القبر في أصح الرواتين وقال الشارح: هذا المشهور عن أحمد.
قال الخلال وصاحب المذهب: روايه واحد لا تكره وعليه أكثر الأصحاب في المقنع والمغني، والشرح وغيرهم.
وفي المبدع: ولا تكره القراءة على القبر وفي المقبرة وفي أصح الروايتين.
وفي المقنع لابن قدامة المقدسي فصل في حمل الميت ودفنه ـ ولا تكره القراءة على القبر وفي أصح الروايتين وأي قربة فعلها وجعلها للميت المسلم نفعه ذلك وعلى اعتبار الكراهة التي بنيت على حديث صلى الله عليه وسلم :”لا تجعلوا بيوتكم قبوراً لا يقرأ فيها شئ من القرآن فإن الشيطان ليفر من بيت يقرأ فيه سورة البقرة فمن أخذ بالرأي الثاني فمن فعل أمراً مكروهاً لا يقع في الشرك والضلالة والتكفير.”إن عدم فعل الأمر لا يدل على تحريمه ما لم يرد في التحريم نص شرعي وقوله ” وأي قربة فعلها الــخ“
قال الإمام أحمد:الميت يصل إليه كل خير للنصوص الواردة سواء صام المرء تطوعاً أو صلى تطوعاً أو حج تطوعاً أو قرأ القرآن أو اعتمر فكل العبادات البدنية ينتفع بها الميت كما ينتفع بالعبادات المالية من صدقه وعتق ونحوها باتفاق الأئمة. وما روي عن على بن موسى الحداد قال: كنت مع الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى في جنازة ومحمد بن قدامة الجوهري يقرآ فلما دخلنا المقبرة ودفن الرجل جاء رجل ضرير…الخ أورده القرطبي في التذكرة وكذلك الطبراني. وقال المروذي سمعت أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى يقول:”إذا دخلتم المقابر فأقرءوا بفاتحة الكتاب والمعوذتين وقل هو الله أحد، واجعلوا ثواب ذلك لأهل المقابر فإنه يصل إليهم. كتاب العاقبة عن ابي بكر أحمد بن محمد المروذي وروى النسائي والرافعي في تاريخه و السمرقندي في فضائل سورة الاخلاص من حديث علي: من مر على المقابروقرأ قل هو الله أحد عشر مرة ثم وهب أجره للأموات أعطي من الأجر بعدد الأموات.
مذهب الحنفية
جاء في الفتاوى الهندية ويستحب إذا دفن الميت أن يجلسوا ساعة عند القبر بعد الفراغ بقدر ما تنحر الجزور ويقسم لحمها يتلون ويدعون للميت،وفي رد المختار ” لا يُكره الجلوس للقراءة على القبر في المختار، وفي شرح الهداية لا بأس بقراءة القرآن عند القبورولكن لا يجلس على القبر أولا يدخل في المقبرة. ويدخل لقراءة القرآن “وقال المرغيناني” الهداية” ما نصه: باب الحج عن الغير: الأصل في هذا الباب إن الإنسان له أن يصل ثواب عمله لغيره صلاة أو صياما أو صدقة أو غيرها عند أهل السنة والجماعة لما روى أن النبيّ صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أحدهما عن نفسه والآخر عن أمته ممن أقر بوحدانية الله تعالى.
قال ابن عابدين في رسالته ” شفاء العليل”: يجوز أن يجعل ثواب عمله لغيرة تبرعا لا استنابه في غير الحج والاستئجار قال في الهداية الأصل في هذا أي في جواز الحج عن الغير إن الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيرة أو صوما أو صدقة أوغيرها. قال الشارح لتلاوة القرآن والأذكارعند أهل السنة والجماعة.وذكر بعد أن نقل أن الشافعي ومالكاً استثنيا العبادات البدنية المحصنة كالصلاة والتلاوة، والذي حرره المتأخرون من الشافعية وصول القراءة للميت إذا كانت بحضرته أو دعا له عقبها ولو غائبا لان حمل القراءة تنزل الرحمة والبركة والدعاء عقبها أرجى للقبول” أما ذكره الشافعي فالأمر يحمل على القراءة التي لا تكون عند القبر.
