نشوز الزوجة على زوجها
النشوز لغة من النشز وهو المكان المرتفع، قال ابن منظور في لسان العرب النشوز يكون بين الزوجين وهو كراهية كل واحد منهما صاحبه واشتقاقه من النشز وهو ما ارتفع من الأرض، ونشزت المرأة بزوجها وعلى زوجها تنشز وتنشز نشوزاً وهي ناشزٌ أي ارتفعت عليه واستعصت عليه وأبغضته وخرجت عن طاعته وفركته، قال الله تعالى:(وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا)، ونشوز المرأة في مصطلح الشرع هو خروج الزوجة عن الطاعة الواجبة للزوج عليها فالمرأة إن نشزت على زوجها لغير عذر وقعت في معصية من كبائر الذنوب، وصور وأمثلة نشوز الزوجة على زوجها كثيرة منها أن تمنعه من الاستماع بها بما هو جائزٌ أو تأتيه للفراش وهي كارهة أو أن يجد منها إعراضاً وعبوساً بعد لطف وطلاقة وجه، أو أن تتعطر له وتتزين ثم تمنعه نفسها وتتغير عما كانت تفعله من الطواعية له، أو أن تأنف عن إمتاعه بالجماع ونحوه كأن تتثاقل وتتباطأ أو تطلب عوضاً وتشترط أمور مقابل تمكينها من نفسها أو تفعل ما ينفره من الاستمتاع بها بأي طريقة، وكل ذلك يدخل في معنى النشوز المحرم، والواجب على المرأة أن تُلبى لزوجها حاجته من الاستمتاع راضية طيبة نفسها بذلك محتسبة الثواب والأجر عند الله تعالى، ومن النشوز المحرم أن تخاطب المرأة زوجها بكلام خشنٍ بعد أن كان كلامها ليناً فيه من الغنج والدلال ونحوه. وكذا من النشوز أيضاً أن تخرج من بيته دون إذنه أو تقيم عند أهلها بغير رضاه أو أن ترفض السفر معه لغير عذر، وكذا لو أدخلت المرأة دار زوجها من لا يرضى ويكره ذكوراَ أو إناثاً، أو بتركها شيئا من فروض الله كترك الصلاة أو صيام رمضان لغير عذر أو تتمنع من غسل الجنابة أو تخونه في نفسها ونحو ذلك كله، ومما يدل على أنَّ النشوز من الكبائر ما ورد من الوعيد الشديد لمن تنشزُ على زوجها وتمتنعُ عن فراشه أي عن الجماع ومقدماته من الاستمتاع الجائز ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:( إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ ، هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا، لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ )، وفي رواية حتى (ترجع) رواها مسلم، ويترتب على نشوز المرأة على زوجها زيادة على الوقوع في الذنب الكبير ووجوب التوبة عليها سقوط حقها من النفقة والسكنى والقسم في المبيت وعلى الزوج تأديبها بوعظها وهجرها بالفراش أو ضربها في بعض الحالات فإن رجعت الزوجة عن إصرارها على النشوز سقط ما ترتب على النشوز، وإنما يحصل النشوز من فاسقات النساء وإلا فالمؤمنة التقية لا تُحيل زوجها إلى هذا التصرف ولا تلجئه إلى هذا؛ لأنَّ عندها من خوف الله عز وجل ومراقبته ما يعقلها ويمنعها عن هذه الأمور، وفي تفاصيل ما يترتب على النشوز تفاصيل في كتب الفقه يطول ذكرها قال الله تعالى:(وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ)، والمرأة الناشزة يكون وعظها بالرفق واللين من الكلام الطيب وفي الوقت المناسب الذي يرجى فيه قبولها ورجوعها كأن يقول لها الزوج كوني من الصالحات اللواتي ذكرهنَّ الله في القران العظيم:( فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ )، ولا تكوني من كذا وكذا ممن ذمهم الله ورسوله ويذكرها بما أوجب الله عليها من حسن الصحبة وجميل العشرة للزوج ويحذرها عقاب الدنيا بالهجر وسقوط النفقة ونحوه ويحذرها عقاب الآخرة لكونها خالفت أمر الله تعالى الذي أوجب عليها طاعة الزوج بنفسها والانقياد له بالمعروف وحسن العشرة ويبين لها فلعلها تبدي عذراً أو تتوب عما وقع منها بغير عذر ويستحب أن يبرها ويستميل قلبها بشيء تفرح به وأن يتحمل ما يبدو له منها ما دام قادر على ذلك لكون ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم:(استوصُوا بالنِّساءِ خيرًا، فإنَّهنَّ خُلِقْنَ مِن ضِلَعٍ، وإنَّ أعوجَ شيءٍ في الضِّلع أعلاه، فإنْ ذَهبتَ تُقِيمه كَسَرْتَه، وإنْ تركْتَه لم يزلْ أعوج، فاستوصُوا بالنِّساء خيرًا)، أما إن كان لها عذر شرعي كأن كانت في حالة حيض أو نفاس أو كانت مُحرمة بحج أو بعمرة أو كانت صائمة فرضاً فتمنعت عن النكاح لأجل هذا فلا نشوز عليها ما دامت لها أعذارها وليس لها إن كانت حائضاً أو نفساءَ أن تمنعه ما دون الفرج من الاستمتاع إن كان لا يضرها، أما يفعلنه الكثيرات من النساء في أيامنا مما يعدونه عذراً كقول الزوجة لا أريده أو تقول زهقت منه أو لا أحبه ونحو ذلك أو تطلب مقابل الاستمتاع التوسع بالعيش فتمتنع لأجل ذلك فهذا لا عذر لها فيه وكثير من الزوجات والأزواج يقعون في موبقات من القول والعمل بسبب الجهل بأمور الدين ومنها تعلم حق الزوج على زوجته وحق الزوجة على زوجها، وكذلك الرجل ليس له أن يؤذيها بالقول والفعل ويستحب للزوج المبادرة بالصلح مع الزوجة حالة النفور والنشوز رغبة في إبقاء العلاقة الزوجية بينهما وتحقيق مصلحة للطرفين وإن كان الطلاق جائزاً وبيد الرجل لكن الصلح مرغوب به، قال الله تعالى:(وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ)، وليحذر من ظلم الزوج لزوجته المطيعة له ففي الآية:( فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا)، فاذا تركت الزوجات النشوز لا يجوز البغي عليهن ولا الهجر ونحوه ما دامت قد اطاعت المرأة ربها ورجعت إلى رشدها وختام الآية يذكر بتقوى الله أي أنَّ الله تعالى أعلى من كل عليّ قدراً وأكبرُ من كل كبيرٍ عظمة وسلطاناً فلا تظالموا فإنَّ الله منتقم قادر وهذه حكمة بالغة قرآنية، فيا أيها الزوج المتسلط لا تبغ ولا تستعل ولا تستكبر وتنبه وتذكر أنَّ الذي أحلَّ لك الزوجة بالعقد الشرعي أقوى عليك منك على زوجتك الضعيفة المنكسرة التى منّ الله بها عليك واذكر قوله تعالى:( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا)،