الخمر أم الخبائث
الخمر نجس مسكر خبيث حرمه الله، وكل ما استُحدثَ له إسمٌ في أيامنا وكانت فيه صفة الخمر فهو حرام، كالبيرة والنبيذ المسكر، والعَرَقِ، وما يسمونه بالمشروبات الروحيه، وكذا بعض الأشربة التى تعطي قوة ونشاطاً وفيها من الخمر ولو جزءً يسير، وكل ما تسمى به الخمرة بلغات غير عربية شاعت في زماننا فهو حرام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ )، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " الخمرُ ما خامَرَ العقلَ"، ومعنى خامرَ العقل أي غطاهُ بالسُكْرِ والذهولِ، فالخمرُ ليس من نوعٍ معين مخصوص بل هو كلُ ما أَسكَرَ وغطىَ العقل واختلَ به التمييز سُكراً وتلذذاً ونشوة وطرباً سواء كان من العنب أو التفاح أو الشعير أوالذرة أوالعسل أو اليانسون أو من الفواكة وغيرها إذا وصلت الى حالة التخمر كأن ترك الشراب حتى وصل الى حالة الغليان والنشيش وهو صوت يطلع عند ارتفاع الشراب وفورانه، أو صُنع بآلات و بالحرارة حتى اختمر، والقليل من الخمر والكثير حرام ، لقوله صلى الله عليه وسلم:( مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ ، فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ )، وتحريم شرب الخمر جاء في القرأن والحديث وإجماع علماء المسلمين إجماعاً لا خلاف في تحريمه، قالَ اللهُ تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ/ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ )، وفي حديث رسول الله صلىَ الله عليه وسلم قال:( إِنَّ اللهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْخَمْرَ، فَمَنْ أَدْرَكَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ وَعِنْدَهُ مِنْهَا شَيْءٌ فَلَا يَشْرَبْ، وَلَا يَبِعْ )، وحرمة شرب الخمر معلومة عند عامة المسلمين علمائهم وجهالهم فمن أنكر حرمة شرب الخمر كذّب القرءان والحديث النبوي والإجماع فيكفر، إلا أن يكون كقريب عهد بالمسلمين ما علم أنه يحرم الخمر في الإسلام فإن استحلها لا يكفر، يُعلم يقال له في دين الإسلام الخمر حرام فان عاد واستحل بعدها يكفر، أما لو لم يَستحلَ المسلم شربَ الخمر بل سولت له نفسه فشرب الخمر فهو مُسلم عاصي فاسق ولا يُكفَرُ ، إنماَ وقَعَ في ذنبٍ من أكبر الكبائر، وأما قوله عليه الصلاة والسلام:« لا يشربُ الخمرَ الشاربُ حينَ يشربها وهو مؤمنٌ»، فليسَ معناهُ أنه يخرجُ منَ الإسلامِ بمجردِ الشرب بل معناهُ لا يكونُ إيمانهُ كامِلاً ما دام يعاقر الخمر، وما يقوله البعض من أنّ تحريم الخمر ليس صريحًا في القرأن فهو افتراءٌ ومراوغة، ففي قول الله تعالى:(فَاجْتَنِبُوهُ)، مع قوله تعالى: ( فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُون )، دليلٌ واضح صريح على حُرمة شرب الخمر، وقبل نزول هاتين الآيتين لم تكن الخمر محرمةً على أمة محمد، أي القدر الذي لا يضرُ الجسم، ومع ذلك فإنَّ الأنبياء لا يشربونها أبداً ولا يحثون أممهم على شرب الخمر بتاتاً، لأنَّ ذلك ينافي حكمة البعثة التي هي تهذيبُ النفوس والإرشاد على حفظ العقول لا إلى تضيعها والإضرار بالنفس، فما من نبي شرب الخمر لا قبل النبوة ولا بعدها بتاتا لأن الخمرة حرام في كل شرائع الأنبياء، وأما قوله الله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُون)، فهذا نَزلَ قبل التحريم، وكذلك قوله تعالى:( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالميْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ)، فظَلُّوا يشربونَ الخمر بعد نزول هاتين الآيتين بل لمّا نزلت هاتان الآيتانِ قال سيدنا عمر رضيّ الله عنه اللهمَّ بيّن لنّا في الخَمرِ بيانًا شافيًا ثمَّ نزلَ قوله تعالى:( فَاجْتَنِبُوه) مع قوله