بِرُّ الوالدين وحقّهما على الولد

بِرُّ الوالدين وحقّهما على الولد

قال الله تبارك وتعالى وهو أصدق القائلين: ووصينا الانسان بوالديه حُسناً. وجاء في حديث عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعظم الناس حقاً على المرأة زوجها وأعظم الناس حقاً على الرجل أمه حديث صحيح صححه الحاكم وغيره. 

والآيات في هذا الباب كثيرة وقد وردت أحاديث صحيحة مشهورة ولو أردنا بسطها لجمعنا مجلدات في ذلك. وفيما ذكرنا يتبين لنا عظم حق الوالدين على أولادهما، وأعظمهما حقاً على الولد الأم فإنها أولى الناس بالبر والطاعة. ولا يسقط بر الأم والأب عن الولد لكونهما أساءا إليه في صغره بأن أضاعاه وقطعاه من الإحسان والنفقة فليس للولد حين الكبر أن يقابل هذه الإساءة بالإساءة فيقول هما لم يرحماني صغيراً بل أضاعاني وسلماني للجوع والعطش والعرى فأنا اليوم أعاملهما بالمثل فمن فعل ذلك وقع في وزر كبير هو وزر العقوق الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا يدخلون الجنة العاق لوالديه والد يوث ورجلة النساء رواه البيهقي أي لا يدخلها مع الأولين.

        معنى العقوق وعظم ذنبه

ومعنى العقوق أن يؤذي والديه أذى ليس بهيّن ومع ذلك فإيذاء الوالدين أذى شديداً أو خفيفاً حرام. ومنه شتم الأم والأب. أو ضرب الأم أو إهانتها أو إحداهما. ومن جملة العقوق إذا أطاع الولد أمه على ظلم أبيه أو أطاع أباه على ظلم أمه. وليعلم أن عذاب عقوق الوالدين المسلمين عند الله تعالى شديد حيث إن عاقهما لا يدخل الجنة مع المسلمين الأولين بل يدخلها بعد عذاب شديد مع الآخرين للحديث المذكور آنفاً وليس المعنى أنه كافر محروم من الجنة. كذلك حثّنا الشرع على بر والدينا فقد قال الله تعالى ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفِصالُه في عامين أن اشكر لي ولوالديك إليَّ المصير سورة لقمان،  وقال تعالى وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا أي براً بهما وشفقة وعطفاً عليهما. ومعنى قوله تعالى: وقل لهما قولاً كريما أي قولاً ليناً لطيفاً فإن الله سبحانه وتعالى نهى عن أن يقال لهما أُفٍ وأمر سبحانه وتعالى بأن يُقال لهما القول الكريم أي اللين لا سيما عند الكبر وأن يخفض لهما الجناح بأن يكلمهما بأدب واحترام.

 أحاديث في فضل بر الوالدين

 ومما ورد في فضل بر الوالدين ما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت الى غار، فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل فسدّت عليهم الغار فقالوا إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم قال رجل منهم اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا (أي لا أقدم عليهما في الشرب أهلا ولا مالا كرقيق وخادم) فنأى بي طلب الشجر يوماً فلم أرح عليهما حتى ناما فجلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين فكرهت أن أوقظهما حتى برق الفجر والصبية يتضاغون عند قدمي (أي يصيحون من الجوع) فاستيقظا فشربا غبوقهما اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج منه. ودعا الإثنان الآخران بفضل أعمالهما فانفرجت عنهم الصخرة وخرجوا يمشون.

فبعد ما ذكر من فضل بر الوالدين ووعيد عقوقهم فأي عاقل يعدل عن برهم الى عقوقهم؟

أخي المسلم، إن وقعت في شتم والديك أو أحدهما أو إيذائهما بقول أو فعل فسارع رحِمك الله الى التوبة بأن تستسمح منهما واعزم بقلبك أن لا تعود لمثل ما صدر منك وأحسن إليهما وقل لهما قولاً كريماً. اللهمَّ إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وفجأة نقمتك وجميع سخطك. اللهمَّ يا مُصرِفَ القلوب صرِّف قلوبنا على طاعتك يا أرحم الراحمين.