إنّ الحمدَ للهِ نحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستهدِيهِ ونشكرُهُ ونستغْفِرُهُ ونتوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ منْ شرورِ أنفسِنا ومنْ سيّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ لهُ. وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ ولا مثيلَ لهُ، ولا شَكْلَ ولا صورةَ ولا أعضاءَ لهُ، هوَ الإلهُ العفُوُّ الغفورُ المستغني عنْ كلِّ ما سِواهُ والـمُفتقِرُ إليهِ كلُّ ما عَداهُ. وأشهدُ أنّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرّةَ أعيُنِنا محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ وصفِيّهُ وحبيبُهُ، بلّغَ الرِّسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصَحَ الأمّةَ، صلّى اللهُ عليهِ صلاةً يقضي بِها حاجاتِنا ويفرّجُ بِها كُرباتِنا ويكفيْنا بِها شرَّ أعدائِنا وسلَّمَ عليهِ وعلى صَحبِهِ الطيبينَ وءالِهِ الأطهارِ ومَنْ والاهُ.
أما بعدُ عبادَ اللهِ، فإني أوصيكُمْ ونفسِي بتقوَى اللهِ العليّ القديرِ القائلِ في مُحكمِ كتابِهِ الكريمِ ﴿الحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الألبَابِ﴾.
إخوة الإيمان إنَّ صاحبَ العَقلِ السَّليمِ هو الذي يُعِدُّ الزادَ ليومِ الـمَعاد، وإنَّ خيرَ الزادِ التقوى، والتقوى إخوةَ الإيمان هي أداءُ الواجباتِ واجتنابُ المحرَّمات، فِعْلُ ما أمرنا اللهُ به وتَرْكُ ما نهانا اللهُ عنه، هذه هي التَّقوى وبهذا يكونُ الإنسانُ منَ المتقين وبهذا إخوةَ الإيمان يكونُ الإنسانُ مِنَ الآمِنينَ في الآخرة فإنَّ مَن يثبتُ على التقوى إلى المماتِ اللهُ يُدخلُه الجنةَ من غيرِ عذابٍ حيثُ النعيمُ الـمُقيمُ الخالد.
إخوةَ الإيمان قليلٌ مِنَّا مَنْ يَسْلَمُ مِنَ المعصية لكنَّ العاقلَ مَن يُسرعُ للتوبةِ منْ معاصيه ويبادرُ إلى نيلِ مَغفرةِ خالقِهِ وربُّنا عفوٌّ كريمٌ غفورٌ رَحيم.
وقد وردَ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في ما رواه الترمذيُّ وحسَّنَهُ أنَّ اللهَ تعالى يقولُ في الحديثِ القُدسيّ “يا ابنَ ءادمَ إنَّكَ ما دَعَوْتَني وَرَجَوْتَني غَفَرْتُ لكَ على ما كانَ مِنْكَ وَلا أُبَالي، يا ابنَ ءادمَ لوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّماءِ ثم استَغْفَرْتَني غَفَرْتُ لكَ ولا أُبالي، يا ابنَ ءادمَ لوْ أتيتَني بقُرابِ الأرضِ خطايا ثم لَقِيْتَني لا تُشْركُ بي شيئًا لأتيتُكَ بِقُرابِها مَغفرةً”.
وانتبهوا جيدًا يا إخوةَ الإيمانِ لِـمَا جاءَ في هذا الحديث القدسيِّ عنِ الله تبارك وتعالى “يا ابنَ ءادمَ إنك لوْ أتيتَني بقُرابِ الأرضِ خَطايا ثم لَقِيتَني لا تُشركُ بي شيئًا لَأَتَيْتُكَ بقُرابِها مغفرةً”. فأعظمُ حقوقِ الله تعالى على عبادِهِ هو توحيدُه تعالى وأنْ لا يُشركَ به شىء، لأنَّ الإشراكَ بالله هو أكبرُ ذنبٍ يَقْتَرِفُهُ العبد وهو الذنبُ الذي لا يَغْفِرُهُ اللهُ ويغفرُ ما دونَ ذلك لمن يشاء، قال اللهُ تبارك وتعالى ﴿إنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ ويغفرُ ما دونَ ذلكَ لمنْ يشاءُ﴾. ويقولُ تعالى في القرءان العظيم ﴿إنَّ الذينَ كَفَرُوا وصَدُّوا عن سبيلِ اللهِ ثمَّ ماتُوا وهمْ كفارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ﴾.