قال الزيلعي في كتابه “تبيين الحقائق” باب الحج عن الغير: الأصل في هذا الباب إنَّ الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره عند أهل السنة والجماعة صلاة أو صياماً أو حجاً أو صدقة أو تلاوة أو ذكراً إلى غير ذلك من أعمال البر ويصل للميت وينفعه“
مذهب المالكية
المذهب جواز استحباب القراءة للميت سواء على القبر او في البيت. في النوازل الصغرى الشيخ المهدي الوزاني المالكي: ” أما القراءة على القبر فنفى ابن رشد في الأجوبة وابن عربي في أحكام القرآن له والقرطبي في التذكرة على أنه ينفع الميت سواء كان في القبر أو قرأ في البيت. أما شهاب الدين فقال إنه لا ينتفع إلا إذا قرأ على القبر مشافهة وذكر عن مالك كراهة ذلك لمن رآه سنة فقال إبن المواق: إنما كره مالك أن يفعل ذلك استنانا“.
وفي حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: ” ذهب ابن حبيب إلى الاستحباب وتأول ما في السماع من الكراهة قائلا : إنما كره مالك إذا فعل ذلك استنانا نقله عن ابن رشد. واقتصر اللخمي على استحباب القراءة وطاهر الرسالة إن ابن حبيب يستحب قراءة يس وظاهر كلام الغير يستحب القراءة مطلقا.
وفي مسند الطيالسي: فوضع على أحدهما نصفها وعلى الآخر نصفا وقال” إنه يهون عليهما ما دام فيها من بلوتهم شيء” قالوا” ويستفاد من هذا غرس الأشجار وقراءة القرآن على القبور وإذا خفف عنهم بالأشجار فكيف بقراءة الرجل المؤمن القرآن”. وقال أيضا ” الأصل الصدقة التي لا اختلاف فيها فكما يصل للميت ثوبا فكذلك تصل قراءة القرآن والدعاء والاستغفار, إذ كل ذلك صدقة فالصدقة لا تختص بالمال.
وقال ابن الحاج في كتابه ” المدخل” لو قرأ في بيته وأهدى إليه لوصلت وكيفية وصولها أنه إذا فرغ من تلاوته وهب ثوابها له أو قال : اللهم اجعل ثوابها له فإن ذلك دعاء بالثواب لأنه يصل إلى اخية والدعاء يصل بلا خلاف: ا.هـ
قال الشيخ الدردير في شرح مختصر خليل المسمى” الشرح الكبير” المتأخرون على أنه لا بأس بقراءة القران والذكر وجعل ثوابه للميت ويصل له الأجر إن شاء الله وهو مذهب الصالحين من أهل الكشف” ا.هـ
وقال الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير المعروفة باسم حاشية الدسوقي :” قال ابن هلال في ” نوازله” الذي أفتى به ابن رشد وذهب إليه غير واحد من أئمتنا الأندلسيين إن الميت ينتفع بقراءة القرآن الكريم ويصل إليه نفعه.
فهذه أدلة ونقول عن أعلام علماء أهل السنة في جواز القراءة على الأموات وأما الاستدلال بالآية الكريمة” وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ” وأجاب الأولون عن الآية ومنهم ابن عباس رضي الله عنهم أن الآية منسوخة بقوله تعالى :” والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم”. أدخل الأبناء الجنة بصلاح الآباء فشفع الله تعالى الآباء في الأبناء والأبناء في الآباء بدليل قوله تعالى:”آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا” وقيل إن الآية خاصة بقوم إبراهيم وموسى عليهما السلام إما هذه الأمة فلها ما سعت وما سعى لها قاله عكرمة
الحج عن الغير والصوم عن الميت
عن عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الفضل رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل الى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت ابي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال “نعم” البخاري صحيح البخاري ـ كتاب الحج ” باب وجوب الحج وفضله “.وكذلك الصوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” من مات وعليه صيام صام عنه وليه”.ورواه البخاري في صحيحه كتاب الصوم: باب من مات وعليه صوم.
