وقفات مع ذكرى الإسراء والمعراج
إن من المعجزات التى أعطاها الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم الإسراء وهو إنتقاله من مكة المكرمة الى بيت المقدس وثم ّعروجه الى الملأ الأعلى أي السموات ووصوله الى الجنة. والمقصود من هذه الرحلة المباركة والمعجزة الباهرة تكريم النبيّ صلى الله عليه وسلم وإطلاعه على عجائب خلق الله وليس المقصود منه الوصول إلى مكان ينتهي فيه وجود الله لأنَّ الله تعالى لايوصفُ بالمكان والجهة كما هو شأنُ المخلوقات.
قال الله تبارك وتعالى:سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ ليلاً من المسجدِ الحرامِ إلى المسجِد الأقصى الذي باركنا حَولَهُ لِنُرِيَهُ من ءاياتِنَا إنّهُ هوَ السميع البصير [سورة الإسراء /1] ومعجزة الإسراء ثابتةٌ بنص القرءان والحديث الصحيح، فيجب الإيمان بأن الله أسرى بالنبي ليلاً من مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى، وقد أجمع أهل الحق من سلف وخلف ومحدثين ومتكلمين ومفسرين وعلماء وفقهاء على أنّ الإسراء كان بالجسد والروح.
ومن عجائب ما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في إسرائه:
١- الدنيا: رءاها بصورة عجوز.(وذلك علامة على أنها تفتن المتعلقين بها وهي ليست على شىء).
٢- إبليس: رءاه متنحياً عن الطريق.
٣- قبر ماشطة بنت فرعون وشمَّ منه رائحة طيبة.(وهي كانت عند فرعون وكانت على دين موسى الإسلام، وعلم فرعون بها وعذبها العذاب الشديد، والرسول مرَّ على قبرها وشم َّالريح الطيبة منه وأخبره جبريل بأمرها).
٤- المجاهدون في سبيل الله: رءاهم بصورة قوم يزرعون ويحصدونَ في يومين.
٥- خطباء الفتنة: رءاهم بصورة أناس تُقْرَضُ ألسنتهم وشفاههم بمقاريضَ من نار. (وهم الذين يخطبون بين الناس بالفتنة والكذب والغش).
٦- الذي يتكلم بالكلمة الفاسدة: رءاهُ بصورة ثورٍ يخرجُ من منفذٍ ضيقٍ ثم يريدُ أن يعودَ فلا يستطيع.
٧- الذين لا يؤدّون الزكاة:رءاهم بصورة أناس يَسْرَحون كالأنعام على عوراتهم رقاع.
٨- تاركو الصلاة: رأى قوماً ترضخُ رءوسهم ثم تعود كما كانت، فقال جبريل: هؤلاء الذين تثاقلت رءوسهم عن تأدية الصلاة .
٩- الزناة: رءاهم بصورة أناس يتنافسون على اللحم المنتن ويتركون الجيد.
١٠- شاربو الخمر: رءاهم بصورة أناس يشربون من الصديد (وهو ماء كريه الريح).
١١- الذين يمشون بالغيبة: رءاهم بصورة قوم يخمشون وجوههم وصدورهم بأظفار نحاسية.
وأما المعراج فهو ثابت بنص الأحاديث الصحيحة، أما القرءان فلم ينص عليه نصاً صريحاً. ومن عجائب ما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في المعراج:
١- مالك خازن النار.
٢- البيت المعمور:وهو بيت مشرف في السماء السابعة وهو لأهل السماء كالكعبة لأهل الأرض، كل يوم يدخُلُهُ سبعون ألف ملكٍ يصلون فيه ثم يخرجون ولا يعودون أبداً .
٣- سدرة المنتهى: وهي شجرة عظيمة بها من الحسن ما لا يصفه أحد من خلق الله ، يغشاها فَراشٌ من ذهب، وأصلها في السماء السادسة وتصل إلى السابعة ، ورءاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في السماء السابعة .
٤- الجنة: وهي فوق السموات السبع فيها ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سَمِعَتْ ولا خَطَرَ على قلب بشر مما أعدّه الله للمسلمين الأتقياء خاصة، ولغيرهم ممن يدخل الجنة نعيم يشتركون فيه معهم .
٥- العرش: وهو أعظم المخلوقات، وحوله ملائكة لا يعلم عددهم إلا الله . وله قوائم كقوائم السرير يحمله أربعة من أعظم الملائكة، ويوم القيامة يكونون ثمانية. والعرش هو سقف الجنة وهو مكان مشرفٌ عند الله قال الإمام عليّ كرمَ الله وجه: إنَّ الله خلقَ العرشَ إظهاراً لقدرتهِ ولم يتخذهُ مكاناً لذاتهِ.
٦- وصوله صلى الله عليه وسلم إلى مستوى يسمع فيه صرير الأقلام:
انفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل بعد سدرة المنتهى حتى وصل إلى مستوى يسمعُ فيه صريرَ الأقلام التي تنسخ بها الملائكة في صحفها من اللوح المحفوظ .
٧- سماعه ُصلى الله عليه وسلم كلام الله تعالى الذاتي الأزلي الأبدي الذي لا يشبه كلام البشر.
٨-رؤيته صلى الله عليه وسلم لله عزّ وجلّ بفؤاده لا بعينه:
مما أكرم الله به نبيه في المعراج أن أزال عن قلبه الحجاب المعنوي، فرأى الله بفؤاده، أي جعلَ الله لهُ قوةَ الرؤية في قلبه لا بعينه، لأنَّ الله لا يُرى بالعين الفانيةِ في الدنيا، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم:واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا
واعلم يا أخي المسلم أنَّ عقيدةَ المسلم أنّ الله تبارك وتعالى موجودٌ بلا مكان فلا يجوز أن يُعتقدَ أنَّ الله تعالى موجودٌ في مكانٍ أو في كلِ الأمكنةِ أو أنهُ موجودٌ في السماء بذاتهِ أو جالسٌ على العرش أو حال في الفضاء، تعالى الله وتنَـزهَ عن ذلك، لقوله تعالى:ليس كمثلهِ شىءٌ وهو السميعُ البصير. وقال الإمام علي كرم الله وجهه:كانَ اللهُ ولامكانْ وهوَ الآنَ على ما عليهِ كان. والمقصود بمعجزة المعراج تشريفُ الرسولِ الأعظمِ باطلاعهِ على عجائب ِالعالِم العلوي وتعظيم مكانته.
وأما اعتقادُ بعض الضاليَن أنَّ الرسولَ وصلَ إلى مكانٍ هو مركزٌ الله تعالى فهذا ضلالٌ مبيٌن لأنَّ المكانَ يستحيلُ على الله عزَّ وجلَّ لأنهُ من صفاتِ الخلق، ولا عبرة بما هو مكتوب في بعض الكتب الرخيصة الكثيرة الانتشار والذائعة الصيت والشهرة التي فيها ما ينافي تنـزيهَ الله تعالى عن المكانِ والتي يتداولها بعض العوام، والتحذير منها واجب شرعي محتم. ومنها الكتاب المسمى ((كتاب المعراج )) المنسوب كذبًا للإمام ابن عباس، فيجب التحذير منه ومن أمثاله لأنَّ الأمرَ بالمعروفِ والنهيَ عن المنكر فرضٌ واجب.
والله أعلم.