رؤية المؤمنين لله في الجنة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
إن من أعظم نعيم الجنة للمؤمن رؤية الله تبارك وتعالى الذي ليس كمثله شيء فبعد دخول المؤمنون الجنة يمّكنهم ربهم من أن يحظوا بنعمة رؤية ذاته الذي لا يشبه شيء من الخلق كما جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم قال:( إذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ، يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ” وَفِي رِوَايَةٍ: “ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ:(لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ)، ومعنى يكشف الحجاب أي الحجاب المعنوي وليس الحجاب الذي يفصل بين الأجسام لأنَّ أهل الجنة يكونون بمكانهم بالجنة والله تعالى يكون بلا مكان ولا جهة، ورؤية الله الذي ليس كمثله شيء في الجنة مذكورة في القرآن العظيم في أكثر من أية ترغيباً للمؤمنين وتشويقاً لهذه النعمة العظمى وتكاثرت الأحاديث الصحية في اثبات رؤية الله تعالى في الآخرة وفِي الْقُرْآنِ ذكرت صَرَاحَةً رؤية الله فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)، وجوه أهل الجنة الموصوفة بالنضرة والحسن والسرور والنعومة وكل هذا لفرحهم برؤية ربهم الذي عبدوه الله لا يوصف بصفات الخلق ولا يتخيل بالذهن ولا يتصور في الوهم فلما يرونه يكتمل نعيم الجنة عليهم ويفرحون وأي فرح بالنظر إلى الله تعالى العظيم الجليل، وَسَمَاعُ كَلَامِهِ بالرضا عنهم ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَالَ سُبْحَانَهُ وتعالى:(ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ)، قَالَ جَابِرٌ وَأَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: “هُوَ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ“. وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم إثبات رؤية المؤمنين لربهم قوله صلى الله عليه وسلم:” إنكم سَتَرَونَ ربَّكُم يومَ القيامةِ كما ترونَ القمرَ ليلةَ البدرِ لا تَضامُّونَ في رؤيته”، أي لا تتزاحمون في رؤيته وذلك لأن رؤية الله لا تكونُ بالمقابلة والمواجهة إنما اللهُ يكشِفُ الحجاب عن أبصار المؤمنين أي يُعطي المؤمنين في أبصارهم قوةً يَرَوْنَ بها الله بلا جهة ولا مكان كما نبَّه على ذلك الإمام أبو حنيفةَ رضي الله عنه، فإنه قال: ولقاءُ اللهِ لأهل الجنة – أي رؤيتهم لله – بلا جهة ولا تشبيه ولا كيف حق. أنَّ اللهَ سبحانه لا يُشبهُ القمرَ حاشا وكلاَّ إنما النبيُّ صلى الله عليه وسلم شبَّه رؤيتنا لله من حيث عدم الشك برؤية القمر ليلة البدر ولم يشبه الله تعالى بالقمر، فكما أن مُبْصِرَ القمر ليلة البدر ليس دونه سحابٌ لا يَشُكُّ أن الذي رءاه هو القمر كذلك المؤمنون عندما يرون الله تعالى يرونه رؤيةً لا يكونُ عليهم فيها اشتباهٌ فلا يشكُّون هلِ الذي رأوْه اللهُ أو غيره، لأنهم يَرَوْنَ من ليس كمثله شيء، هذا معنى الحديث. وليس الأمر كما توهَّم بعض الجهال ممن لم يتعلم علم التوحيد فإنه لما سمع هذا الحديث اعتقد أنَّ اللهَ يُشبه القمر وذلك كفرٌ بالله تعالى لأنه تكذيبٌّ لقوله تعالى: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ }، ولكنَّ الله يسَّر له الخير فسأل بعض العلماء عن ذلك فبيّن له الصواب فرجع إلى الإسلام بالشهادتين ولله الحمد.