الصدقات عن الأموات
روى البخاري في صحيحه في كتاب الوصايا باب إذا قال أرضي أو بستاني صدقة لله عن أمي فهو جائز، وإن لم يبين لمن ذلك. عن ابن عباس رضي الله عنهما أن سعد بن عبادة رضي الله عنه توفيت أمه وهو غائب عنها فقــال : يا رسول الله، إن أمي توفيت وأنا غائب عنها، اينفعها شيء إن تصدقت به عنها. قال: “نعم” قال فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عليها. وأحاديث عديدة منها قضاء الدين عن الميت رواها أحمد، والحاكم والبيهقي وهذه الأحاديث فيها دليل على تخصيص لعموم الآية “وأن ليس للإنسان إلا ما سعى” وذكر القرطبي أن الآية تحتمل أنها خاصة بالسيئة لما في الحديث:” وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله حسنة”. وقيل إن الإنسان بسعيه في الخير وحسن صحبته وعشرته اكتسب الأصحاب واسدى لهم الخير وتردد إليهم فصار ثوابه لهم بعد موته من سعيه. ومنهم من قال الآية لم ينف انتفاع الرجل بسعي غيره له وإنما نفى عمله بسعي غيره وبين الأمرين فرق. فهى نفي ملك غير سعيه وأما سعي غيره فهو ملك الساعية ، فإن شاء يبذله لغيره وإن شاء يُبقيه لنفسه. وقد يقال أليس في حديث :إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة:( إلا من صدقة جارية أو علمٍ ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)، مسلم صحيح مسلم كتاب التوحيد باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته.
الجواب:الحديث نفي استمرار العمل التكليفي الذي يتجدد به للميت الثواب، إما أن ينتفع بدعاء غيره فليس ممنوعاً بدليل أن الميت ينتفع بدعاء غيره والصدقة عنه ولو من غير ولده فكذلك ينتفع الميت بدعاء قارئ القرآن إذا قال : اللهم أوصل ثواب ما قرأته الى فلان.
ابن تيمية مع شذوذه يقول في وصول الثواب للاموات
ابن تيمية له شذوذ في كثير المسائل التي خالف فيها إجماع أهل السنة والجماعة من ذلك تحريمه التوسل بالنبي ومنعه زيارة قبر النبي وقوله اي ابن تيمية بنسبة الجسم لله والحد تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ومع ذلك الوهابية خالفو شيخهم ابن تيمية في مسألة القراءة على الموتى وهذا كلام ابن تيمية قال ابن تيمية ان الله لم يقل إن الإنسان لا ينتفع إلا بسعي نفسه وإنما قال ليس للإنسان إلا ما سعى فهو لا يملك الإ سعيه ولا يستحق غير ذلك أما سعي غيره فهو له كما أن الإنسان لا يملك إلا مال نفسه ونفع نفسه، فمال غيره ونفع غيره هو للغير، فإن تبرع به جاز وهكذا إذا تبرع له الغير بسعيه نفعه الله بذلك كما ينفعه بدعائه له والصدقة عنه وهو ينتفع بكل ما يصل اليه من كل مسلم سواء كان اقاربه أو غيرهم كما ينتفع بصلاة المصلين عليه ودعائهم له عند قبره .وذكر ابن تيمية في فتاويه(مجموعة فتاوى ابن تيمية(24/300) أن الميت ينتفع بقراءة القرآن فقال:” القرآن الذي يصل ما قرئ لله” أ.هـ. وقال أيضاً ” من قرأ القرآن محتسباً وأهداه الى الميت ينفعه ذلك ” أ.هـ. ونختم بما ذكره ابن كثير في البداية والنهاية الجزء الرابع عشر في وصف جنازة ابن تيمية: قال: أما الرجال فحرزوا بستين الفاً الى مائة ألف إلى أكثر من ذلك الى مائتي ألف وشرب جماعة الماء الذي فضل من غسله!؟ واقتسم جماعة بقية السدر الذي غسل به!؟ ودفع في الخيط الذي كان فيه الزئبق الذي في عنقه بسبب القمل (الحرز)، مائة وخمسون درهما وقيل أن الطاقية التي كانت على رأسه دفع فيها خمسمائة درهم؟؟وجعل له جنازة وضجيج ودعاء وتضرع، وختمت له ختمات كثيرة بالصالحية وبالبلد وتردد الناس الى قبره أياماً كثيره ليلاً ونهاراً يبيتون عنده ويصبحون!؟ فالعجب من الوهابية كيف يمنعون التبرك بالأولياء والأضرحة، والناس شربوا ماء غسل ابن تيمية على ما نقل ابن كثير سبحانك هذا بهتانٌ عظيم.