فالكفرُ بجميعِ أنواعِه هو الذنبُ الذي لا يَغْفِرُهُ اللهُ أي لمن استمرَّ عليه إلى الموت أو إلى حالةِ اليأسِ منَ الحياةِ برؤيةِ ملَكِ الموتِ وملائكةِ العذابِ أو إدراكِ الغَرَقِ بحيثُ أَيْقَنَ بالهلاك.
فاحمدِ اللهَ أخي المؤمنَ على أعظَمِ وأَفْضَلِ النِّعَمِ نِعْمَةِ الإيمان واثبتْ على هذا الدينِ العظيمِ دينِ الإسلامِ الذي جاءَ بِهِ كلُّ الأنبياء وَرَضِيَهُ اللهُ تعالى لِعِبَادِه، وبادِرْ إلى اغتِنَامِ الفضائلِ وخُذْ بأسبابِ المغفرةِ وسارعْ إلى التوبةِ مِنْ غَيْرِ تَسْوِيفٍ ولا إصرارٍ، يقول ربُّنا الكريم ﴿والذينَ إذا فَعَلُوا فاحشةً أو ظَلَمُوا أنفسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فاستغفَرُوا لذنوبِهِمْ ومَنْ يَغْفِرُ الذُّنوبَ إلا اللهُ ولم يُصِرُّوا على ما فَعَلُوا وهُمْ يَعْلَمُونَ﴾.
فبابُ المغفرة إخوةَ الإيمانِ واسعٌ وليس محصورًا بالحجِّ وإن كان الحجُّ له مَزِيَّةٌ كبيرةٌ في هذا الأمرِ ليسَتْ لِلصَّلاةِ ولا للصيامِ ولا للزكاةِ وهي أنّ الحجَّ المبرورَ يُكَفِّرُ الكبائرَ والصغائرَ لقولِه صلى الله عليه وسلم مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أمُّهُ اهـ بخلافِ الصلواتِ الخمسِ والزكاةِ والصيامِ فإنها لا تكَفِّرُ الكبائرَ وإن كانتْ مَرْتَبَةُ الصلواتِ الخمسِ في الدينِ أعلى من مَرْتَبَةِ الحج.
فهنيئًا لمن يَسَّرَ اللهُ له الحجَّ في هذه السنةِ أما مَن لم يَتيسرْ له ذلك فنقولُ له أبوابُ المغفرة كثيرةٌ وسُبُلُ الخير ِكثيرةٌ فقد قالَ رسولُ اللهِ صلواتُ ربي وسلامُه عليه ما مِنِ امرِئٍ مُسلمٍ تحضُرُهُ صلاةٌ مكتوبةٌ فَيُحْسِنُ وُضوءَها وخُشوعَها وركوعَها إلا كانتْ كفّارةً لِما قَبْلَها مِنَ الذنوبِ ما لَمْ تُؤتَ كبيرةٌ وذلك الدهْرَ كُلَّهُ اهـ
وقال عليه الصلاةُ والسلام أيضًا أَرَأَيْتُمْ لو أنَّ نهرًا ببابِ أحدِكم يَغتسلُ منهُ كلَّ يومٍ خمسَ مراتٍ هل يَبْقَى من دَرَنِهِ شىءٌ قالوا لا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شىءٌ قالَ فذلكَ مَثَلُ الصلواتِ الخمسِ يمحو اللهُ بهنَّ الخَطايا اهـ أي الصغائر.
