غيبة أهل الصلاح والتقوى
قال العلامة الشيخ عبد الله الهرري رحمه الله قال الله تعالى:(وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ)، وهذا تمثيلٌ وتصويرٌ لِما ينالهُ المُغتابُ مِنْ عِرْضِ المغتابِ على أفحَشِ وجْه وفيهِ مُبالغاتٌ مِنها الاستفهام الذي معناه التقرير. ولما قرّرهم بأنّ أحدًا منهم لا يحبُّ أكلَ جِيفةِ أخيهِ عقَّب ذلكَ بقوله ﱡ(فَكَرِهْتُمُوهُ) ، أي فتحقَّقَت كراهتُكم له باستقامةِ العقلِ فليَتَحقّقْ أن تكرهوا ما هو نظيرهُ منَ الغيبةِ باستقامةِ الدّين. والغيبةُ المحرمةُ اختلفَ كلامُ العلماءِ فيها فمنهم من اعتبرها كبيرةً ومنهم من اعتبرها صغيرةً، والصوابُ التّفضيلُ في ذلكَ فإنْ كانت الغيبةُ لأهلِ الصلاحِ والتقوى فتلكَ لا شكَّ كبيرةٌ وأمّا لغيرهم فلا يُطلَقُ القولُ بكونها كبيرةً، وما نُقِلَ عن القرطبي من أنها كبيرةٌ بالإجماعِ فغيرُ سديد ، لكنّ المسلمَ الفاسقَ إذا اغتيبَ إلى حدّ الإفحاشِ كبيرةٌ كأنْ يُبالغَ في ذِكرِ مَساوئِهِ على غير وجهِ التحذيرِ، بل لمجردِ التّفَكُّهِ وعلى ذلكَ يُحمَلُ حديثُ «إنَّ أربى الرِبا استطالةُ الرجلِ في عِرْضِ أخيهِ المسلم« رواه أبو داود، فإنّ هذه الاستطالةُ كبيرةٌ بل مِنْ أشدِّ الكبائرِ لِوَصْفِ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها أربى الربا أي أنّها في شدةِ إثمِها كأشدِّ الربا. وليسَ من الغيبة أن يُقالَ هذا الفُندُقُ أحلى من هذا الفندق أو طعامُهُ ألذُّ من هذا أنظفُ من هذا أو هذا الدكان الثيابُ التي عندهُ أحلى من الدكانِ الآخر أو هذا سعرهُ أرخصُ من هذا لأنّ الشخصَ لا يتأذّى من هذا لو سمع، لكن لا يُحبّ، فمجردُ الإخبارِ ليسَ حرامًا. وليسَ من الغيبةِ أن يُقال هذا سعرهُ مرتفعٌ أكثر من سعر فلان أو بضاعةُ فلان أحسنُ من بضاعة فلان أو حملة فلان للحج أحسن من حملة فلان أو فلان أعلمُ من فلان، لأنّ العبرةَ بما يكرههُ ذوُو الطبعِ السليم. وكذلكَ ليسَ من الغيبةِ المحرمةِ أن يتكلمَ على جماعةٍ كثيرين غير محصورين كأن يقول العشيرةُ الفلانيةُ فيهم الخَصلةُ الفلانيةُ ولم يكن واحد منهم حاضرًا في المجلس بحيثُ يتأذّى من ذلكَ، أما إن كانَ واحدٌ منهم في المجلسِ فقيلَ أمامهُ عشيرتكَ خبيثة فهذا حرامٌ لأنّ فيه إيذاءٌ له ، وأمّا أن يقول عن محصورين معروفين بعَينهم كلامًا فيه ذمٌّ فهو غيبةٌ محرّمة. وأمّا من تكلّمَ عن شخصٍ في خلفهِ بما يكرهُ دون ذكرِ اسمه ودونَ أن يعرفَ السامعونَ من المقصودُ فليسَ حرامًا. وكَما تحرُمُ الغيبةُ يَحرمُ السكوتُ عليها مع القدرةِ على النهيِ وتركِ مُفارقةِ المُغتابِ إن كانَ ينتهي معَ القدرةِ على ذلك.