آثـــار في القراءة على القبر.
ذكر الخلال في كتابه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر آثاراً في القراءة على القبر فمن أراد عليه الرجوع إلى الكتاب.
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمة أبي جعفر الهاشمي الحنبلي شيخ الحنابلة المتوفى سنة 470 ودفن الى جانب قبر الإمام أحمد ولزم الناس قبره مدة حتى قيل ختم على قبره عشرة آلاف ختمة“.
وفي كتاب السير وتذكرة الحفاظ وطبقات الشافعية عند ذكر وفاة الخطيب البغدادي:” وختم له عده ختمات” .
وفي تاريخ الإسلام قال السلفي ذَكَرَ لي الساجي في ثاني جمعه من وفاة ابي منصور أحمد بن علي الخياط ” 499 ” اليوم ختموا على رأس قبره مائتين وإحدى وعشرين ختمة.
قال القرطبي في التذكرة “وقد ذكر الخرائطي في كتاب”القبور” قال سنه في الأنصار إذا حملوا الميت أن يقرؤوا معه سورة البقرة” أ.هـ.
روى البيهقي في السنن الكبرى بإسناد حسن أن ابن عمر استحب أن يقرأ على القبر بعد الدفن أول سورة البقرة وخاتمتها” أ.هـ.
. حديث معقل بن يسار ” اقرءوا على موتاكم يـــّس” رواه أبو داود في السنن كتاب الجنائز باب ما يقول في الصلاة على الميت. والنسائي في عمل اليوم والليلة، وابن ماجه كتاب الجنائز،” باب ما جاء فيها يقال عند المريض إذا حُضر”. واحمد، والحاكم وابن حبان. ورغم أن هذا الحديث مختلف في صحته لا يمنع من العمل به سيما أن الآثار عن الصحابةُو التابعين تعضده.
روى الطبراني في المعجم الكبيرعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول:” إذا مات أحدكم فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره وليقرأ عند رأسه بفاتحة الكتاب وعند رجليه بخاتمة البقرة في قبره.
روى النَسَائي والرافعي في تاريخه وأبو محمد السمرقندي في فضائل سورة الإخلاص”. من حديث علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من مر على المقابر وقرأ قل هو الله أحد إحدى عشر مرة ثم وهب أجره للأموات أعطي من الأجر عدد الأموات” قال محمد بن أحمد المروذي أحد تلاميذه الإمام أحمد : “المقصد الأرشد سمعت أحمد بن حنبل يقول: إذا دخلتم المقابر فاقرءوا آية الكرسي وقل هو الله أحد ” ثلاث مرات ثم قولوا اجعل فضله لأهل المقابر ” أ.هـ.
وروى أبو بكر في الشافي قال محمد بن أحمد المروذي”سمعت أحمد يقول، إذا دخلتم المقابر فاقرءوا بفاتحة الكتاب والمعوذتين والإخلاص واجعلوا ثواب ذلك لأهل المقابر فإنه يصل إليهم”.أهـ.
قال الشيخ البهوتي في كتابه” شرح منتهى الإرادات” وهو حنبلي المذهب “وسن للزائرين فعل ما يخفف عنه ولو بجعل جريدة رطبة في القبر، للخبر وأوصى بذلك.
