ترك العدل بين الزوجات

من معاصي البدن الكبائر ترك العدل بين الزوجات كأن يرجح واحدة من الزوجات على غيرها ظلما في النفقة أو المبيت فيجبُ على الرجل الذي تزوج أكثر من واحدةٍ أن يعدلَ بينَ زوجاته في النفقةِ الواجبةِ والمبيتِ وليسَ معنى ذلك أنه كلما اشترى لإحداهنّ شيئًا يلزمه أن يشتريَ للأخرى مثله أو أنه كلما جامعَ واحدة يلزمه أن يجامع الأخرى بل المعنى أنه يجب أن يُهيّئَ لهذه المسكن اللائق بها ولهذه كذلك ويبيت عند هذه ليلة وعند هذه ليلة أو على غير هذا الترتيب لكن مع التسوية. ولا يلزمه أن يمكث عندها كل الليل بل لو مكث عندها ساعةً ثم أمضى بقية الليلة في المسجد جاز. ولا يدخل بيتَ الأخرى في غير دورها في النهار إلا لحاجة فيجوز له أن يدخل لرؤية أولاده أو بعض زوّاره أما في الليل فلا يدخل إلا لضرورة. أما قوله تعالى في سورة النساء:{ولنْ تستطيعوا أن تعدِلوا بينَ النساءِ ولو حرَصْتُم} فمعناه لن تستطيعوا أن تسَوُّوا بينهمّ في المحبةِ القلبيةِ والجماع[1]، وهذا ليس مما كلّف الله به عباده لأنه ليس في وسعهم. وتمامُ العدل [2] هو أن يسوي بينهنّ بالقسمة والنفقةِ والتعهد والنظر والإقبال والمُحالمة والمفاكهة. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسمُ بين نساءهِ فيعدل ويقول: "اللهم هذا قَسْمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملِكُ ولا أملك" رواه أصحاب السنن وابن حبان والحاكم من حديث عائشة رضي الله عنها.[3] ثم إن الذي لا يعدلُ في النفقةِ الواجبةِ بين الزوجات فهو فاسق يأتي يوم القيامة وشقهُ مائلٌ أي مفلوج. وكذا الذي لا يسوي بينهن في المبيتِ فهو فاسق. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ)[4]

 


[1] وهذا المعنى مجمع عليه عند العلماء، وليس في الآية تحريم زواج الرجل بأكثر من امرأة كما يدّعي بعض الجهال.

[2] أي مع الزيادة على الواجب

[3] أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى الزوجة فقال "استوصوا بالنساءِ خيرًا فإنهنَّ عوانٍ عندكم" رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه أي أسيراتٌ، وقال "استوصوا بالنساء خيرًا فإنهنَّ خُلقنَ من ضلعٍ أعوج" رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة، وقال الله تعالى {وعاشروهنَّ بالمعروف} [سورة النساء/19] أي بلا إيذاء ولا تقصير في الحقوق فالذي يُحسنُ معاملةَ نسائهِ فهو من أفضل المؤمنين أي يُحسن إليهنّ بالعطفِ والرحمةِ والإحسان. أفضلُ الرجال هم الذينَ يكون إحسانهم لنسائهم أحسن فيتواضع مع امرأته ويُحسن إليها ويصفح ويعفو عن سيئاتها ولا يقابل إساءتها بالإساءةِ ويعاملها بالحكمةِ والمُداراة. وقال عليه الصلاة والسلام "خيركم خيركم لأهلهِ وأنا خيركم لأهلي" رواه البخاري. أي أنه عليه الصلاة والسلام يعاملُ نساءه أحسنَ معاملة أكثر من غيره، فقد كان عليه الصلاة والسلام لما يخرج يأتي إلى باب زوجتهِ هذه ويقول "السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته" ويأتي باب الأخرى ويقول مثل هذا ويأتي باب الأخرى ويقول مثل هذا وهكذا يدور عليهنّ للسلام في غير دور صاحبةِ الدور، فأيّ سرور يدخل على زوجتهِ التي يُسلِّمُ عليها. الرسول عليه الصلاة والسلام علّمنا أن نتواضعَ مع أهلنا وأن نخالف أنفسنا لأن النفس تحب الترفع، والتواضع مطلوبٌ، الرجلُ إذا خدم نفسه وخدم زوجته في البيت بدلَ أن ينتظر خدمتها هذا عند الله أفضلُ، الرسول كان يحلبُ شاته بيده إلى البيت بدل أن يقول لإحدى نسائه احلبيه أنت، كان يتولى خدمة البيت بنفسه ويخيط ثوبه أي يرقعه ويخصف نعله أي يخرزها أي يخيطها ويرفع دلوهُ ولو قيل إنه كان يكنس بيته لا يبعُدُ بل هذا من كمال التواضع لكن هذا ما وردَ في السيرة.

[4] رواه ابو داوود