التحريش بين الناس وبين البهائم
التحريش في اللغة الإغراء بين الناس ليتقاقتلوا ويتخاصموا ويتنافروا، وكذلك التحريش بين الكلاب والديكة والحيوانات حتى تضرب بعضها بعضا أيضاً معصية مِنْ جملةِ الذنوب الكبائرِ ويكون التحريشَ بالحَثِّ على فعلٍ مُحرَّمٍ لإيقاعِ الفتنةِ بين اثنين، وكذلكَ التحريشُ بينَ الكبشَينِ مَثلاً أو بينَ الديكَيْنِ مِنْ دونِ قولٍ بل باليدِ والإشارة ونحوها ويزداد في الأثم إن كان لأجل المقامرة كما يحصل في الحيوانات، ومن صور التحريش الذي نراه في أيامنا التحريش بين الزوج وزوجه، والأخ وأخيه، والقريب وقريبه، والتحريض على سوء ظن وعدواة وفتن فكم من بُيوت هُدمت، وحروب وقعت، ومقاتل نشأت وكم من قطيعة بين الاصحاب والأرحام وكم من طلاق وشقاق كان وراءه تحريش شياطين الجن والإنس؟ بحيل خبيثة، وأساليب ماكرة، وشبهات لا أساس لها من الصحة، مما يؤدي إلى إشتعال الشجار والشقاق وحدوث التنافر، وذهاب الحب والألفة والمودة فيما بينهم. وينبغي التحذير منه ما جرى على ألسن الكثير من إيراد الآية الفتنة أشد من القتل على معنى أن من يحرش بين الناس ويعمل الفتن ذنبه أشد من ممن قتل نفساً وهذا غلط مخالف للنصوص القرآن العظيم، بل وفيه تكذيب لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن أي الذنوب أعظم فأجاب " الشرك بالله" قيل له ثم أي قال: "قتل النفس التى حرم الله"، فمن المقطوع به عند المسلمين أن قتل النفس أكبر وأشد ذنب عند الله بعد الكفر بالله، وليس إفتعال الإفساد بين الناس والفتن بأشد من قتل النفس عند الله تعالى، فاحذر أن تورد الآية بغير محلها ، وأحذر حذرأ شديدا من أن تعتقد أن معنى الآية هكذا بل الآية سبب نزولها أن مشركي العرب منعوا القتال في أشهر معينة ثم قوتلوا فيه فأنكروا قالوا هذا محمد يدعي الخير ثم يرفع السيف في مثل هذا الشهر...! فأنزل الله في تبكيتهم وزجرهم: (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ)، أي كفركم بالله وعبادتكم للأصنام أشد من القتال في مثل هذا الشهر وليس معنى الآية أن الفتن أشد ذنباً عند الله من القتل، وإن كان عمل الفتن بين الناس أمر نهى عنه الشرع وحذر منه وهو طبع وعادة أهل الفساد والنفاق والرذائل..