مشروعية تلقين الميت في القبر
قال جماعة كثيرون من العلماء باستحباب تلقين الميت بعد الدفن، والتلقين هو أن يقف إنسان على رأس الميت بعد إهالة التراب على القبر ويقول ما جاء بالحديث مما فيه تذكير للميت بالقول الثابت عند سؤال الملكين الكريمين “منكر ونكير”، و العلماء المعتبرون على استحبابه ومنهم :
الحافظ الفقيه النووي الشافعي في كتابه روضة الطالبين وعمدة المفتين، كتاب الجنائز، باب الدفن، قال ما نصه: هذا التلقين استحبه جماعات من أصحابنا منهم القاضي حسين وصاحب التتمة والشيخ نصر المقدسي في كتابه التهذيب وغيرهم ونقله القاضي حسين عن أصحابنا مطلقا، والحديث الوارد فيه ضعيف لكن أحاديث الفضائل يتسامح فيها عند أهل العلم من المحدثين وغيرهم، وقد اعتضد هذا الحديث بشواهد من الأحاديث الصحيحة كحديث:” اسألوا له التثبيت“، ووصية عمرو بن العاص: “أقيموا عند قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم وأعلم ماذا أراجع به رسل ربي”. ، ولم يزل أهل الشام على العمل بهذا التلقين من العصر الأول وفي زمن من يقتدى به. اهـ
الفقيه علاء الدين المرداوي الحنبلي في كتابه الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، كتاب الجنائز، باب تلقين الميت بعد دفنه وتطييبه، قال ما نصه: فائدة: يستحب تلقين الميت بعد دفنه عند أكثر الأصحاب.
الفقيه الحنفي أبو بكر بن علي بن محمد الحدادي العبادي اليمني الزبيدي في الجوهرة النيرة شرح مختصر القدوري في فروع الحنفية، باب الجنائز، قال ما نصه: وأما تلقين الميت في القبر فمشروع عند أهل السنة. اهـ
الفقيه المالكي أبو عبد الله محمد بن يوسف العبدري الشهير بالـمواق في كتابه التاج والإكليل لمختصر خليل، كتاب الجنائز، باب زيارة القبور، قال ما نصه: قال أبو حامد: ويستحب تلقين الميت بعد الدفن .وقال ابن العربي في مسالكه: إذا أدخل الميت قبره فإنه يستحب تلقينه في تلك الساعة وهو فعل أهل المدينة الصالحين من الأخيار. اهـ
فقد روى الطبراني في المعجم الكبير عن سعيد بن عبد الله الأودي قال: شهدت أبا أمامة الباهلي وهو في النزع فقال: إذا أنا مت فاصنعوا بي كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: “إذا مات أحد من إخوانكم فسويتم التراب عليه فليقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة فإنه يسمعه ولا يجيب ثم يقول: يا فلان ابن فلانة، فإنه يستوي قاعدا. ثم يقول: يا فلان ابن فلانة، فإنه يقول: أرشدنا رحمك الله، ولكن لا تشعرون فليقل: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأنك رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وبالقرآن إماما، فإن منكرا ونكيرا يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه يقول: انطلق بنا ما نقعد عند من لقن حجته فيكون الله حجيجه دونهما“. قال رجل: يا رسول الله فإن لم يعرف أمه؟ قال: “فينسبه إلى حواء يا فلان بن حواء“.
قال الحافظ النووي في الأذكار: وسئل الشيخ الإمام أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله عن هذا التلقين فقال في فتاويه: التلقين هو الذي نختاره ونعمل به، وذكره جماعة من أصحابنا الخراسانيين قال: وقد روينا فيه حديثا من حديث أبي أمامة ليس بالقائم إسناده، ولكن اعتضد بشواهد وبعمل أهل الشام به قديما. اهـ
قال الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير وإسناده صالح وقد قواه الضياء في أحكامه وأخرجه عبد العزيز في الشافي والراوي عن أبي أمامة سعيد الأزدي بيض له بن أبي حاتم ولكن له شواهد منها ما رواه سعيد بن منصور من طريق راشد بن سعد وضمرة بن حبيب وغيرهما قالوا: إذا سوي على الميت قبره وانصرف الناس عنه كانوا يستحبون أن يقال للميت عند قبره يا فلان قل لا إله إلا الله قل أشهد أن لا إله إلا الله ثلاث مرات قل ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد ثم ينصرف.اهـ
قال المحدث إسماعيل العجلوني في كتابه كشف الخفاء: قال في اللآلئ حديث تلقين الميت بعد الدفن قد جاء في حديث أخرجه الطبراني في معجمه، وإسناده ضعيف، لكن عمل به رجال من أهل الشام الأولين مع روايتهم له، ولهذا استحبه أكثر أصحاب أحمد انتهى، وأقول: كذا أكثر أصحابنا كما يأتي. اهـ ثم قال: قواه الضياء في أحكامه، ثم الحافظ ابن حجر أيضا بـما له من الشواهد، ونسب الإمام أحمد العمل به لأهل الشام. وابن العربي لأهل المدينة، وغيرهما لقرطبة، قال في المقاصد وأفردت للكلام عليه جزءا.اهـ
قال ملا علي القاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، عن تلقين الميت: وهو سنة على المعتمد من مذهبنا خلافا لمن زعم أنه بدعة كيف وفيه حديث صريح يعمل به في الفضائل اتفاقا بل اعتضد بشواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن. اهـ
هذه أدلة جواز القراءة انتفاع الميت بقراءة القرآن والصدقات على المذاهب الأربعة فهل سيرجع المانعون عن كلامهم بتحريم ومنع القراءة على الموتى أم سيخرجون عن إجماع الأئمة وعلماء الأمة ؟.