تعالى:(فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ)، قال سيدنا عمر "إنتهينا إنتهينا" وأراقوا الخمر حتى جرت في الطرقات. وحتَّى لا يكون عليهم مشقّةٌ زائدةٌ في الإقلاعِ عن شربِ الخمر أنَزَلَ الله التحريمَ شيئًا فشيئًا حكمة منه تبارك وتعالى وتسهيلاً عليهم ليتركوها، وفي حديث ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم:( يَقُول أَتَانِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ يَا مُحَمَّد إِن اللهَ لعنَ الْخمر وعاصِرها ومعتصِرها وبائعِها ومبتاعها وشاربها وآكلِ ثمنهَا وحاملها والمحمولةِ إِلَيْهِ وساقيها ومستقيِها )، والحديثُ ليسَ فيه ذِكرُ " ناظرُها " فأنَّ منَ النّاس من يَزيدُ من عندِه قولَ "وناظرُها" والناظرَ للخمرِ لايكونُ عاصياً إلا ان إستحَسَنَ ولم يُنكِرُها، والخمرُ وصفت بأقبحِ الصفاتِ في القرأن العظيم وصفها اللهُ بأنها رِجسٌ من عَمَلِ الشيطان وقرَنها بالميسرِ وهو القمار وتوقعُ العداوة والبغضاء بين الناس، وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة كما أخبر الله بقوله تعالى: (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون)، وشارب الخمر يفقدُ عقلَهُ ويتشبه بالمجانين بل ربما يقتلُ نفسَهُ ويؤذيها أو يقتل غيره وهو لا يشعرُ وربما يزنى بأقرب الناس له وهو لا يشعرُ ويَعتَدي على غيرِه وهو لا يَشعر وهذا مشاهدٌ في أحوال السُكارى المخمورين ، ناهيك عن أحوال معروفة بالبشاعة والرذالة لمن تعاطها من كشف العورات والتلفظ بقبيح الكلام والسباب ونحوه، والخمر كريهة المَذاق تصدع الرأس وتضعف الغيرة على الأعراض وتذهب الشهامة وتورث الخزي والندامة والفضيحة بين الناس، وفي الخمر تبذيرالمال في الحرام، ومدمنها كعابد وثن تشبيها لعظم ذنبه وخطورة فعله كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مُدْمِنُ خَمْرٍ كَعَابِدِ وَثَنٍ )، معناه أن الذي يُواظبُ ويُداوِمُ على شُربها ذنبهُ كبيرٌ كأنَّهُ يعبدُ الوثنَ في شدَّةِ إثمِهِ، وقد يُبتَلى بسوءِ الخاتمةِ عندَ الموتِ، والخمر مفتاح الشرور قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تَشْرَبِ الخمرَ فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ)، فكم حركت الخمر من قتال وعراك بين الأصحاب، وكم أذلت الخمر من عزيز وكم فرقت بين رجل وزوجته وعياله فذهبت بلبّه فترك عياله ولهث وراء السكر والغيبوبة عما هو ملزم فيه من الواجبات، وربما ضرب السكران زوجته فكسرها وربما طلقها من غير سبب، فهو لا يدرك ما يقول وما يفعل، فتراه يضحك ويبكي من غير سبب، ويترنح لا يميز بين الأشياء تائها تجدُه دائماً في ضيقٍ وغمٍ وقلق لأنَّ قلبهُ معلقٌ بالخمرِ لا يفرحُ ولاينشرح إلا بتناولها والإجتماع عليها، وآفاتُ الخمر لو تحصى أضعاف أضعاف ما ذكرنا، وكلها بشعة قبيحة قذرة وكيف لا والخمر أم الخبائث كما سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" ( الْخَمْرُ أُمُّ الْخَبَائِثِ )، والخمر مضرة بالصحة بإجماع أهل الطب المسلمين وغيرهم ولا يخفى كم من أمراض جسدية تورث الخمر منها اضطرابات في الجهاز الهضمي، والتهاب البنكرياس والقرحة في المعدة، وأضرارا واضحة في الكبد والدماغ والجهاز العصبي، وفقدان في الذاكرة، وأمراض القلب والسكته الدماغيه، والسرطان في البلعوم والحنجرة والمعدة ، والتقيؤ وغير ذلك الكثير مما يذكره الأطباء من أمراض نفسية وأوجاع وأسقام كثيرة ، وأما أضرار الخمر في المجتمع فالإغراء بالزنا وكشف العورات وارتكاب الرذائل والفواحش وقلة الحياء والأدب ، ولا يخفى ما يحصلُ سَنوياً من حوادثِ سيرٍ في الطرقات يموت فيها الكثير وكم امتلائت سجون بلاد تدعي الحضارة من المدمنين على الخمر وما يحصل في الحفلات من أضرار من السكارى وفوضى وشغب وإتلاف للأموال والممتلكات وما تبذلهُ الحكومات من محاربة لهذا الداءِ المهلك للفرد والمجتمع، وكما حرمَّ الله شربها حرم بَيعها فعن ابن عباس قال: لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخمرِ ، قَالُوا: يارسول الله أَنَبِيعُ ؟ قال:( إِنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ ثَمَنَهَا ، أَهْرِيقُوهَا )، وليحذر من الفتاوى الفاسدة التى تبيح بيع الخمر كما صرح بذلك يوسف القرضاوي الذي شجع بفتواه الجائرة الباطلة على الإعانة على شرب الخمر وبيعها، ولقد حذر الإمام الشيخ عبد الله الهررى رحمات الله عليه من هذه الفتوى في كتابه "التحذير الشرعي" فقال: ومن أعجب فتاوى يوسف القرضاوي أنه أباح بيع الخمر ولحم الخنزير في متاجر يملكها مسلمون إذا كان لا بد من بيعها بشرط أن تكون نسبة المواد المحرمة قليلة من جملة التجارة العامة وفي هذه الفتوى تجرأ على الله وعلى شرعه، فأين في شرع الله أنه إذا كانت المواد المحرمة أقل من المواد الحلال يجوز بيعها، ألم يبلغه أن الله تبارك وتعالى سماها رجسا، ألم يسمع بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه ابن ماجه:" لُعِنَتِ الْخَمْرُ عَلَى عَشَرَةِ أَوْجُهٍ : بِعَيْنِهَا ، وَعَاصِرِهَا ، وَمُعْتَصِرِهَا ، وَبَائِعِهَا ، وَمُبْتَاعِهَا ، وَحَامِلِهَا ، وَالْمَحْمُولَةِ إِلَيْهِ ، وَآكِلِ ثَمَنِهَا ، وَشَارِبِهَا ، وَسَاقِيهَا )، ألم يسمع بحديث البخاري أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ ، وَالْمَيْتَةِ ، وَالْخِنْزِيرِ ، وَالْأَصْنَامِ ، فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ ؛ فَإِنَّهُ تُطْلَى بِهَا السُّفُنُ ، وَتُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ ، فَقَالَ : لَا ، هُوَ حَرَامٌ ) انتهى... فالواجب على من ابتلي بشرب الخمر أن يبادر بالتوبة إلى الله الغفور التواب الستار ، والإقلاع عن الذنب ، والندم على ما فعل ، والعزم على عدم العودة. فمن لم يفعل استحق الحدَّ في الدنيا لو وجد خليفة للمسلمين يقيم الحدود، أوالعذاب الشديد في الآخرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يَشْرَبُ الْخَمْرَ رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِي فَيَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَلاةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا )، والمعنى أنه لا يُثيبه الله عليها لا أنه لا تجب عليه الصلاة ، بل يتوجب عليه أن يأتي بجميع الصلوات ، ولو ترك الصلاة في هذا الوقت لكان مرتكبا لكبيرة من أعظم الكبائر، ولكن يُحرمُ ثواب الصلاة فرضاً أو نفلاً أربعين يوماً لشؤم ذنب شرب الخمر، ولقد جاء في الحديث أن عقوبة شارب الخمر في الآخرة شديدة أليمة فعن جابر رضي الله عنه قال قدم رجل من اليمن فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة ، يُقَالُ لَهُ : الْمِزْرُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : أَوَ مُسْكِرٌ هُوَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ ، إِنَّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ ؟ قَالَ : عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ) وفي حديث الإسراء أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم رأى أناسًا يشربونَ من الصَديدِ الخارجِ منَ الزناةِ ، فقالَ لَهُ جبريلُ، هؤلاءِ شاربوا الخمرِ المُحرَّمِ في الدنيا، وقال صلىَ الله عليه وسلم:(منْ شَرِبَ الخمرِ في الدنيا ثمَّ لم يتُب منها حُرِمَها في الآخرةِ )، أي لم يشرب من خَمر الجنة الذي لا يُسكرُ ولا يُضعف العقل بل به لذة اللشاربين. والحمد لله أولاً واخرا.