أخي المؤمن تذكَّرْ أنَّ اللهَ واسعُ المغفرةِ وأنَّه بِكَرَمِهِ وَفَضْلِهِ هَيَّأَ لكَ أسبابَ الفوزِ بالمغفرة واللهُ تعالى شَكُوْرٌ يُعْطِي على العملِ القليلِ الأجرَ العظيم، كلماتٌ قليلةٌ سهلةٌ إذا قُلتَها في السُّوقِ يُرجَى لكَ ثوابٌ عظيم “لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، لهُ الملكُ ولهُ الحمدُ يُحيِي وُيميتُ وهو حيٌّ لا يَموتُ بيدِهِ الخيرُ وهوَ على كلِّ شىءٍ قديرٌ”. وردَ في الحديثِ أنّ مَن قرأَ هذا الذِّكْرَ إذا مرَّ في السُّوقِ كتبَ اللهُ له ألْفَ ألفِ حسنة وغَفَرَ له ألفَ ألفِ سيئةٍ، ألفُ ألفٍ أي مليونٌ فالحمدُ للهِ ربِّ العالمين على فَضْلِه.
إخوةَ الإيمان، قد يتساءلُ شخصٌ فيقول قدْ مَضَى بي العمرُ وأنفاسُ الإنسانِ خُطَاهُ إلى أَجَلِهِ وقد أسْرَفْتُ على نَفْسِي فكيفَ أَتَدَارَكُ أَمْرِي، فالجوابُ أنَّ اللهَ تعالى قال ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾ أي أنَّ اللهَ يغفرُ لمن يعمَلُ الذنبَ ثم يتوبُ منه قبلَ أن يموت. فسارعوا إلى مغفرةٍ مِن ربِّكُم فالتائبُ من الذنبِ كمَنْ لا ذنبَ له.
أيها الأحبة لا طريقَ للخَيرِ والنجاةِ إلا بمتابعةِ المصطفى عليه الصلاةُ والسلام ولا يستطيعُ الشخصُ متابعةَ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلم إلا إذا عَلِمَ طريقَهُ ولا سبيلَ لمعرفةِ طريقِهِ المـُنْجِي إلا بِتَعَلُّمِ عِلْمِ الدِّين فَعِلْمُ الدِّيْن حياةُ الإسلام.
فعليكُم بعلمِ الدين لتَعْلَمُوا الحلالَ مِنَ الحرام ولِتَعْلَمُوا ما هي المعاصي لِتَتَجَنَّبُوها ولِيَتوبَ مِنْها مَنْ كان واقعًا فيها قبلَ أن يفاجئَهُ مَلَكُ الموتِ عَزرائيلُ عليه السلام.
واعلَمُوا أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلم قال مَنْ قالَ حينَ يُصْبِحُ رَضِيْتُ باللهِ رَبًّا وبالإسلامِ دِيْنًا وبمحمدٍ نَبِيًّا فَأَنَا الزَّعِيْمُ (أي أنا ضامنٌ وكافلٌ له) قال فأنَا الزَّعيمُ لآخُذَنَّ بِيَدِهِ حتى أُدْخِلَهُ الجنةَ اهـ رواه الطبرانيُّ. فمَن قالَ هذه الجملةَ كُلَّ صباحٍ ولو مَرَّةً ينالُ هذا الثوابَ العظيمَ بهذه الكلمةِ الخفيفةِ على اللسانِ بلا تعبٍ، فهلُمُّوا أحبابَنا الكرامَ إلى وُلُوْجِ أبوابِ الخيرِ وطلبِ المغفرةِ منَ الله العظيمِ الغفار.
ربّنا اغفِرْ لنا ذنوبَنا وارحمْنا يا واسعَ المغفرةِ يا ربَّ العالمينَ يا الله. هذا وأستغفرُ الله لي ولكم