عقيدة أهل السنة والجماعة
إعلم أن عقيدة المسلمين سلفاً وخلفاً بلا شك ولا ريب أن الله سبحانه وتعالى هو خالق العالم، قائم بنفسه مستغن عن كل ما سواه، فكلنا نحتاج إلى الله ولا نستغني عنه طرفة عين، والله تعالى لا يحتاج لشىء من خلقه، ولا ينتفع بطاعاتهم ولا ينضرّ بمعاصيهم، ولا يحتاج ربنا إلى محل يَحُلُّهُ ولا إلى مكانٍ يُقِلُّهُ، وأنه ليس بجسم ولاجوهرٍ. واعلم أن الحركة والسكون والذهاب والمجيء والكون في المكان، والاجتماع والافتراق، والقرب والبعد من طريق المسافة، والاتصال والانفصال، والحجم والجرم، والجثة والصورة والشكل والحيز والمقدار والنواحي والأقطار والجوانب والجهات كلها لا تجوز عليه تعالى لأن جميعها يوجب الحد والنهاية والمقدار ومن كان ذا مقدار كان مخلوقاً، قال تعالى:(وَكُلُّ شَىءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ). والله سبحانه وتعالى خالق العالم بأسره علويّه وسفليّه. والأرض والسموات، قادر على ما يشاء، فعال لما يريد، موجود قبل الخلق ليس له قبل ولا بعد ولا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال ولا أمام ولا خلفٌ ولا كلٌ ولا بعضٌ ولا طولٌ ولا عرضٌ، كان ولا مكان، كوّنَ الأكوان ودبّر الزمان، لا يتخصّص بالمكان، ولا يتقيد بالزمان، ليس بمحدود فيحدَّ، وليس بمحسوس فيجسَّ، لا يُحس ولا يُمس ولا يُجس. وكل ما كان من معاني الأجسام وصفات الأجرام فهو عليه تعالى محال، وكل ما ورد في القرآن أو السنة وصفاً لله تعالى فهو كما ورد وبالمعنى الذي يليق بالله تعالى بلا تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه. ولا يجوز حمل المتشابه من الآيات والأحاديث على ظواهرها،ومن فعل ذلك فقد كذَّب القرءان وخرج عن إجماع الأمة الإسلامية. وفي هذا يقول شيخ الإسلام الحافظ البيهقي (ت 458 هـ) رحمه الله: ”وفي الجملة يجب أن يُعلم أن استواء الله سبحانه وتعالى ليس باستواء اعتدال عن اعوجاج، ولا استقرار في مكان، ولا مماسة لشيء من خلقه، لكنه مستوٍ على عرشه كما أخبر بلا كيف بلا أين، وأن إتيانه ليس بإتيان من مكان إلى مكان، وأن مجيئه ليس بحركة، وأن نزوله ليس بنقلة، وأن نفسه ليس بجسم، وأن وجهه ليس بصورة، وأن يده ليست بجارحة، وأن عينه ليست بحدقة، وإنما هذه أوصاف جاء بها التوقيف فقلنا بها ونفينا عنها التكييف، فقد قال الله تعالى:(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ)، وقال تعالى:( وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ) وقال تعالى:(هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا)، انتهى من كتاب الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد.